في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006.. المواجهة وإبداعات المقاومة

بقلم: رامز مصطفى

إن كان العدو الصهيوني لا يجهل قدرات المقاومة وحزب الله ، وإمكانياته القتالية ، على خلفية ما مني به من خسائر فادحة خلال كل المعارك التي خاضتها المقاومة ضد الجيش " الإسرائيلي " ، والحروب التي شنها على لبنان " عملية تصفية الحساب " في تموز 1993 ، و" حرب عناقيد الغضب " في العام 1996 . قبل أن تجبره المقاومة على الانسحاب صارغاً من الجنوب في العام 2000 . ولكن العدو ونتيجة فشله الاستخباري الفاضح - ( كما هو الحال في عدوانه على قطاع غزة ) – لم يتمكن من الوصول إلى ما يمتلكه حزب الله والمقاومة في لبنان من تطورات مذهلة في القدرات والإمكانيات العسكرية ، تدريباً وعتاداً ، وبشكل خاص القوة الصاروخية التي شكلت مع المواجهة والالتحام المباشر مع القوات " الإسرائيلية " التي دخلت الجنوب كما حصل في مارون الرأس وعيتا الشعب وبنت جبيل ، ووادي الحجير الذي حول دبابات العدو إلى كتل وخردة حديدية ، جعلت من الوادي نقشاً محفوراً في الذاكرة على أنه مقبرة للغزاة الصهاينة . هذه القوة الصاروخية التي استمرت في التساقط على عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة طيلة 33 يوم ، أسقطت الجبهة الداخلية في الكيان ، وأفقدت القيادات بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية القدرة على إدارة المعركة ، والفشل في السيطرة والقيادة خلال أيام العدوان المدمر لكل البُنى التحتية على شعاع الأرض اللبنانية . ولعل ما انتهجته المقاومة من إتباعها إستراتيجية وتكتيك قتالي زاوج بين القتال على نسق الجيوش النظامية ، وقتال حرب العصابات ، وذلك بحسب ظروف المعركة في الميدان قد دفع قادة جيش العدو الغازي إلى الوقوع في الإرباك والتخبط . على عكس قيادة المقاومة التي أظهرت القدرة الفائقة على السيطرة والقيادة وما أظهرته من رباطة جأش وإرادة لا تلين . وما ظهور قائد المقاومة السيد نصر الله على شاشة قناة المنار ، ومخاطبة الجمهور على تنوعه في لبنان وخارجه ، وإعطائه الأوامر المباشرة للمقاومين في تدمير البارجة الحربية " ساعر 5 " ، التي ترابط قبالة بيروت بهدف الاعتداء على أهلها الأمينين ، حيث دمرتها المقاومة ، وأخرجت سلاح البحرية الصهيونية من المعركة . إلاّ دليل ساطع في القدرة والتحكم على السيطرة والقيادة . على الرغم ما ارتكبه العدو وألحقه من دمار هائل ومجازر بحق أهل الجنوب والضاحية والبقاع الشمالي . مضافاَ لذلك الحملة الإعلامية والسياسية المنظمة التي طاولت المقاومة وحزب الله ، محملة إياهم مسؤولية هذه الحرب ، ووصفهم بالمغامرين والمقامرين سواء من هم في الداخل اللبناني ، أو من هم في الواقع الإقليمي والدولي . ومن إبداعات المقاومة وقيادتها في سياق الحرب أنها كرست مفهوم المعادلات بمعنى أن سيد المقاومة ، السيد نصر الله فرض معادلة أن مقابل قصف بيروت ستقصف المقاومة تل أبيب . وهنا نصحت قيادات " إسرائيلية " الحكومة أنها لا تجرب حزب الله ، مما سيؤدي إلى كارثة إستراتيجية حقيقية في انهيار المجتمع " الإسرائيلي " . وكما في الميدان ، أبدعت المقاومة في حربها الإعلامية والنفسية .

الخسائر الميدانية والاقتصادية

صحيح أن لبنان تعرض نتيجة العدوان إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين من شهداء وجرحى ، وتدمير شبه تام في البنى التحتية من كهرباء وماء وجسور ، ومطارات " بيروت ورياق والقليعات " ، ومستشفيات ، ومدارس ، ومنشآت عامة وخاصة . ومن دمار هائل في مدن وقرى الجنوب والبقاع الشمالي والأوسط ، والضاحية الجنوبية التي سويت بالأرض في دلالة واضحة على فاشية العدو وإجرامه وإرهابه ، وما أظهره من حقد على بيئة المقاومة وحاضنتها الشعبية التي دفعت إلى التشرد والنزوح عن قراها ومدنها وضواحيها . ولكن هذه الخسائر وعلى جسامتها وفداحتها ، إنما هي الدلالة الساطعة على فشل العدو في عدوانه على لبنان ، وانتقامه من لبنان في تدمير بناه التحتية وقتل مواطنيه ، وارتكاب المجازر ، وقانا الثانية شاهد حي على وحشية هذا العدو وإجرامه . وهي لا تقل فداحة عما تعرض له العدو الصهيوني وكيانه الغاصب ، على يد المقاومة وحزب الله سواء في الميدان أو البنى التحتية والاقتصادية ، ولعل الأهم تعميق أزمة الكيان الوجودية ، ودفع الكثير من المستوطنين إلى مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد أوردت صحيفة " يديعوت أحرونوت " العبرية ( 27/1/2002 ) مقالاً بعنوان " يشترون شققاً في الخارج تحسباً لليوم الأسود " ، والمقصود هنا هم الإسرائيليون الذين غادروا حينئذ بالآلاف ، أما " اليوم الأسود " فهو يوم نهاية إسرائيل ، لأنه متجذر في الوجدان الصهيوني . حتى ما قبل إنشاء الدولة ، أدرك عدد من الصهاينة الأوائل أن مشروعهم مستحيل ، والحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس . لذلك تجد " الشاعر الإسرائيلي حاييم جوري " يعتقد أن كل " إسرائيلي يولد وفي داخله السكين الذي سيذبحه " .

وقد كشف تقرير استخباري فرنسي أن خسائر " إسرائيل " هي أقرب إلى الخيال ، مقارنة مع ما اعترفت به حكومة العدو . ونقلاً عن مصادر صهيونية رسمية بحسب التقرير من العسكريين ( 2300 ) ، وليس ( 119 ) . وهناك ( 65 ) من الجنود قتلوا تحت أنقاض المنازل في الجنوب . أما بشأن البارجة الحربية " ساعر 5 " ، فعدد القتلى ( 24 بين ضابط وجندي ) ، بالإضافة إلى تدمير البارجة . أما الخسائر في عدد الدبابات وناقلات الجند التي دمرت بالكامل ( 65 ) ، منها ( 38 نوع ميركافا ) . أما عدد الدبابات وناقلات الجند التي أصيبت بشكل بالغ ( 93 ) . وبين موقع CNN وجريدة الدّيار بتاريخ 21 آب 2006 ، أن عدد القتلى من المستوطنين ( 157 ) ، وجرح ( 860 ) ، ونزوح ( 300000 مستوطن ) . وسقط على الكيان من الصواريخ ( 3970 صاروخاً ) . وكتب المراسل الاقتصادي لصحيفة " يديعوت أحرونوت " أن التكلفة الحربية المباشرة بلغت 7 مليارات شيكل فيما الخسائر المباشرة في الشمال " الإسرائيلي " تبلغ 5 مليارات شيكل . باستثناء ما دمرته المقاومة من أعتده وأسلحة . وبلغت خسائر " الاقتصاد الإسرائيلي " يومياً تصل إلى 500 مليون شيكل ( 110 ملايين دولار )، فإن اتحاد الصناعيين سارع للإعلان عن أن خسائر الاقتصاد في مصانع الشمال وحدها ، يومياً ، تتراوح ما بين 300 مليون إلى 400 مليون شيكل ( من 68 مليون إلى 90 مليون دولار ) . وهذه تقديرات مبنية على إحصائيات تقول إن 90% من المرافق الاقتصادية من مصانع وأماكن عمل مختلفة ، في أقصى شمال فلسطين المحتلة ( منطقة كريات شمونة الحدودية ) . هذا بالإضافة إلى خسائر في القطاع الصناعي ( 1800 مصنع توقف عن العمل ) ، والفندقي والسياحة ( 12 مليون دولار ) ، وخسائر واضطرابات في أسعار البورصة . ناهينا عن المنشآت العامة والخاصة ، وما تم صرفه من نفقات ورواتب على لجنة فينوغراد ، والتي بلغت وحدها ( 13733000 شيكل ) .

بقلم/ رامز مصطفى