في أي مجتمع متواجد بالعالم ، دائما ما تبرز طبقة محددة من النخبة المثقفة ، التي تتنوع طبيعة علاقتها مع عامة الشعب و مع النظام الحاكم حسب أيدلوجية و أهداف أفراد تلك النخبة ، فهناك بعض المثقفين الذين يندمجون بشكل كامل مع باقي الطبقات الأخرى بالمجتمع و يصبون جُل اهتمامهم للتعبير عن قضايا الشعب ومعاناة الفقراء و الطبقات المهشمة ، و في ذات الوقت، هناك فئة أخرى من المثقفين الذين يضعون حاجزا بينهم و بين عامة الشعب، و يهتمون فقط بنسج علاقات برجماتية مع النظام الحاكم و صناع القرار من أجل الحفاظ على مركزهم الاجتماعي النخبوي و الحصول على مناصب رفيعة بالدولة.
لذا نستطيع القول أن العلاقة بين المثقف و السلطة الحاكمة ، هي علاقة تتسم بالمد والجزر و تتشكل حسب طبيعة شخصية ذلك المثقف و حسب الأيدلوجية و الفكر الذي يتبناهما هذا المثقف سواء كان مؤيد لسياسة النظام الحاكم أو معارض لها.
من هو المثقف ؟
ولكي نتعمق أكثر في تحليل علاقة المثقف بالمجتمع ، لابد لنا أولاً من أن نتعرف على ما المقصود بالمثقف ؟ و من هو الشخص الذي يمكننا أن نطلق عليه صفة المثقف ؟
فهل المثقف هو الإنسان المتعلم الحاصل على شهادات جامعية ؟ أم هو الشخص الذي يمتلك رصيداً معيناً من الإنتاج الأدبي و الفني أو الأعمال الثقافية الأخرى ؟
و للإجابة على تلك التساؤلات ، لابد لنا من عرض بعض التعريفات التي تناولها بعض المفكرين و الفلاسفة حول مفهوم المثقف خلال فترات معينة من التاريخ ، حيث عرف بعض المفكرين المثقف بشكل عام ، بأنه ليس بالضرورة أن يكون الشخص الذي يمتلك الشهادات العلمية أو من له بعض الأعمال الأدبية المنشورة ، بل المثقف هو الشخص الذي لديه نظرة شاملة لتغيير المجتمع ، وهو الذي يعمل لصالح القطاعات العريضة في المجتمع و يتميز بأنه لديه القدرة على النقد الاجتماعي و العلمي .
ويرى الفيلسوف و الكاتب المسرحي الفرنسي، جان بول سارتر أن المثقف هو إنسان يتدخل و يدس أنفه فيما لا يعينه ، أما الفيلسوف الايطالي الشهير انطونيو غرامشي ، فقد ميز في تعريفه لمفهوم المثقف بين نوعين من المثقفين وهما المثقف العضوي و المثقف التقليدي.
و يعني غرامشي بالمثقف العضوي بأنه المثقف الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من الفلاحين (الجنوب الإيطالي) والعمال (الشمال الإيطالي)، أما المثقف التقليدي فهو المثقف الذي يوظف أدواته الثقافية للعمل على استمرار هيمنة الكتلة التاريخية السائدة من الإقطاع والبرجوازية والفئة العليا الاكليروس.
ويتساءل غرامشي حول طبيعة المثقفين قائلا : “هل يشكل المثقفون فئة اجتماعية متجانسة ومستقلة؟” ثم يجيب على تساؤلاه موضحا “إن المثقف لا يشكل انعكاسا للطبقة الاجتماعية وإنما هو يؤدي وظيفة إيجابية في تحقيق رؤيتها للعالم بشكل متجانس”.
أما المفكر الفلسطيني المعروف ، ادوارد سعيد فهو يرى أن المثقف ليس ذلك الشخص المتعلم، الذي يأخذ وظيفة في الجهاز الحكومي والإداري ، حيث أن فئة المثقفون شيء والإنتلغنسيا المهنية شيء آخر تماما .
ويوضح ادوارد سعيد، في كتابه الشهير المثقف و السلطة ، بأن المثقف هو ليس حامل الشهادة، فكم من حملة شهادات هم في الحقيقة جهلة مُقَنَعون وليس المثقف من يضع معارفه تحت تصرف النظام مقابل أخذ الأجر المناسب ، بل المثقف، هو الذي يملك ملكة المعارضة، ملكة رفض الركود، و هو الذي لا يرضى بحالة حتّى يغيرها، فإذا غيَّرها بدأ يحلم بمواصلة التغيير.
ويضيف سعيد حول طبيعة المثقف ، بأنه فقط في لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً، وفي ما عداها، هو غير راضٍ، هو رافض، هو قلق، هو متعطش إلى التغيير و يحس إحساساً داخلياً، بأنه هو وحده المسئول عن الإصلاح، عن التغيير، عن إلغاء الغبن، عن تدمير الظلم، فحسب اعتقاد المفكر ادوارد سعيد ، المثقف هو صاحب رسالة، وإذا لم يمارسها فإن وجوده يصبح زائداً، أو فائضاً، أو غير ضروري.
لذا يتضح لنا من جملة التعريفات السابقة عن مفهوم المثقف، أن المثقف المثالي هو إنسان يمتاز عن بقية أفراد المجتمع، بأنه يمتلك فكر خاص و صاحب قضية اجتماعية أو سياسية معينة يهدف من خلاها نشر الوعي داخل المجتمع و التأثير على النظام الحاكم ، و هو ليس مجرد شخص يمتلك شهادة جامعية معينة أو يتلقى أجراً مقابل الترويج لأفكار معينة من أجل محاباة النظام الحاكم أو من أجل نيل مصلحة شخصية ما ، حيث أن أصل دور المثقف في المجتمع هو التغيير و الإصلاح من أجل مصلحة الوطن بعيدا عن النفاق السياسي و الاجتماعي.
و نستنتج أيضا من الآراء المتنوعة للفلاسفة و المفكرين العالميين ، بأنه ليس بالضرورة كل إنسان متعلم هو مثقف، أو أن الحصول على درجة علمية رفيعة هي شرط لأن يكون الإنسان مثقف ، فالمثقف هو من يمتلك القدرة العقلية و الفكرية للمشاركة بأفكار إبداعية خلاقة، محاولاً إيجاد حلولا لمشكلات المجتمع و الدولة ، و مساهما في التأثير على المجتمع وتوعيته من أجل الصالح العام و تحقيق النهضة.
أنواع المثقفون و طبيعة أدوارهم بالمجتمع :
و لكي نستطيع الحكم على طبيعة العلاقة بين المثقف و السلطة الحاكمة، لابد لنا من أن نميز بين أنواع مختلفة من شخصيات هؤلاء المثقفين ، حيث لدى أي مثقف علاقة خاصة تربطه مع السلطة ، سواء كانت تلك العلاقة جدلية أو توافقية و ذلك حسب طبيعة فكر و أهداف هذا المثقف.
فهناك المثقف المؤيد للسلطة و التابع لها و في نفس الوقت هناك المثقف الناقد و المعارض للسلطة و هناك أيضاً المثقف المحايد.
لذا هنا شرائح معينة من المثقفين الذين يمكننا أن نصادفهم في أي مجتمع عربي وفي مجتمعنا الفلسطيني سواء كان هذا المجتمع منغلق أو منفتح ، حيث أن الطبيعة البشرية لا تختلف كثيرا من مكان لأخر ، سوى وجود بعض الفروقات في مستوى الحضارة المدنية و هامش الحريات الشخصية المسموح بها من مجتمع لأخر و التي تنعكس خصائصها على طريقة تعبير المثقف عن رأيه بحرية أو بقيود.
لذا من خلال قراءة أوضاع المثقفين في المجتمعات العربية والفلسطيني حيث يهمنا التطرق إلى ذلك ضمن مفهوم الغياب ألقسري لتأثير المثقفين في عملية التغيير الايجابي ، يتضح لنا أن أبرز أنواع المثقفين الذين نقابلهم في مجتمعنا العربي والفلسطيني يندرج معظمهم ضمن إطار الفئات التالية:
– المثقف الموالي للسلطة
و نقصد هنا بالمثقف الموالي للسلطة هو المثقف الذي يؤيد السلطة بشكل كامل و يدافع عن النظام الحاكم بشكل مبالغ فيه ، مع تضخيم انجازات هذا النظام ، بغض النظر عن مستوى نزاهة أو فساد نظام الحكم ، فهذا المثقف هو شخص يتسم بالبرمجاتية و بالسعي وراء المنفعة و المصلحة الشخصية ، و لا يهمه إذا كان النظام الحاكم يحترم حقوق الشعب أو ينتهكها ، حيث أن همه الوحيد هو كسب حصانة السلطة و الوصول إلي مناصب رفيعة في مؤسسات الدولة.
و تستغل عادة بعض الأنظمة العربية الحاكمة هذا النوع من المثقفين من أجل الترويج لأجندتها الخاصة ومن أجل التأثير على المواطن لكي يغير انطباعه السلبي عن أية إجراءات تتخذها الدولة بحق المواطنين.
و قد يكون هذا المثقف أيضا الموالي للسلطة، ناشطاً سياسياً في الحزب الحاكم ، مما يجعله ذلك يتقدم في المراتب السياسية و يحتل مناصب رفيعة، كلما قام على سبيل المثال بنشر مقالات رأي تدعم النظام الحاكم أو كلما شارك بفعاليات ثقافية و اجتماعية تروج للسلطة و تلمع صورتها أمام الجمهور.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من المثقفين هو من يلقى دوما الدعم الكبير من قبل وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام الحاكم، حيث دوما ما يتم استضافته في البرامج التلفزيونية الرسمية ، لكي يساهم في تحسين صورة السلطة الحاكمة ومن أجل الترويج لأفكار و أيدلوجية النظام الحاكم.
– المثقف المعارض للسلطة
و يتصف هذا النوع من المثقفين بمعارضته الدائمة للسلطة سواء كانت تلك المعارضة قائمة على أسباب منطقية و تهدف لمصلحة المواطن أم لا ، حيث المبدأ الذي يتبناه هذا المثقف هو مبدأ “أنا أعارض إذن أنا موجود ! ” ،
و ذلك بغض النظر عن أن أية خطوات أو أعمال تقوم بها السلطة قد تستحق فعلا للمعارضة أم لا ، فقد تقوم أحيانا بعض الجهات المسئولة باتخاذ بعض خطوات تصحيحية من أجل دعم مصلحة المواطن ، لكن هذا النوع من المثقفين لا يهمه ذلك ، لأن هدفه الدائم هو الانتقاد المستمر لأفعال السلطة ، حتى لو كان هناك بعض الممارسات الصائبة التي تستحق الثناء، وذلك لأن هذا النوع من المثقفين ينشد حب الظهور و يرغب بأن يظهر أمام الجميع كالشخص المختلف الذي لا يرضيه أي تصرف من قبل السلطة الحاكمة.
و قد يكون من أحد أسباب المعارضة المستمرة من قبل هذا المثقف للنظام الحاكم هو عدم اقتناع المثقف بالبرنامج السياسي للسلطة و تعارض ذلك البرنامج مع أيدلوجيته وفكره أو يكون السبب أحيانا انتماء هذا المثقف لحزب معارض يتنافس مع الحزب الحاكم ، لذا هنا تتدخل المنافسة الغير موضوعية و التي تستغل عبرها بعض الأحزاب المعارضة لهؤلاء المثقفين الجريئين ألشديدي النقض للسلطة ، فيتم استخدامهم كأدوات لإظهار عيوب السلطة الحاكمة و للتشهير بشخصيات سياسية و قيادية تنتمي للحزب الحاكم
و من الجدير بالذكر أن هذا النوع من المثقفين المعارضين للسلطة بشكل مستمر يتجاهلون دوماً أي انجاز قد يحققه الحزب الحاكم و يقومون دوما بتضخيم أخطاء النظام الحاكم و تقليب الرأي العام على النظام الحاكم.
و تتعامل الأنظمة الحاكمة العربية عادة مع هذا النوع من المثقفين إما بالتجاهل التام ومحاولة تهميش هؤلاء المثقفين أو باعتقالهم و التحقيق معهم في حال شكلت معارضة هؤلاء المثقفين خطرا كبيرا على المصلحة الكبرى للحزب الحاكم و في حال بدأت أنشطة هؤلاء المثقفين تؤثر فعلا على الرأي العام و تحرض الشعب على الثورة ضد النظام الحاكم مما قد يؤدي إلي فقدان هذا النظام حكمه.
– المثقف المستقل
وهو المثقف الذي لا ينتمي لأي حزب سياسي و لا يحتكم لأي خلفية أيدلوجية معينة بحيث لا يخضع هذا المثقف لسيطرة و تأثير أي حزب سواء كان هذا الحزب جزء من النظام الحاكم أو المعارضة ، و يتصف هذا المثقف بالحياد و الموضوعية و الابتعاد عن ترويج أي أجندة سياسية للأحزاب السياسية ، حيث يهتم فقط بالتركيز على إنتاج أعمال ثقافية تهدف للتعبير عن الهموم اليومية للمواطن العادي أو تعبر عن مستوى اجتماعي معين ، و هو يراقب التغيرات السياسية و المجتمعية داخل وطنه بعين من الحذر الشديد حتى لا ينزلق في أتون الصراعات الداخلية.
و يلعب عادة هذا المثقف دور المراقب عن بعد ، الذي يفكر خارج صندوق الحكم ، فيكون لديه القدرة على تقييم ممارسات السلطة بموضوعية و تكون لديه الأهلية لأن يلعب دور الوسيط المحايد في النزاعات القائمة بين مثقفي الحزب الحاكم و الحزب المعارض.
و بالرغم من اتصاف دور المثقف المستقل بالحياد ، إلا أنه يوجد أيضا أنواع من المثقفين المستقلين الذين يميلون إلي أحزاب سياسية معينة و أيدلوجيات خاصة بالرغم من عدم الانتماء الرسمي لهؤلاء المستقلين بأي حزب ، و هذا الافتراض يفسر سبب تحالف بعض الأنظمة الحاكمة مع بعض الشخصيات المستقلة التي يوجد تقارب بينها و بين طريقة تفكيرها و نظرتها للأوضاع السياسية بالبلاد.
و كون المثقف مستقلاً ، هذا لا يستثنيه من أن يتحالف مع أحد الأحزاب السياسية و أن يتقلد منصبا رفيعا في السلطة، حيث يتميز هذا المثقف بالمرونة و الانفتاح و عدم التقيد بالارتباط بحزب معين مما يجعله ذلك مرحباً به من قبل معظم الأحزاب، لأنه لا يشكل أي تهديد ضدها و لا يوجد منافسة قوية بينه و بين أعضاء أحزابها.
– المثقف الوطني الثائر
و يتصف هذا المثقف بحبه الشديد للحرية و إيمانه العميق بالتضحية بالنفس و بكل شيء من أجل الوطن و من أجل الدفاع عن حقوق شعبه ، حتى لو كلفه ذلك فقدان حياته أو تعرضه للتعذيب و الاعتقال ، فهو مثقف كرس حياته الشخصية و أعماله الثقافية من أجل حبه للوطن بطريقته الخاصة و من أجل المطالبة بحقوق شعبه.
و يتعارض هذا النوع من المثقفين في غالب الأحيان مع النظام الحاكم ، حيث يتسم هذا المثقف بثورته الغاضبة، فهو جرئ و لا يخشى شيء ، لذا تتعامل بعض الأنظمة الحاكمة العربية معه إما باحتوائه أو اعتقاله.
وقد يلقى أيضا المثقف الثائر عادة ، دعم من بعض المنظمات الدولية الغربية ، مثل منظمات حقوق الإنسان التي تشجع الديمقراطية و حقوق الإنسان في الدول العربية، مما يجعل هذا المثقف يشعر بأهمية دوره في الثورة على نظام الحكم و العمل على خلق نظام ديمقراطي شعبي ، فيتم اتهامه أحيانا من قبل النظام الحاكم بأنه يروج لأجندة غربية استعمارية و يتم محاولة تشويه صورته الاجتماعية و السياسية.
ومن الجدير بالذكر ، أن هذا النوع من المثقفين، إذا لم يتم احتوائه من قبل النظام الحاكم فهو قد يشكل خطر على هذا الحزب ، فيتم التخلص منه بطريقة ما، سواء عبر نفيه للخارج أو اعتقاله أو أن يختفي بطريقة غامضة.
و ليس بالضرورة ، أن ما يؤمن به دائما هذا المثقف الوطني الثائر قد يكون من أجل مصلحة الوطن ، حيث أن أمور الحكم و السياسة و الأمن تخضع لمعايير و ضوابط معينه و لا يمكن أن تكون مختبر لتجارب لحركات ثورية عنفوانية و قد تكون أيضا انفعالية قد تؤدي إلي تحريض المواطنين لاستخدام العنف للتعبير عن رفضهم للسلطة وتدخلهم في موجه من الفلتان الأمني والحرب الأهلية كما يحدث الآن في سوريا و العراق.
– المثقف المهني المتخصص
و يتميز هذا المثقف بتخصصه الأكاديمي و المهني ، فهو قد يكون صاحب شهادات عليا في مجال علمي أو أدبي معين و ينتج أعمال ثقافية ذات علاقة مباشرة لتخصصه المهني و الأكاديمي ، ويلعب هذا المثقف دور المستشار و الخبير في المجالات المتعلقة بتخصصه و دائما ما يتم تقديمه للمجتمع بصفة الشخص صاحب الخبرة و الذي يقدم نظرة مهنية متخصصة في المواضيع التي تطرح عليه لمناقشتها في عدة مجالات مثل علم الاجتماع و علم النفس و العلوم السياسية و العلوم الاقتصادية و القانون الدولي و الطب و الهندسة وغيرها من التخصصات الأخرى.
و يتلقى عادةً هذا النوع من المثقفين احترام الدولة و الأحزاب السياسية الأخرى ما لم يقحم نفسه بمناقشة حادة و انتقاد علني لاذع للأوضاع السياسية الداخلية للدولة أو الأحزاب.
و ليس من الضرورة أن يكون هذا المثقف المهني مستقلاً و لا ينتمي لأي حزب سياسي ، حيث غالباً ما تستقطب الأحزاب الحاكمة هذا النوع من المثقفين ، لذا نلاحظ أن المثقفين المهنيين الذين ينتمون لأحزاب السلطة هم دوما من يتقلدون مناصب رفيعة في الدولة ، لأن الدولة أحيانا تريد أن تقدم للشعب مثقفين من أصحاب التخصص و الخبرة للإسهام في تطوير و تقدم المشاريع التنموية التي تشرف عليها السلطة الحاكمة و من أجل تحسين صورة تلك السلطة أيضا أمام الممولين الخارجين الذين يُصرون على التعامل مع خبراء و متخصصين.
و تشجع أيضا المؤسسات الرسمية للدول العربية المثقفين المهنيين للقيام بعمل الأبحاث الأكاديمية و العلمية التي تساهم في تطوير قدرات الدولة و تحسن عملها، وتقدم حلول للأزمات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، لذا لا تستطيع الدولة الاستغناء عن دور المثقف المتخصص، فهناك حاجة شديدة من قبلها للاستفادة من خبرة هذا المتخصص، و هي دائما ما تدعمه و تقدم له المنح الدراسية الخارجية و تمنحه جوائز الدولة التقديرية و التشريفية طالما توافق هذا المثقف مع سياسية النظام الحاكم و لم ينتقده.
– المثقف التنويري المصلح
يتسم هذا المثقف بامتلاكه أفكار تنويرية منفتحة على العالم الخارجي، حيث يتبنى هذا المثقف منهجية التفكير خارج الصندوق وهو دائم البحث عن الحلول، و يحاول أن يقترح بدائل لأي أزمة يعاني منها المجتمع ، بهدف إحداث إصلاح حقيقي وتغيير للممارسات السلبية من قبل النظام الحاكم ، لكي تتجه الأمور في الاتجاه الصحيح ومن أجل تصويب الإجراءات الخاطئة للسلطة أو المجتمع، و يهدف هذا المثقف التنويري من خلال أعماله و أنشطته إلي توعية أفراد المجتمع و إرشادهم نحو تحمل مسئولية حياتهم و تقييم أوضاعهم بطريقة عقلانية من أجل إحداث تغيير اجتماعي إيجابي يقود إلي التنمية المستدامة و النهضة .
و يقوم المثقف التنويري من خلال أعماله الثقافية أيضا، بإرسال رسائل للسلطة الحاكمة ، حول رؤيته للإصلاح و النهضة و الحضارة التي يحتاجها المجتمع و ذلك بطريقة منطقية تصحبها نية حسنة و ليس بهدف الترويج لأجندة خاصة أو أيدلوجية معينة .
و دائما ما نلاحظ أن هذا النوع من المثقفين منفتح على الغرب و يشارك في مؤتمرات دولية و يتقن أيضا اللغات الأجنبية التي تتيح له فرصة الإطلاع على الحضارات الأخرى و الثقافات العالمية و الاستفادة من خبرات وتجارب شعوب العالم ومحاولة اقتباس منها دروس مستفادة لتطبيقها ضمن مجتمعه المحلي.
– المثقف الديني
و هو المثقف الذي يلعب دور الواعظ الديني و الذي ينتمي إلي أيدلوجية دينية معينة ويحاول أن يفسر الأحداث الجارية برؤية دينية بحتة ، و غالبا ما يكون هذا المثقف في مجتمعنا العربي منتمي للأحزاب السياسية الدينية التي تتبنى فكر الإخوان المسلمين أو الفكر السلفي ، حيث نادرا ما نجد أحزاب دينية مسيحية فعالة بمجتمعنا العربي.
وتصطبغ طبيعة الأعمال الثقافية لهذا المثقف بصبغة دينية ، يتم من خلالها توظيف الدين من أجل تشجيع أفراد المجتمع أحيانا، لدعم حزب ديني معين، فعلى سبيل المثال ، حشدت بعض الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي ، المثقفين المتدينين من أجل إقناع المواطنين بأنهم إذا لم ينتخبوا مرشحي الأحزاب الإسلامية لن يدخلوا الجنة ، وتم أيضا توظيف المثقفين المتدينين من أجل عمل دعاية حزبية للمرشحين الإسلاميين ومن أجل تنفير المواطنين من التوجه و الانتماء إلي بعض الأحزاب العلمانية.
و ليس بالضروري أيضا، أن يكون المثقف الديني منتمي لحزب ديني معين ، بل يمكن في بعض الأحيان ، أن يعمل هذا المثقف ضمن أجندة الدولة العلمانية ، و أن يتم توظيف هذا المثقف المتدين من قبل السلطة الحاكمة من أجل إقناع المواطن البسيط، بأن الحاكم يجب أن يطاع بصفته ولي الأمر ، وهذا شبيه بما يحدث في بعض الدول العربية التي تنسج علاقات توافقية مع بعض المثقفين الدينيين مثل علماء الأزهر و رؤساء الكنائس الشرقية.
ويكون هنا المثقف الديني المتوافق مع نظام الحكم للدولة ، نجماً تلفزيونياً متواجد في معظم المحطات الرسمية، لأهمية دوره في إقناع المواطن البسيط ، بما ترغب ألدوله لترويجه ضمن صفوف المواطنين من أفكار الطاعة و الولاء أو عدم الانتماء للأفكار المتطرفة دينيا.
– المثقف الحالم
و يتصف هذا النوع من المثقفين بالخيال الواسع، و بالرغبة بالعيش بالمدينة الفاضلة
” يوتوبيا ” ، حيث تعبر أعماله الثقافية عن رؤيته الحالمه لما يجب أن يكون عليه المجتمع و الدولة ، و غالبا ما يكون هذا المثقف من طبقة الشعراء و الروائيين و الفنايين في مجال الرسم و الموسيقى و المسرح.
و يحظى هذا النوع من المثقفين بإعجاب فئة معينة من المجتمع المهتمه بالثقافة الأدبية و الفنية بشكل خاص ، لكن رؤيته الحالمه لا تعطي بالفعل حلولاً واقعية لأزمات المجتمع ومعاناة الشعب ، حيث غالبا ما يكون هذا المثقف متأثرا بتجارب فلسفية غربية أو شرقية قديمة لا يمكن منطقيا تطبيقها في المجتمع العربي، في ظل الهموم اليومية و الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها أفراد المجتمع العربي.
و نلاحظ أن هذا النوع من المثقفين الحالمين دائما ما يتم تصنيفهم ضمن طبقة العلمانيين و الغير متدينين أحيانا ، حيث لايرغب هؤلاء المثقفين بأن يتقيدوا بأيدلوجية دينية تضع خطوط حمراء لإبداعهم الفني و تحد من مدى حلمهم الخيالي الذي يفوق الواقع.
و تنظر السلطة الحاكمة العربية لهذا النوع من المثقفين بعين من عدم الاكتراث، طالما هؤلاء المثقفون لم يتخطوا الخطوط الحمراء للدولة ، التي تتمثل بالثورة على الحكم أو الثورة على الدين و العادات.
– المثقف الشعبي
وهو المثقف الذي يتحدث مع الشعب و يتواصل معه بلغة شعبية بسيطه، تكاد تشبه لغة الشارع العادي ، حيث يعبر من خلال أعماله الثقافية البسيطة و الشعبية عن اهتمامات المواطن البسيط بعيدا عن التعقيد و استخدام العبارات المنمقة ، فهو يمتاز بقربه وتواصله المباشر مع الشعب و دائما ما نلاحظ حب الناس لهذا المثقف لبساطة أسلوبه ولحسه الفكاهي المرح .
و تتسم علاقة المثقف الشعبي مع النظام الحاكم بالتنوع ، حيث أحيانا تستغل الدولة شعبية هذا المثقف وتقوم بتوظيفه من أجل الترويج لسياستها ضمن صفوف المواطنين البسطاء و أحيانا يكون هذا المثقف الشعبي انسان بعيد عن السياسة و يتجنب التواصل مع السلطة مما يجعله أكثر بعدا عن صناع القرار ، أو قد يعارض أحيانا هذا المثقف السلطة الحاكمة و ينتقدها بشكل ساخر مما يجعله ذلك معرضا لخطر الاعتقال أو التوقيف من قبل قوات الأمن التابعة للنظام الحاكم.
خطورة دور المثقف
يمتلك دوما المثقف المؤثر في المجتمع سلاح ذو حدين ، حيث قد يستخدم هذا السلاح في الدفاع عن حقوق المواطنين و المصالح الوطنية للشعب و تنوير وتوعية الشعب بحقوقهم وواجباتهم للسير نحو التقدم و الازدهار و قد يتم استخدام هذا السلاح من أجل خداع الشعب و تغطية فساد المسئولين أو تحريض الشعب على استخدام العنف و إقناعه بأجندات خفية تهدف إلي تدمير مصلحة الوطن و القضاء عليه.
كما يلعب المثقف أيضا دورا هاما في مسائلة السلطة ومحاسبتها في حين أخطئت تلك السلطة بحق الشعب ، فبإمكان هذا المثقف المطالبة بالتحقيق في ملفات الفساد و كشف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، و يستطيع أيضا أن يحشد الرأي العام من أجل محاربة الفاسدين بالسلطة الحاكمة ، وهذا دائما ما نلمسه عند المثقفين الذين يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية.
ويكمن خطورة دور المثقف العربي في مجتمعنا بكونه أصبح أيضا بمثابة قدوة و رمز لبعض الشباب العربي الذي يبحث عن هدف لحياته ، و قد يتأثر عدد كبير من المراهقين و الشباب بأفكار هذا المثقف التي قد تروج لأيدلوجيات معينة تختلف عن طبيعة ثقافة المجتمع العربي ، و في نفس الوقت قد يكون أيضا هذا المثقف مصدرا لإلهام كبير لبعض الراغبين في النجاح و الإبداع ، و ذلك عندما تنشر أعمال هذا المثقف، ثقافة الأمل و حب الحياة ، لكن في نفس الوقت قد يكون هذا المثقف سبب لدمار و تحطيم المجتمع عندما يروج لثقافة صناعة الموت و التشاؤم في المجتمع.
طريقة تعامل الأنظمة الحاكمة العربية مع المثقفين :
نظرا لخطورة دور المثقف في التأثير على أفراد شعبه و على النظام الحاكم ، تنظر دوما السلطات الحاكمة بالوطن العربي ، لأي مثقف يظهر على الساحة الاجتماعية و الثقافية ، بعين من الحذر و الريبة ، لحين تأكد الجهات الأمنية التابعة للسلطات الحاكمة من النوايا الحقيقية لهذا المثقف و من اتجاهه الفكري ، فيتم إما السعي لاستقطابه في أروقة الحكم أو تهميشه و إبعاده عن الحياة العامة أو غض الطرف عنه في حال أنه لم يشكل أي خطر على النظام الحاكم.
وتقوم عادة أنظمة الحكم العربية بالترويج للمثقفين التابعين لها عن طريق دعمهم إعلاميا من خلال ظهورهم الإعلامي المستمر عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة ، فتجد أن المثقفين الموالين للنظام الحاكم يكتسحون شاشات القنوات الفضائية الرسمية و أسمائهم منتشرة في معظم المواقع الإخبارية التابعة للنظام الحاكم.
أما المثقفون المعارضون للحكم ، فغالبا ما تحتضنهم أحزاب المعارضة التي تستضيفهم أيضا ضمن أنشطتها الثقافية وترحب بهم بوسائلها الإعلامية الخاصة.
بينما المثقف المستقل قلما ما يوجه له الدعم الإعلامي ، لأنه لا يروج لأي أجندة سياسية تابعه للحكم أو المعارضة . عوضاً عن ندرة وسائل الاعلام المستقلة العاملة بالوطن العربية.
و أخيراً ، يمكننا القول ، أن هوية المثقف و دوره بالمجتمع و علاقته بالسلطة يتشكلون جميعاً بناءً على التنشئة الاجتماعية و طبيعة الظروف السياسية و الاقتصادية التي عاشها المثقف ، بالإضافة لنوعية الفكر الثقافي و طريقة التفكير التي يتبناهما المثقف و يؤمن بهما.
و تبقى علاقة المثقف مع السلطة متذبذبة بين الارتباط و التبعية للسلطة و بين النفور و الاعتراض أو عدم الاكتراث ، فالمثقف العربي هو وليد مجتمع عربي متناقض يسوده خلافات فكرية وطائفية ودينية و علاقات جدلية بين المواطنين و الحكام
ففي كل دول العالم المتقدم يلعب المثقفين والأكاديميين دور مهم في تنوير الرأي العام وخلق رأي عام متنور في معالجة القضايا التي تواجه المجتمع وفي إبداء الرأي والنصيحة في مختلف القضايا
للأسف الشديد في مجتمعنا الفلسطيني ووفق أين هو دور المثقف وفق التعريفات المختلفه فقد غاب هذا الدور وان غالبية الأكاديميين والمثقفين لا يهمهم سوى مصالحهم الذاتية والشخصية وغالبيتهم من مسيحه للجوخ للوصول لمنصب أو الحصول على علاوة أو مرتبه أو غير ذلك من التسميات والبعض منقاد انقياد أعمى لتنظيمه أو فصيلة لدرجة التعصب وأصبحت الفئوية والتنظيمية وغيرها مقدمه على مصلحة الوطن
بعض الأصوات التي نسمعها بين الاونه والأخرى محكومه إما لمصالح شخصيه أو فئوية وهي موسميه وهنا تكمن المعضلة
فما أحوجنا اليوم إلى الثقافة وجهود المثقفين لبناء مجتمعنا الفلسطيني الذي مزقه الاحتلال ومزقته الخلافات والانقسام المدمر بحيث اصبحنا نعاني من قوى الشر في زرعها التعصب الأعمى والعنصرية والفرقة لإضعاف شعبنا من اجل نهب خيراته وثرواته ومن اجل تكريس الاحتلال وادواته ومن اجل تحقيق المصالح الخاصة وبناء الإمبراطوريات ألاقتصاديه وشراء الو لاءات والذمم عبر المال الفاسد ، ولتحقيق هؤلاء لمأربهم تحارب الثقافة الوطنية الملتزمة ويزرع مكانهم مرتزقة أصحاب المصالح
فحذاري ! حذاري ! أيها المثقفون ..إذا كان الأشرار لايخشون من هدمهم لمجتمعنا فكيف يتوانى
المثقف في درء شرهم ومن ايداء دوره في البناء ..فلنشمر عن سواعدنا لبناء مجتمعنا الفلسطيني إذا كنا مثقفين وليس دعاة الثقافة !! ولا يفت في عضدنا الأساليب مهما كانت ودعونا لا نخشى في قول الحق وبناء الوطن وتحريره من الاغتصاب والاحتلال لومه لائم ..
المحامي علي ابوحبله