تمر هذه الأيام الذكرى التاسعة للانقسام (الفلسطيني- الفلسطيني)، ومعها عادت المساعي لتحقيق المصالحة الوطنية بتعدد نكهاتها مع كثرة المطابخ التي تحاول إضافة ما يناسبها من «بهارات» وما شابه ذلك وفق تقديرات مختلفة بحسب مقاسات أصحاب القرار من فلسطينيين وعرب وعجم.
وفي فهم وتحليل وتغيير الواقع وقراءة ظواهره المختلفة اعتمدت الفصائل والقوى الفلسطينية أيديولوجيات وطنية وقومية ويسارية وإسلاموية عديدة، أجمعوا من خلالها على تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي غير أن الممارسة كانت دونها عقبات وعراقيل جمة ذاتية وموضوعية ما أدى إلى إخفاق إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
الجميع داخل الساحة الفلسطينية اليوم في عنق الزجاجة على الرغم من محاولات عدد من الدول العربية والأجنبية، جسر الخلافات والتباينات بين مختلف المواقف والاجتهادات الفلسطينية، وصولا للتوافق الوطني وإنهاء هذا الانقسام من خلال دعوات للحوار الفلسطيني – الفلسطيني تارة في القاهرة وأخرى في الدوحة وثالثة في الرياض ورابعة في السويد و…
اتهامات متبادلة تشهدها هذه الساحة حول إفشال إنهاء الانقسام وتضليل الرأي العام، وهذا المشهد لم يكن وليد السنوات القليلة الماضية فقط مع (بروز الإسلام السياسي الفلسطيني)، بل من عاصر الثورة الفلسطينية منذ العام 1965 عايش الانقسام فيها بكل تجلياته الفكرية والتنظيمية والعسكرية والسياسية وحتى الإعلامية وكيف انعكس ذلك على الجمهور الفلسطيني داخل وخارج فلسطين المحتلة.
غير أن هذا الانقسام زاد حدة نتيجة الخلافات بين حركتي فتح وحماس اللتين تستأثران برسم المشهد الفلسطيني، فيما إسرائيل تقطف ثمار التدمير الذاتي الفلسطيني المستمر منذ عقود خلت قبل وبعد العام 2007.
تقوم قطر اليوم بدورها لإتمام المصالحة الفلسطينية بعد إخفاق الأدوار العربية والفلسطينية السابقة، وعقدت عدة لقاءات في الدوحة بين وفدي حركتي فتح وحماس، وطالب الوفد الفتحاوي قيادة حماس بتقديم إجابات نهائية على أربع قضايا أساسية تتعلق بالبرنامج السياسي والسلاح الواحد وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وموضوع موظفي حماس في غزة.
وكشفت المصادر عن وجود تطابق في وجهات النظر إزاء العديد من الملفات، وأن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس أعرب عن قبول حركته بالبرنامج السياسي الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقيّة، والحل العادل لقضية اللاجئين، استناداً إلى «المبادرة العربية».
وجرى خلال اللقاءات بحث المقترحات التي تقدمت بها الفصائل بشأن فتح معبر رفح، حيث أكد مشعل أن حماس لا تعارض مبادرة الفصائل، ولكن الأولوية لديها مقترحات قدّمتها كل من قطر وتركيا تستند إلى إنجاز مقترح الميناء أولاً، ومن ثم التباحث حول قضية المعبر، وهذا سيصب في مصلحة غزة التي سيكون لها أكثر من منفذ على العالم الخارجي.
رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح، محمود عباس، خرج مؤخراً بتصريحات أكد من خلالها إصراره على تحقيق المصالحة مع حركة حماس؛ انطلاقاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات العامة.
غير أن الواقع لا يبشر بإتمام المصالحة حيث تسود حالة من الخلافات والتراشق الإعلامي بين الحركتين في هذه الفترة كما جرى في السابق، وخصوصاً فيما يتعلق بأزمة معبر رفح البري. ويتناسى الجميع المسائل الجوهرية ويتناولونها بشكل اعتباطي. وأُخِذَ الشعب الفلسطيني برمته وليس في قطاع غزة فقط، رهينة لحسابات قوى الانقسام، كما الاحتلال الإسرائيلي الذي تمكن من شن حروب مدمرة على قطاع غزة وتصعيد سياساته الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، وإطلاق العنان لسياسات الحصار والاستيطان والمصادرة والتهويد، في فلسطين فارضاً واقعاً ديمغرافياً واقتصاديا وعسكرياً وسياسياً يحول دون إمكان استعادة الحق الفلسطيني المغتصب.
إزاء ذلك لا بد للشعب الفلسطيني أن يتحرك ويضغط على أطراف الأزمة للجلوس على كرسي الحراك لإنهاء الانقسام حيث انتهى دور الأوراق والمبادرات التي أثبت الواقع أنها لا تسمن ولا تغني من جوع. وكفانا ذرفا للدموع على الأطلال نبكي القضية الفلسطينية التي أفسدناها بإرادتنا إرضاء لهذا الطرف أو ذاك من عرب أو عجم.
بقلم/ نعيم إبراهيم