كيف نبني دولة قوية عصرية مستقرة؟

بقلم: رامي الغف

بناء الدولة الفلسطينية العتيده مسؤولية جماعية، يشترك فيها الكل الفلسطيني، المواطنون من خلال أداء واجباتهم وممارسة حقوقهم، والدولة بحكومتها ومؤسساتها وهيئاتها المختلفة وذلك عن طريق أدائها للواجبات الحقوقية والسياسية والخدمية ازاء الجماهير، ولا شك أن الجميع في الوطن الفلسطيني يطمح الى بناء الدولة القوية الديمقراطية الحرة والمستقرة، وهم يسعون نحو ذلك الهدف، بكل ما يمتلكون من طاقات كامنة وظاهرة، وكل ما لديهم من موارد وافكار وقدرة على التخطيط والاستثمار وما شابه.

في الوطن الفلسطيني ونحن نتحدث هنا على التاريخ السياسي القريب، هناك تجارب سياسية قريبة فشلت جميعها تقريبا، في بناء دولة فلسطينية عصرية وقوية مستقرة، فمنذ ما يقارب أكثر من عقد من السنوات والحكومات الفلسطينية المتعاقبة تحاول ترميم الوضع الداخلي الإقتصادي والمالي والسياسي والامني، من خلال العمل المتواصل لتشييد بنية قوية جديدة، قائمة على التحرر، ورفض الفردية، وحفظ حقوق الجميع من دون استثناء، وطالما أن العلاقة بين الجماهير والحكومة غالبا ما يشوبها الإلتباس وغمط الحقوق، لاسيما في الدول والمجتمعات المتأخرة عن الركب العالمي بسبب غياب الوعي او ضعفه، فلابد أن تتضح الامور ويخطط لها مسبقا، لبناء البنية السياسية والاقتصادية الفلسطينية المرتقبة، ولكن هذا لم يحدث في الوطن الفلسطيني وحتى بعد الخلاص من الحكم الصهيوني وخروجه من بعض قطاع غزة ومن بعض المدن والقرى الفلسطينية وبداية عهد جديد مع الديمقراطية بعد عوده السلطة الوطنية الفلسطينية في 3‏/8‏/2014، إذ كان الجميع في الوطن الفلسطيني ولا يزالون يطمحون نحو الاستقرار والتقدم والإزدهار والنمو والرفعه، وتعويضهم عما لحق بها إحتلال غاشم ومن ظلم وحرمان وضياع متكرر لفرص التقدم والتطور ومواكبة العصر.

إذا لابد من المحافظة على حقوق الجماهير وواجباتهم، بمعنى يجب أن يعرف الجميع ما لهم، وما عليهم، كون الجمهور الفلسطيني يتكون من طوائف كالدرزية وديانات مسلمة ومسيحية وسامرية، والكل له الحق بالحياة الكريمة في ظل وطن مستقل ديمقراطي ومستقر وفاعل في آن واحد، وهذا التنوع السكاني اذا لم يُستثمر بالطريقة الصحيحة، سيتحول الى عائق لتشييد بنية سياسية فلسطينية صحيحة، لهذا لابد أن يرتفع الوعي لدى الجميع ويعرفون واجباتهم وحقوقهم، حتى تتضح الصورة للجميع.

ان ما يشهده الوطن الفلسطيني اليوم من مطالبة الجماهير بالحقوق والحريات والخدمات، امر مشروع تماما، واذا كانت الحكومة بحاجة الى بعض الإجراءات الدستورية السليمة، من اجل تحقيق هذه المطالب، فيمكن ذلك من خلال الإصلاحات السليمة التي تصب في بناء الدول المستقرة، ونخلص من هذا الى الرأي بأن الشرعية هي أساس النجاح الحكومي، ولهذا غالبا ما تفشل الحكومات القائمة على الاكراه والقوة والبطش والتضليل وما الى ذلك من أساليب تنتهجها الحكومات المستبدة، فتسقط بشتى السبل.

لهذا ينبغي أن يسعى القادة واصحاب القرار والسياسيون والحكومة بكل إمكانياتهم لصياغة إصلاحات حقيقية، تلبي تطلعات وحاجات الجماهير الفلسطينية، على أن ترتكز منطلقات التغيير على مصلحة الجمهور وبناء الدولة المستقرة المتقدمة قبل أي شيء آخر، ومن البديهي القول، أن النجاح في بناء الدولة ينبغي أن يعتمد على التعاون بين الجميع (الحكومة والجماهير، والقوى السياسية والوطنية والفصائل والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والطبقة السياسية والجماهير)، على تحقيق النجاح، لذلك لابد أن يتعاون الجميع، وأولهم الحكومة والجهات الاخرى التي تتصدر قيادة مكونات الجماهير، لكي يُبنى المستقبل الأمثل لفلسطين، من خلال بناء الركائز القوية والصحيحة في الوقت الراهن.

لذا علينا جميعا، لاسيما الذين يتصدون لمركز الصدارة، مطالبون بأن نسهم في تأسيس وبناء أساسيات المستقبل الأفضل، ولعل هذه الأفضلية مقرونة بأسبابها، فإن غابت أسباب الجودة السياسية وغيرها، ستضيع فرصة بناء المستقبل المطلوب، فمستقبل فلسطين بإذن الله تعإلى ـ سيكون بخير، شرط أن تتحقق أمور، منها عدم هضم حقوق أية مجموعة من الجماهير، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها).

وأخيرا، لا يمكن القبول بالعنف والإنقسام كطريق لبناء الدولة، او لتحقيق الأهداف والحقوق المشروعة للجماهير، فهناك ضوابط وأعراف وقيم لابد الالتزام بها، والتعاون المشترك، من اجل إبعاد شبح العنف عن الوطن والجماهير، لاسيما أنهم يواجهون اليوم، هجمة شرسة من أعتى واظلم احتلال صهيوني إرهابي يتربص بالإساءة إليهم، متمثلا بعصابات المستوطنين الإجرامية.

آخر الكلام/
نحن بحاجة الى زمن، لكي نؤسس الى ثقافة جديدة واعية مبنية على أسس صحيحة، خدمة الجماهير والارتقاء بالوطن.
بقلم / رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي