مع التسارع في الأحداث والصراع حول النفوذ وخاصة فيما يتعلق بإثبات الوجود من خلال الإنتخابات المحلية التي باتت تمثل مأزقاً حقيقياً للطرف الحاكم وكشفت عن صراعاً قذراً حول النفوذ والصلاحيات، مما خلق شكوكاً كبيرة حول إمكانية عقدها لأن صاحب القرار لا يريد لها تعقد!، وبالتالي بدأ بخلق أزمات جديدة بعدما أدرك بأن زلزالاً في الطريق سيهز نفوذه لصالح خصومه في الضفة مجتمعين وبالتالي خلق أزمة طولكرم وبعدها أصدر قرارات فصل لأعضاء في المجلس الثوري والمجلس التشريعي بمخالفة قانوينة صارخة كما شير الأنباء وذلك لخلط الأوراق ولفت الأنظار وتعقيد الأمور من جديد !.
من المعروف أن هناك تجاذبات كثيرة تمر فيها الضفة الفلسطينية سببها صراع على النفوذ والتحضير لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي محمود عباس الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً والذي يبدو بأن حقيبته الرئاسية أصبحت فارغة تماماً من أي خيارات أو أي قدرة على المناورة للإستمرار طويلاً على رأس هذه المنظومة الفاقدة للشرعية، وقد بدأ الجميع يستشعرون الحقيقة التي تقول بأن الرجل يعيش الأيام الأخيرة في مرحلته ويحاول أن ينفذ إنتقامه من حركة فتح التي يمثل هو قائدها الأعلى، ويفككها لينهيها بلا عودة !، وهو يناور الأن فقط من أجل البقاء أطول فترة ممكنة في منصبه الذي سقطت شرعيته فعلياً!.
وحيث أن ما ترتب على سياساته الفاشلة هو مشاكل إقتصادية وإجتماعية مدمرة وفلتان أمني غير سبوق لا تخلو مدن الضفة منها بشكل يومي لا بل تزداد خطورة حيث أن الوضع في جنين على سبيل المثال يسير مثل السلحفاء على نار هادئة ولكن هناك غليان ينتظر الإنفجار في أي لحظة ، كما أن الوضع في نابلس قد أصبح مهيئ بالكامل لإشتعال النيران لرفض هذا الواقع الذي يمييز بين أبنائها ويقسمهم إلى درجات بطريقة قبيحة وغير إنسانية، أما طولكرم فبدأت حالة من الفوضى الأمنية المفتعلة وذلك في سياق صراع النفوذ لأن أقطاب معادلة الصراع فيها كالديوك، فهذا رئيس الوزراء الفلسطيني إبن مدينة طولكرم د. رامي الحمدالله الذي يواجه تحديات غير مسبوقة ومؤامرة على مكانته من ابناء مدينته في ظل وجود إستقطابات غير شريفة ولا نزيهة، يعجز عن مواجهتها بمهنية ووقار رجل الدولة، مما يجعله يمارس قمعاً لا يليق بمكانته كرئيس جامعة ورئيس وزراء، مما يعني بأنهم دفعوه ليتصرف كرجل عصابة في سياق سيناريو قذر للغاية، وهو لا يدري بأن الفخ كان منصوباً له بعناية فتصرف تصرفات عنترية وسقط في الخطيئة لتضيف للإحتقان إحتقاناً أخر مبتغى، ليعطي صورة جديدة عن حال الصراع في الضفة ويكون بذلك سبباً يساهم في إلغاء إنعقاد الإنتخابات المحلية المنشودة وما يترتب عليها من وضوح للصورة عن حجم النفوذ لكل طرف تحضيراً للمرحلة اللاحقة، حيث أن الكل بما فيهم رئيس الوزراء بات يجد في نفسه لطريقة عاطفية مجنونة الأحقية والكفاءة كوريث للرئيس، الذي لا يريد ورثة ويريد أن يتركها من بعده خرابة!.
لذلك أدرك العديد من أبناء حركة فتح وتقسيماتها ممن يظنون بأنفسهم الكفاءة والأحقية للمشاركة في قيادة المرحلة اللاحقة حقيقة ما يدور ، وبدأوا بتشكيل حراك بإسم "أبناء البلد"، إنطلقت نواته من المثقفين والموظفين في سياق تقسيمات حسب النفوذ وتقاطعات المصلحة المستقبلية وخاصة بين أبناء الوزارات المهمة كوزارة الخارجية والداخلية والإقتصاد والتعليم.
تشير المعلومات بأن أبناء وزارة الخارجية الذين ساهموا في بلورة هذا الحراك هم قلب هذه النواة وخاصة من الذين خرجوا للعمل في السفارات الفلسطينية وفهموا حقيقة عملها!، وعرفوا أن الأمر ليس متعلقاً بحكاية قضية وطن بل إنه يتعلق بنهج عصابة منتفعة متشعبة الوجود ومترامية الأطراف ومتغلغة في المؤسسات وصاحبة نفوذ ومتقاطعة المصالح!، تتاجر بألام واوجاع شعب بأكمله، وبأن وزير الخارجية الحالي على سبيل المثال ما هو إلا أداة تنفيذية طيعة يجمع الصلاحيات في يده ليمرر ما يمليه عليه أصحاب الأجندة الأمرة بعناية وبدون عراقيل وبدون إعتراض، فسلك نهجاً مدمراً لضمان الصمت على هذا السلوك المشبوه من خلال شراء ذممهم بدرجات وظيفية وهمية تذر عليهم أموالاً تميزهم عن غيرهم في الوزارات الأخرى ولكنها في الحقيقة سلبت منهم كرامتهم ومواقفهم الوطنية فأصبحوا تابعين بلا إرادة، وسفراء بلا مكانة ، وفي وضع بطالة مقنعة مدفوعة الثمن، فوجدوا أنفسهم ارقام بلا قيمة!، فقرروا أن تنطلق نواة هذا الحراك مع أبناء وزارات أخرى ذكرناها سابقاً لتحمل إسم "أبناء البلد" ومن أبنائها إستعداداً لما سيطراً في اي لحظة حتى يكون لهم دوراً مستقبلياً ويمسكوا بزمام الأمور ضمن رؤية مستقبلية منظمة غير عفوية وليست عابرة!.
لذلك يبدو بأن إستقالات أمناء سر حركة فتح في مدينة طولكرم ما هي إلا خطوة متقدمة ومبدئية كتدريب على شكل السيناريو المتوقع لبدء حراك أبناء البلد القائم فعلياً وذلك في المرحلة القادمة بالتنسيق مع أبناء الأجهزة الأمنية الذين يتذمرون من الوضع القائم والذين باتوا ينقمون بالفعل على سياسة المنظومة الحاكمة التي عملت على إهدار مقدرات الوطن وسلبت مقوماته وعملت على إخضاعه وضمان تبعيته وقسمت الوظائف ووزعتها على أبناء المسؤولين واصحاب النفوذ من الفشلة والغير مستحقين!، في الوقت الذي يتم فيه إقصاء الكفاءات وكل من له رأي يخالف هذا السلوك الهمجي المتسلبط على الوطن ومقدراته، وليس ببعيد عن ذلك قرار التقاعد المبكر لرئيس نقابة الموظفين السابق وعضو المجلس الثوري لحركة فتح بسام زكارنة والإعتداء على حصانة عضو المجلس التشريعي د. نجاة أبو بكر وسياسة الفصل التعسفي المجنونة والكثير من التصرفات العدوانية القمعية التي لا يوجد لها تفسير إلا في سياق سياسية تكميم الأفواه المتبعة من مجموعة متجانسة الفكر ومترابطة المصالح ضد أبناء البلد حسب التصنيف القائم! .
وفي ظل مأزق الإنتخابات المحلية وموافقة جميع الأطراف عليها وتوافق الخصوم إلا المنتعفين من الحالة القائمة وذلك على خطاب توافقي وتصالحي، بات واضحاً لأبناء البلد بأن خلط الأوراق لعرقلة تحقيق هذه الإنتخابات يستهدف مصالح الوطن ومستقبل أبنائهم، لذلك باتوا يدركون بأن الدمار الوطني الهائل الذي لحق بالقضية الوطنية في هذه الحقبة الزمنية هو بسبب سياسات فريق مشبوه متسلبط على الحكم ومقدرات الوطن ويحمل رؤية إنفصالية عنصرية تدميرية بغيضة يعمل على تكريسها وتعميقها بشكل مدروس ومبرمج بين أبناء الوطن الواحد خدمة لمصالحه الذاتية وبعيداً عن المصحلة الوطنية العامة! ، ولذلك لا زال يمارس سياسة التسويف والمماطلة والتجويع وتكميم الأفواه والقمع لكسب المزيد من الوقت لمنع أي مصالحة أو إعادة اللحمة الوطنية ولم الشمل وإنهاء حالة الإنقسام المدمرة القائمة وترسيخ حكم المؤسسات أو ارساء حالة وطنية مستقرة جامعة وتوافقية أو عقد أي إنتخابات وطنية، بالمقابل يعبث بحالة الوطن ويعمل على تفتيت المواقف التوافقية، ومن هنا بدأ هذا الحراك يتبلور ويتسارع في طريقه للإعلان عن نفسه والذي لربما ينطلق بقوة ليشمل مدن الضفة ويصبح ذو تأثير يسقط من خلاله توجهات منظومة قمعية ليفشل مخططاتها التي تهدف غلى ترسيخ تقسيم الشارع الفلسطيني بين درجتين ، درجة صاحبة الإمتيازات والحوافز والنفوذ حتى لو كان ذلك بدون مؤهلات وبالسرقة والعربدة ، ودرجة أخرى تُحرَم من كل شئ ينتمى إليها أبناء البلد حتى لو ملكوا كل المؤهلات!.
مما يعني أن هناك إستقطابات باتت عالية المنسوب وصراعات نفوذ غير مسبوقة ويبدو أن الإنطلاقة لأبناء البلد أصبحت ليست بعيدة وستكون من وزارات سيادية بعينها لتغيير هذا الحال البائس الذي يأخذ الوطن من ضياع إلى ضياع ومن نكبة إلى أخرى!.
م . زهير الشاعر