فيما يتزايد الاهتمام بمحطة الانتخابات البلدية التي ستجرى في الثامن من تشرين الأول القادم، تتزايد الشكوك بشأن إمكانية تأجيلها، خاصة وأن ثمة من يعتقد بأن البدء بالانتخابات البلدية كان قراراً خاطئاً.
الشكوك عملياً تصدر من حركة فتح، التي يفترض أنها المسؤولة عن تحديد موعد الانتخابات، إلاّ إذا كان القرار صدر عن الرئيس محمود عباس ذلك أن الحكومة لا يمكن أن تتخذ قراراً كهذا دون موافقة الرئيس.
موضوع التأجيل من عدمه، لا يتصل في الأساس بالأولويات إن كانت ستبدأ بلدية أم تشريعية ورئاسية، فبمعزل عن الجهة التي تساورها الشكوك، فإن المنطق يشير إلى أن حركة فتح بما هي عليه، غير مؤهّلة لخوض المنافسة وضمان النتائج.
هذه الانتخابات تشكل محطة تاريخية بالنسبة لحركة فتح، وبالتالي لكل الحركة الوطنية الفلسطينية، ذلك أن خسارتها لو حصلت، من شأنها أن تؤدي إلى انقلاب في توازنات القوى ما ينجم عنه تداعيات واسعة على السلطة والمنظمة والمجتمع.
تجارب الانتخابات منذ الانتخابات البلدية العام 2005، إلى الانتخابات التشريعية العام 2006، وانتخابات البلدية العام 2014، مضافاً إليها انتخابات طلبة الجامعات في الضفة كل هذه التجارب، تنطوي على تقييم سلبي لمكانة حركة فتح، والنتائج التي يمكن أن تحصل عليها.
الجهة التي تتحمل مسؤولية قرار إجراء الانتخابات في هذا الوقت وعلى نحو مفاجئ للقوى السياسية، تعرف بالتأكيد الواقع الذي تعيشه حركة فتح، ما يجعل من الانتخابات مغامرة إذ يمكن القياس عليها لتحديد الوجهة اللاحقة.
في الواقع فإن حركة فتح، لم تشهد منذ المؤتمر السادس للحركة أي تغييرات في اتجاه ترميم أوضاعها، بل إن أوضاعها شهدت تراجعاً كبيراً، وجملة من الاختلالات الداخلية، التي تؤثر سلبياً على وحدة ومكانة ودور الحركة.
الانتخابات البلدية السابقة التي اقتصر إجراؤها على الضفة الغربية كانت مأساوية لحركة فتح، وقد شكلت نتائجها تواصلاً مع الانتخابات التشريعية العام 2006، التي أدت إلى فوز حركة حماس.
ثمة ما يدعو للتفكير القلق بشأن الدور القيادي للحركة إزاء السلطة ومكوّناتها، حيث يبدو أن هذا الدور يتراجع لصالح الأجهزة الأمنية حتى أصبحت الرتبة العسكرية المتقدمة أكثر أهمية من الوزير ومن قيادات الحركة.
الأيام القليلة السابقة تؤكد هذا الاستنتاج فما جرى في طولكرم، من اعتداء على أمين عام المجلس التشريعي وعضو المجلس الثوري للحركة إبراهيم خريشة، وما رافق ذلك من اعتقالات واسعة لكوادر وأعضاء الحركة، يستظهر المأساة على حقيقتها.
من حيث المبدأ ليس على الأجهزة الأمنية أن تتدخل لقمع تظاهرة تعبر عن الاحتجاج على مسألة انقطاع التيار الكهربائي، خصوصاً وأن حركة فتح هي التي تمارس الاحتجاج بالنيابة عن المجتمع.
أحداث طولكرم التي تمت تسويتها، ليست معزولة، فلقد شهدت نابلس وجنين والخليل توترات بين أعضاء وكوادر الحركة والأجهزة الأمنية، ما أدى إلى إضعاف حركة فتح، وتراجع دورها وبالتالي السياسة لحساب الأمن.
لا يمكن لحركة تحرر وطني أن يكون مظهرها الأساسي، الأمن كدور وكفعل وسياسة، لأن ذلك سيكون على حساب الفصائل التي تتحمّل عبء التحرر الوطني.
غريب جداً ومستغرب ما تتعرض له حركة فتح، حتى أنها لا تستطيع عقد مؤتمرها السابع، بعد سنوات من اتخاذ القرار، وسنوات أطول منذ انعقاد المؤتمر السادس.
بالرغم من هذا التقييم، الذي يوفر الذريعة لتأجيل الانتخابات إلاّ أنني أعتقد أن الجهة التي اتخذت القرار وهي تعلم بكل ذلك، لديها حساباتها السياسية بالدرجة الأولى غير أن التساؤل والشك سيظل قائماً.
هل تتمكن الحركة من ترميم أوضاعها وتوحيد صفوفها والاتفاق على قوائم انتخابية ترضى عنها قواعد الحركة؟
يبدو أن العامل الوحيد الذي يمكن أن يحسن فرص حركة فتح في الانتخابات القادمة، هو التحدي الذي تواجهه في ضوء قرار حماس بخوض الانتخابات، ذلك أنها أي الحركة لا تبحث عن تحالفات أو قوائم مشتركة لترجيح احتمالات الفوز.
في هذه الأثناء وكلما اقترب موعد إجراء الانتخابات، تندلع معركة إعلامية سياسية، وتتصاعد حدة الاتهامات ما يلقي المزيد من الشكوك حول موعد الانتخابات ويخلق حالة من الإحباط المتزايد لدى الجمهور، الذي يظهر سلبية في التعامل مع ملف الانتخابات والموقف من الفصائل.
لعلّ أبرز ما ورد كان الاتهامات الصعبة والمتطرفة التي أدلى بها القيادي في حماس الدكتور محمود الزهار ضد الرئيس على خلفية لقائه بزعيمة المعارضة الإيرانية والتي استدعت رداً من قبل حركة فتح.
الاتهامات المتبادلة والردود المتوترة لا تنبئ بخير لأنها عملياً تؤدي إلى تعميق حدة الاستقطاب، وتعميق أزمة الثقة فضلاً عن تعميق سلبية الجماهير التي تعتقد أن هذه الانتخابات تشكل محطة مهمة يمكن البناء عليها لتحقيق المصالحة المستعصية.
طلال عوكل
2016-08-08