قبل يومين اشتكت وزارة الخارجية الفلسطينية على لسان وزيرها رياض المالكي الذي خرج علينا في قمة الأمل التي إنعقدت في نواكشوط وذلك بفيلمه الكوميدي الأخير المثير للسخرية والذي كان يحمل عنوان شكوى ضد بريطانيا العظمى لتحملها مسؤولية وعد بلفور الذي جاء على لسان وزير خارجيتها في عام 1917 وما ترتب عليه منذ ذاك الحين في صحوة بعد غفوة طويلة وبعد أن عفى عليها الزمن وأصبحت واقعاً راسخاً صعب التغيير إن لم يكن مستحيلا!، حيث أنه اشتكى تجاهل الأمم المتحدة تقارير ممثليها لدى فلسطين المحتلة، واشتكى تجاهل أعضاء مجلس الأمن لكل هذه التقارير الدورية التي تقول هذه الوزارة التي باتت تحمل عنوان الفساد الأكبر في السلطة الفلسطينية، بأن هذه التقارير التي يتم تجاهلها تكشف حقيقة الاحتلال وتكشف مخططاته تجاه الإنسان الفلسطيني ووجوده في مدينة القدس، متناسياً ومتجاهلاً بذلك وبوقاحة دوره المبرمج والمشبوه في تدمير هذا الإنسان الفلسطيني وتحطيم تطلعاته وسلبه طموحاته ليس في القدس فحسب لا بل في كل أماكن تواجد الإنسان الفلسطيني الحر وبشكل عام والشواهد على ذلك كثيرة ومريرة!
من جهة أخرى وفي سلوك ملفت للنظر جميل الشكل إن كان صادقاً ونزيهاً وشفافاً ولكن في تقديري أنه هادف وورائه ما ورائه من أسباب غير نظيفة، حيث قامت وزارة الخارجية الفلسطينية خلال هذه الفترة بالإعلان على صفحتها الرسمية عن فتح باب التوظيف أمام الشباب الفلسطيني الذي تم تجاهل شهاداته وكفاءته لفترة سنوات طويلة تم خلالها حرمانه من أن يكون جزءاً فاعلاً بالمشاركة في بناء الوطن ومؤسساته الوطنية خاصة في ظل الوضع القائم على الساحة الفلسطينية الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التدليس والكذب والذي بات واضحاً لوزير الخارجية وغيره بأنه لا يمكن له أن يستمر أو يصمد طالما لم يخضع لموازين العدالة في توزيع الوظائف خاصة بين الأجيال الشابة المؤهلة!، أو إبداء حسن النوايا في هذا السياق لتخفيف النقمة في ظل الفضائح المستمرة التي تعصف بهذه الوزارة!.
لكن من لديه إطلاع واسع على مجريات الأمور في وزارة الخارجية الفلسطينية يجد أنها تتحدث عن نفسها بطريقة مرعبة لا تدعو للثقة ولا للارتياح، حيث أنه مما لا شك فيه أننا لازلنا نشتم كل يوم جديد رائحة فساد جديدة في السلك الدبلوماسي الفلسطيني ، هذا بعيداً عن ملفات دسمة للغاية تتعلق على سبيل المثال لا الحصر بمبنى وزارة الخارجية الفلسطينية الجديد!، لا زالت بعيدة عن عيون الرأي العام وكثير منها يتعلق بمقدرات الشعب الفلسطيني وتخضع مباشرةً لرعاية وزير الخارجية الفلسطيني الذي لا زال يرى نفسه كالطاووس أو الإمبراطور ، حيث أن المتورطين بالفساد في وزارته معروفين بالاسم وبالتفاصيل الموثقة للرأي العام ومع ذلك يعمل على لملمتها وإقفال ملفاتها بسرعة حتى لا تتفاقم وتخرج فضائحها وتزداد رقعة المعرفة بها أكثر ، حيث يبدو بأنه يظن أنه في منأى عن المحاسبة لذلك يتعاطى مع هذا الأمر بعقلية الوارث الأمين الذي لا يجوز لأحد أن يحاسبه عن خطاياه كلما زادت عفناً!.
هنا لا بد من الإشارة وحسب بعض المصادر والتحليلات بأنه بعد لقاءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً مع القيادة الأردنية الهاشمية وعلى رأسها الملك عبدالله ابن الحسين ومن ثم لقاءه مع وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل زيارته لإسرائيل للقاء رئيس وزرائها بيبي نتنياهو، تمخض عن ذلك إشارات حملت معاني قوية بأن هذه المرحلة أصبحت تمر بالفعل في نهايتها، وعلى الفريق الفلسطيني الذي يقودها تدبير أمورهم لأن دورهم انتهى!، ولذلك لاحظنا حالة من الهستيريا الوظيفية والتسكين السريع والمخالف للقانون وخاصة فيما يتعلق بمؤسسات منظمة التحرير ووزارة الخارجية الفلسطينية!، لذلك هناك ما يقال بأن هذا الإعلان يأتي كغطاء رسمي على تعيينات غير نزيهة !، وكان الأجدر بهذا الوزير لو كان صادقاً في توجهاته بالفعل بأن يحل المشاكل العالقة في وزارته والتي تمخض عنها تدمير أسر بأكملها لموظفين دبلوماسيين محترفين وهو يعتاش بتلذذ وسادية على معاناتهم وتدمير مستقبل أطفالهم!.
فمنذ اليوم الأول من العشرة الأواخر من رمضان وما تلاها من أيام عيد الفطر المباركة حتى أيام قليلة مضت امتنعت عن الكتابة عن هذه الوزارة وفسادها ممثلة في وزيرها رمز الفساد الأول فيها بالرغم من أن هناك الكثير الذي يقال عنها، وإكتفيت بمراقبة المشهد لا بل راسلت بأجمل عبارات التهنئة بهاتين المناسبتين كل المتهمين في هذا الخصوص بما فيهم المجرمين جداً وكنت أتأمل من ذلك أن يكونوا شجعاناً وأن تعود لهم البصيرة وأن يكتفوا بحلقات الضياع وإنحدار المشاعر الإنتقامية البغيضة التي لا زالوا يمارسونها ضد الدبلوماسيين الفلسطينين من أبناء قطاع غزة بالتحديد، وأن يبادروا بأخذ العبرة من قصص نهايات غيرهم!، ولكن يبدو لي بأن إرادة الله لم تشأ لهم بعد بالهداية، وأنهم لا زالوا يفتقرون لصواب الرؤيا ويخضعون لمنطق ضعف البصيرة في سياق منطق الإصرار على الذهاب إلى الجحيم وإلى نهاية باتت محتومة من خلال السير في المزيد من الكذب وخلق قصص خادعة ولكنها باتت مفضوحة ومتاجرة بالقضية الوطنية وليس لها علاقة بالحقيقة، ولكن لا يعلم شكل هذه النهاية وتوقيتها إلا الله سبحانه وتعالى!، فهل ستكون مؤلمة ولهم مذلة أم أنهم سيلتحقون بمركب التائبين القانعين ويكفوا عن ممارساتهم الدنيئة والحقيرة قبل فوات الأوان!.
نود أن نشير هنا بأنه قبل انتهاء شهر رمضان المبارك انعقدت اللجنة الفنية للسلك الدبلوماسي الفلسطيني التي تسمى "لجنة السفارات"، وأصدرت ما يزيد عن مائة توصية لم يفصح عنها بعد، جلها دارت حول ترقيات، بعضها لمن يستحق وبعضها الأخر لمن لا يستحق وابتعاث وتدوير وتعيينات جديدة بين الأقارب والأحبة والموالين!، وبقيت ملفات أكثر أهمية تتعلق بكوادر محترفة تم محاولة اغتيال مستقبلها بقسوة وهمجية غير معهودة وإقصائها بناءاً على تقارير كيدية وضيعة وحاقدة راقت لمزاج شخصي أعوج وعنصري ومتكبر ورغبة وقحة بالانتقام بعيداً عن القانون والرقابة الإدارية التي يتغنى بها هذا الوزير المفروض على هذه الكيانية والمرفوض وطنياً وشعبياً من أبنائها، ولربما كان وراء ذلك مطالب استخبارية قذرة بأمر من جهة غريبة!، فعجز الجميع عن إيجاد حلول خلاقة وملزمة أو حتى التحلي بالشجاعة والحكمة للاقتراب من هذه الملفات التي يحتكرها شخص وزير مهزوز ومغرور بات يسير في وزارته كالمجنون الأرعن يتحسب أجلاً بات محتوما!، يحادث نفسه ويتمتم بأن الخراب الذي وصلت إليه وزارته ليس من مسؤوليته لوحده ولكن هناك رئيس لم يعد يدرك ما يدور في وطنه ولا يكترث لحجم الخراب من وراء قراراته وهو صاحب المسؤولية الأولى عن هذا الفلتان!، وأنه كوزير يعتبر نفسه عبد المأمور مما أدى إلى حالة من الانفلات في وزارة سيادية جاء على رأسها ضمن تكليف وهو يدرك بأنه لا يمكن له أن يستمر في منصبه هذا بدون أن يكون مزوراً للحقائق وطرطوراً ومخرباً ضمن رؤية مبرمجة ومرسومة لتحقيق هدف غير وطني باتت معالمه واضحة من خلال النتائج الكارثية التي وصلت إليها القضية الفلسطينية !، لذلك انصرف كادرها للبحث عن مصالحه الذاتية فقط والغرق أكثر وأكثر في فساد لا يوجد له شبيه في أي سلك دبلوماسي أخر لأي دولة أخرى .
في حلقات استكمال هذا الموضوع سنسرد تفاصيلاً أكثر وضوحاً لكي نكشف حقيقة غائبة عن الرأي العام والدور المشبوه الذي كان يهدف للفلت الأنظار عن حجم الخراب والتدمير في هذه المؤسسة السيادية لتفريغها من مضمونها ورسالتها الوطنية وهي التي تمثل الواجهة والعنوان لهذه السلطة الوطنية والتي من المفروض أنها تمثل هموم الشعب الفلسطيني وأوجاعه وألآمه في المؤسسات الدولية لا أن تتاجر بها!.
م . زهير الشاعر