الاقتصاد " الإسرائيلي " والمستقبل القاتم

بقلم: رامز مصطفى

الاقتصاد " الإسرائيلي " ، منذ نشأة الكيان الغاصب على أرض فلسطين في أيار من العام 1948 تميزّ بالفرادة ، من حيث تكوينه وحيويته وتمكنه من التطور ، بالاستفادة أولاً من السياسات الاقتصادية التي اتبعها " حزب العمل " ، وغيرها من الحكومات . وثانياً من توظيف الكثير من العوامل التي توفرت أو وظفت له كتلك ( التبرعات اليهودية السخية " اسحاق إكانان مؤسس عائلة روتشيلد الفاحشة الثراء " – تعويضات عن المحارق النازية المزعومة " الهولوكوست " – تدفق المساعدات الأمريكية الآخذة بالتصاعد وليس آخرها تلك المساعدات التي من المقرر أن ترى طريقها نحو التنفيذ قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما ، والتي تقدر قيمتها 3,7 مليار دولار سنوياً وعلى مدار السنوات العشر القادمة من بدء التطبيق للاتفاق ) .
هذه الفرادة التي تمتع بها الاقتصاد " الإسرائيلي " لم تحمهِ من التعرض للأزمات ، ولم تجعله في مأمن من مستقبل اقتصادي قاتم بحسب الرسالة التي وجهها عدد من كبار الاقتصاديين في الكيان " الإسرائيلي " من بينهم " دوبي أميتاي " رئيس " اتحاد المزارعين " و" شرجا بروش " رئيس " اتحاد الصناعيين " ، و" يائير سروسي " رئيس " اتحاد المصارف " . والتي حذروا فيها رئيس حكومة الكيان " بنيامين نتنياهو " من خشيتهم على الأوضاع الاقتصادية ومستقبلها ، حيث أن النمو لا يشهد أي تطور فعلي ، داعين نتنياهو إلى إعادة النظر في كيفية إدارة الاقتصاد " الإسرائيلي " ، لأن استمرار غيابه سيشكل خطورة جدية على المستقبل الاقتصادي في الكيان ، قائلين :- " إننا نتوجه إليك من منطلق القلق الحقيقي على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي لدولة إسرائيل ، ومن منطلق الإيمان أنه بقوى مشتركة نستطيع حث مستقبل ثمانية ملايين مواطن " . وعزى هؤلاء أن سوء تلك الأوضاع مرده إلى أسباب " غلاء تكلفة الانتاج ، وخطوات مست بالملكيات الخاصة ، والتشريعات الخاصة ، التي حولت الاقتصاد إلى أحد الاقتصاديات الأصعب في إدارة الأعمال في العالم " .
ومؤشرات الركود في الاقتصاد " الإسرائيلي " يعود لعدة سنوات مضت ، فقد انعكس ما سمي ب" الربيع العربى " بشكل أو أخر على " إسرائيل " ، عندما تهاوت أنظمة عربية على علاقة وثيقة بها ، حيث تأثر بها المستوطنون التي هزت مظاهراتهم مغتصبة " تل أبيب " ، فأشعل المستوطن " موشيه سليمان " النار فى نفسه على غرار التونسي " محمد البوعزيزي " ، بسبب الضائقة المالية العائدة إلى الديون الربوية المتراكمة ل" مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية " ، والتي على أثرها صادرت الحكومة منزله ومنزل والدته ، وهذا ما أوضحته شقيقة " موشيه سليمان " حول أسباب إقدامه على حرق نفسه في قولها :- " تدهورت حالته النفسية بعدما سلبوه كل ممتلكاته ، العمل ، والشاحنة ، والبيت ، وتوجه إلى كل السلطات إلا أن أحداً لم يسمعه " . ويومها كتب " رويتال حوفيل " في صحيفة " هآرتس " حول حادثة إحراق " موشيه سليمان " قائلاً :- " أن موشيه سليمان هو قصة انهيار الأمن الاقتصادي الإسرائيلي ، مؤكداً أن كل ما أراده الرجل هو العيش حياة كريمة ، إلا أنه خلال عشر سنوات تحول من صاحب عمل مستقل إلى شخص مشرد لا يملك حتى السكن ، نفد صبره بعد صراع طويل مع السلطات ودخل الآن في صراع جديد مع الموت " . وأكد " رويتال حوفيل " أن " موشيه سليمان هو قصة انهيار الأمن الاقتصادي الإسرائيلي ، وأن حالته لن تكون الوحيدة في ظل السياسات الرأسمالية التي يطبقها نتنياهو والتي لا تنظر بعين الرحمة إلى الفقراء والمحتاجين " . وتلك التظاهرات التي خرجت قبل سنوات شكلت الصدمة لحكومة " نتنياهو " ، حيث بلغ عدد المحتجين الذين نزلوا إلى شوارع الكيان نحو 460 ألف نسمة ، في مغتصبة " تل أبيب " وحدها نحو 300 ألف ، ووصل إلى القدس نحو 60 ألف متظاهر ، فيما وصل إلى مدن وبلدات الشمال الفلسطيني نحو 100 ألف . وقد وجهت عضو " الكنيست ستاف شفير " عن " حزب العمل " ، والتي تعتبر من قائدات الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011 ، انتقادًا لاذعاً إلى السياسة الاقتصادية والمالية التي تعتمدها حكومة نتنياهو آنذاك ، والتي تهدف إلى المس بالطبقات الفقيرة ، فقالت :- " قبل وقت غير طويل ، لم يكن بوسع الإسرائيلي المتوسط التذمر من غلاء المعيشة أو الاحتجاج عليه ، والتذمر من سعر شراء شقة أو استئجارها . كانت المواضيع المهمة هي الأمن ، والتهديد الإيراني ، ومستقبل السلام مع الفلسطينيين . لكن الاحتجاجات غيرت فحوى الحديث السياسي والاجتماعي . كنا مضطرين للاحتجاج على غلاء المعيشة ، على الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء ، وعلى ضعف الجهاز التربوي " .
فالاقتصاد " الإسرائيلي " الذي يعاني ومنذ سنوات من ركود في نموه والتي وصلت إلى 2,5 بالمائة ، بينما كانت نسبته في العقد الماضي تصل إلى سقف أل 5 بالمائة ، يعاني أيضاً من أسباب تجاوزت السياسات والبرامج الاقتصادية السيئة لحكومة نتنياهو ، لتتعداها إلى هجرة الأدمغة والشباب " الإسرائيلي " إلى خارج الكيان نحو ألمانيا وروسيا ، هرباً من ازدياد نسبة البطالة . وهذا ما بينته صحيفة " ذي ماركر " الاقتصادية عن أن عدد الأكاديميين الذين يهجرون " إسرائيل " زاد في العام 2015 بـ 1076 شخصاً عما كان عليه في العام 2014 . وهو ما يدلل على أن الخطة التي كانت أعلنتها الحكومة " الإسرائيلية " في العام 2010 للحد من فرار الأدمغة لم تكن مثمرة . مضافاً لذلك فإن تركيز حكومة نتنياهو على حل مشكلة الإسكان كانت على حساب مواجهة التحديات الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد " الإسرائيلي " ، والعمل على التقليص الحاد في ميزانيتها العامة ، لمواجهة التدهور في الوضع الإقتصادي العام ، والذي بلغ أل 14 مليار شيكل أي حوالى 3.5 مليار دولار . وتأتي المقاطعة للبضائع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وفي الخارج ، حيث أقر الاتحاد الأوربي مقاطعة منتجات المستوطنات ، وانخفاض الصادرات " الإسرائيلية " بنسبة 13 بالمائة ، عاملاً يسهم في الأزمة الاقتصادية في الكيان ، ناهينا عن حملة BDS العالمية الآخذة بالتوسع في مقاطعة البضائع " الإسرائيلية " ، والتي بدأت حكومة نتنياهو تشعر بتداعياتها على اقتصادهم .
وأخيراً الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي تسببت وفي شهرها الثاني بخسائر مباشرة في الاقتصاد " الإسرائيلي " ، وهذا ما أوضحته صحيفة " هآرتس " العبرية عن أن قطاع الخدمات خاصة المطاعم والمقاهي ، تعرض لخسائر جسيمة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ، بعدما خلت المطاعم من روادها ما يشكل تهديدًا حقيقيًا على استمرار عملها . وما أكدته وسائل إعلامية " إسرائيلية " في أن الانتفاضة الفلسطينية ومع إنهاء شهرها الأول ، قد تسببت في خسائر وصلت إلى 2,8 مليون دولار ، وإذا ما استمرت فإن الخسائر في ازدياد ، مما سيفقد الاقتصاد " الإسرائيلي " 6 بالمائة من نموه السنوي .

رامز مصطفى