إستكمالا لحلقات هذا الموضوع، نبدأ مقالتنا اليوم بهذه الكلمات المعبرة التي تقول " عندما يموت الضمير تنتزع الذاكرة من جذورها ويصبح كل شيء أبيض ، الماضي يصبح صاف كجدول ماء عذب ، ويصبح الجلاد برئ والضحية متهم!"، هذا ما يحاول أن يظهره هذه الأيام وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي وكأنه وطني شجاع يحرص على المصلحة الوطنية بإستماتة لا بل لا ينام الليل وهو يحمل همها ويحرص على أبناء شعبه وأوجاعهم وألامهم، وذلك من خلال إستضافة وسائل إعلام محلية باتت رخيصة لربما فضلت أن تكون مأجورة على حساب القيم والمبادئ الوطنية وأن لا تبقى صوتاً حراً ومستقلاً، لا بل أصبحت تعمل لصالح حجب الحقيقة ، وللتركيز على تصريحاته التي كانت غائبة لفترة طويلة من كثرة سفره لحساب مصالحه الخاصة! ، ليحاول من خلالها التسليط على جانب وطني هو يريده ولكنه بريئ منه براءة الذئب من دم يوسف كما تقول كل الشواهد والمعطيات وبأن توجهه هذا يتنافى في الحقيقة كلياً مع سلوكه ومع معطيات الأمر الواقع القائم.
بالأمس خرج بتصريحين متلاحقين الأول خرجت به وزارة الخارجية بخصوص مطالبة المؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية، بمتابعة وملاحقة ملفات الاغتيالات التي تُغلقها اسرائيل دون تحقيق، وآخرها ملف اغتيال الوزير الراحل زياد أبو عين!، ليركب موجة يدغدغ من خلالها عواطف المواطنين الفلسطينين الذين باتوا يرتابون من من هذه التصريحات، بهدف لفت الأنظار عن حلقات الكشف عن حقيقة الوظيفة المشبوهة لهذه الوزارة في عهده، وذلك في سياق تساؤل لا زال مفتوحاً حتى نهاية هذه الحلقات من كثرة المعطيات التي يتوجب الوقوف عندها وتفنيدها والتي لم ندخل بعد في تفاصيل جوهرها التي ستتحدث عن إهدار المال العام والسلوكيات المشبوهة للسفراء الفشلة الذين تم تعيينهم في سياق عنصري بغيض يهدف للسيطرة على مقدرات منظمة التحرير الفلسطينية وتحقيق إنهيار دبلوماسي مهني غير معهود!، أما التصريح الثاني فجاء على لسان الوزير المالكي نفسه والذي قال فيه أن هناك ضغوطا عربية ودولية من أجل عدم التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الإستيطان الإسرائيلي في الوقت الحالي ، وفي تقديري يأتي هذا التصريح في سياق الإستعداد للنزول عن الشجرة وخفض سقف التوقعات من هذا الوهم الذي حاول أن يسوقه للشعب الفلسطيني من خلال المطالبات والنعرات التي باتت مفضوحة وفاقدة للمصداقية ولم تعد تجد زخماً ولا إهتماماً شعبياً بها !.
فلو لخصنا موقف هذه الوزارة وتباكيها على إغلاق ملف قضية إغتيال الراحل أبو عين من قبل الجانب الإسرئيلي كما ذكرت في تصريحها الرسمي، فيا ترى ماذا عن موقفها المخزي والمتواطئ والمشبوه من قضية إغلاق ملف المواطن الفلسطيني عمر النايف الذي تحوم كل الشبهات بأن هناك شبهة جنائية في قضية تصفيته!، حيث أن للوزير المالكي شخصياً موقف غير مفهوم من هذه القضية وألية إغلاقها ؟!، أليس الأجدر بهم بدلاً من النواح على مواقف دولة الإحتلال ، مراجعة المواقف المشبوهة التي تقوم بها هذه الوزارة من إغلاق ملفات كثيرة مشابهة تمت في حق لاجئين فلسطينين قتلوا بشبهات جنائية تعلم بها كجهة رسمية أكثر من غيرها وتقوم بإغلاق ملفاتها ولملمتها بدون ضجيج؟!، فهل فاقد الشئ يعطيه؟!.
أما التصريح الثاني بأنه لن يخضع لإبتزاز دول عربية شقيقة تطالب القيادة الفلسطينية بعدم الذهاب إلى مجلس الأمن، ففي تقديري أنه يأتي في سياق المثل القائل " قصر ذيل يا أزعر!"، وهنا أود التعبير عن دهشتي من قدرة هذا الوزير على ممارسة الكذب والخداع والتدليس بشكل مستمر وبدون ملل ولا كلل إستخفافاً بالمنصب والمكانة الإعتبارية التي هو فيها، وهو يسوق روايات ضعيفة ومهزوزة وفاقدة للمصداقية بين الحين والأخر وباتت مفضوحة ، فكيف لا ، وهو يدرك منذ بداية الحديث عن الإعلان عن نية السلطة الفلسطينية الذهاب إلى مجلس الأمن بخصوص الإستطيان بأنه مشروع فاشل ولن ينجح ونتيجته الفشل المؤكد، ليس بسبب الظروف الإقليمية والدولية والفيتو المتوقع ضد أي قرار من هذا القبيل، فحسب، لا بل بسبب قوة القرار والتحالفات والمصالح الدولية المتقاطعة والقائمة وما يعود عليه بفائدة لهذه الوزارة وشركائها من ترك هذا الملف معلقاً للمتاجرة فيه!، وذلك من خلال إضعاف الموقف الفلسطيني إلى درجة غير مسبوقة تاريخياً من الهوان والتفتت!، إذاً لماذا النواح والتباكي من أجل تسليط الضوء على مسرحية فاشلة مائة بالمائة لم تعد تنطلي على أحد؟!.
وهذا الفشل المتوقع عبر عنه في سياق حديثه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي نفسه وهو يعرف ذلك مسبقاً وقد تم إبلاغ القيادة الفلسطينية رسمياً من الجانب الفرنسي بهذا الموقف بأنهم لا يحبذون أي تحرك داخل مجلس الأمن يسبق إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر في سبتمبر المقبل لأن فرنسا تفكر بعقد إجتماع وزاري أخر لتلك المجموعة التي دعيت إلي باريس في شهر يونيو من العام الحالي من أجل الخروج بأفكار قد تُطرَح في داخل مجلس الأمن ضمن مشروع قرار كانت تأمل أن تتبناه!، ولكن يبدو أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن وقد جاء ذلك على لسان كثير من وزراء خارجية دول العالم الذين عبروا عن نظرة تشاؤمية إتجاه جدوى هذا التحرك في هذا الوقت الغير ملائم إقليمياً ولا دولياً !، مما يعني أن الأمر لا يتعدى في الحقيقة سوى قفزة في الهواء لضمان إستهلاك المزيد من الوقت واللعب بالتصريحات الإعلامية وتغيير مصطلحاتها بين الحين والأخر بهدف إبقاء الأمل قائماً وهو في الحقيقة لا يتعدى سوى وهم منتظر، حتى الإنتهاء من الإنتخابات الأمريكية، على أمل ذلك الدخول بعد ذلك في فصول مسرحية جديدة كما أشرنا في عدة مقالات سابقة!.
أخيراً ، يبدو أن وزير الخارجية الفلسطيني مُصِر على أن يبقى منفلتاً دبلوماسياً بدلاً من التركيز على العفن المتراكم في وزارته التي حولها لإقطاعيات يريدون لها أن تكون صندوقاً أسوداً مغلقاً بعيداً عن المحاسبة، يراه المراقبين بأنه يرتكب داخله كل الموبقات، بدءاً من الفساد الإداري المزري، مروراً بالفساد المالي الغير طبيعي بعيداً عن أعين الرقابة القانونية وليس بعيداً عن ذلك كمثال كثير من الأمور الغامضة والتي تم لملمتها بدون موافقة الجهات المعنية حسب القانون والأصول المعمول بها وخاصة فيما يتعلق بمبنى وزارة الخارجية الفلسطينية الجديد التي تمت بطريقة لها ما لها وعليها ما عليها، وليس هناك متسع من السرد في هذه الحلقة للكشف عن تفاصيلها وجوانبها ، لأنها لربما أن التغاضي عن مخالفاتها جاء في سياق مكافأةٍ لمواقف سياسية متواطئة ومتخاذلة!، لا يمكن وصفها بالعمل الوطني ولا تمت له بصلة وهنا الفرق بين الثرى والثريا!، وبين الأفعال الصادقة والأقوال المظللة حتى يُصْفَح عما مضى ويتغير لون صفحات سوداء مشبوهة باليقين وبالقرائن ليصبح لوناً أبيضاً ويصبح الحاضر لا الماضي صافٍ كجدول ماءٍ عذبٍ ، ويصبح الضحية صاحب حق والجلاد متهم مهما طال الزمن وليس العكس!.
إلى هنا وللحديث بقية! ......
بقلم/ م. زهير الشاعر