السياسة التركية تسير على حرف سيف

بقلم: أشرف طلبه الفرا

      رغم كل ما قيل وكتب من قبل المحللين والناشطين والباحثين والكتاب عن فشل الانقلاب في تركيا واختلافهم حوله، فإن الأهم هنا تداعيات هذا الانقلاب على السياسة الخارجية لتركيا، ومدى قدرتها في التعامل مع مختلف القضايا الساخنة بالمنطقة، وأيضاً في علاقاتها مع الغرب بفرعيه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

ورغم أن السياسة التركية كانت حريصة على البقاء في الحلف الغربي" الناتو" والتقرب إلى دول الاتحاد الأوربي لعلها تفوز بعضويته بعد أن حققت جميع الشروط لقبولها بالاتحاد الأوربي، وأيضاً مسايرة الغرب بشأن معالجة مسألة الثورة السورية، فإن هناك رغبة تركية في إعادة قراءة طبيعة العلاقة المصلحية والتاريخية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد خذلانهما أنقرة، والذي ظهر في دعم الولايات المتحدة لأكراد سوريا، وعدم التعاطي الامريكي الجاد مع تركيا في موضوع  ترحيل الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط للمحاولة الانقلابية، إلى تركيا. وفي هذا السياق تبدو السياسة الخارجية التركية مرشحة للتغير، وبخاصة ما يتعلق بالأزمة في سوريا، حيث لم تعد نغمة "رحيل الأسد" ضمن المقطوعات التي اعتادت تركيا عزفها منذ بدايات الأزمة في سوريا، وهو ما اصبح واضحاً من اتفاق الرئيسين الروسي والتركي على عزمهما التوصل إلى تفاهم مشترك للتسوية في سوريا، وأنهما سيتبادلان المعلومات ويبحثان عن الحل.

 وأيضاً تلويح الاتحاد الاوروبي بعدم قبول تركيا الاتحاد مع تزايد القمع السياسي يوما بعد آخر في تركيا، خاصة بعد عمليات التطهير الواسعة النطاق التي شملت مختلف القطاعات، والاعتقالات التي شملت الصحافيين والتلويح بتطبيق حكم الاعدام. في المقابل تسعى أنقرة إلى توظيف تصالحها مع موسكو وتل أبيب، والتي بدأت ملامحها بالتبلور قبل الانقلاب بالتصالح مع إسرائيل وروسيا، لاستعادة التبادل التجاري المميز مع البلدين وضخ النشاط في قطاع السياحة فضلا عن إدراك أنقرة أهمية التعاون مع موسكو لحل الأزمة في سوريا والتلاقي مع إسرائيل لترميم العلاقة مع واشنطن، وإضعاف ضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها وتجنب العزلة الخارجية لتركيا عن حلفائها الغربيين.

ومع أن تركيا لا تنوي قطع علاقاتها مع الناتو والاتحاد الأوروبي. فالأولى بحاجة فقط إلى أداة للضغط على الحلفاء، وروسيا مناسبة جدا لهذا الغرض. خاصة أنه ليس بالإمكان القتال على عدة جبهات في آن واحد، مع الغرب ومع روسيا وفي الشرق الأوسط. وموسكو أيضاً تلعب بالورقة التركية فبإحيائها العلاقات مع أنقرة، تحصل على أداة للتأثير في الوضع في الشرق الأوسط وفي غيره من المناطق الأخرى المهمة استراتيجيا حيث لا يزال موقف الأخيرة في سوريا حاسما للوضع، ودورها مؤثرا في شمال القوقاز، إضافة إلى خلخلة التحالف الغربي ضد روسيا. وبالتالي تأتي زيارة أردوغان إلى روسيا تعبيرا عمليا لعودة تركيا إلى المحافل الدولية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

 وأيضاً فيما يخص العلاقة مع حماس، إذ تبدو السياسة الخارجية التركية مرشحة للتغير فقد تحافظ تركيا على دعمها المعنوي للقضية الفلسطينية، لكن دون أن يثير ذلك حساسية إسرائيل، حيث تحتاج تركيا لخبرات اسرائيل الأمنيّة، لتعزيز قوّة النظام. خاصة بعد توقيع المصالحة بين الطرفين، والتي تضمنت التزام إسرائيل بدفع 21 مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا السفينة مرمرة، وتخفيف الحصار عن غزة وليس كسره أو رفعه تماماً مقابل السماح لأنقرة باستكمال مشروعات بنية تحتية في قطاع غزة – محطة لمعالجة المياه ومحطة لتوليد الكهرباء وبناء مستشفى- وإذا كان اتفاق المصالحة ضمن استمرار مقرات حركة حماس وبقاء بعض قادتها في أنقرة، فقد ألزم حماس بالتعهد بعدم تنفيذ أي عمليات للحركة ضد إسرائيل من داخل أراضيها. وهو ما قد يؤثر بالتأكيد على العلاقة بين حماس وتركيا في حال اخلت حركة حماس بنود هذا الاتفاق. الأمر الذي لا يمكن أن يؤهلها مستقبلا للعب دور أساسي كوسيط إقليمي بين إسرائيل وبعض التيارات والقوى السياسية الإسلامية الصاعدة على الساحات العربية.

 وعليه، فإن محاولة الانقلاب الفاشلة، لم تتسبب في إدخال البلاد حالة من الفوضى فقط، لكن أيضا قد تعرقل أساسيات العلاقات السياسية الخارجية مع الولايات المتحدة وأوروبا. وفي أعقاب ذلك، يمكن أن تنشأ عواقب وخيمة على التعاون الأوروبي الأمريكي مع أنقرة، في مكافحة تنظيم الدولة في سوريا. وبشكل عام، فالعلاقات التركية بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الجهود الرامية إلى العمل معا من أجل وقف تدفق اللاجئين السوريين، أصبحت مهددة الآن. مع بعض التساؤل عما إذا كان ينبغي لها أن تتحرك، بدلا من ذلك، في طريق “الصداقة” مع روسيا. وبالتالي فإن السياسة الخارجية التركية اليوم تسير على حرف سيف، عليها أن تحسب خطواتها جيداً داخلياً وخارجياً، فالسقوط يهددها إن مالت يميناً أو يساراً.

بقلم: د. أشرف طلبه الفرا