وداعاً يا حبيبتي
موعدنا في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر
منذ أكثر من شهرين يا صغيرتي وأنت تحاولين القدوم إلى غزة، ولكن الاحتلال البغيض بإجراءاته اللاإنسانية لم يمنحك الإذن بزيارة الأهل لذرائع أمنية، وذلك منذ غربة طالت أكثر من ستة عشر عاماً.. حاولنا من هنا من غزة، وعبر الأصدقاء ولكن دون جدوى.. لم تنقطع اتصالاتها خلال الأيام الماضية تستحثنا أن نفعل شيئاً مع الإدارة المدنية لتسهيل مهمة قدومها لغزة، كنا نمنيها ونحن نعرف صعوبة المهمة، إصرارها في الاتصالات والحديث مع والدتها بشكل شبه يومي وكأنها كانت تقول لنا: وداعاً يا أهلي وأحبتي، وداعاً يا أبي.. ويا أمي.. ويا أهلي.. ويا عزوتي.. ويا وطني...
هكذا تغادرين يا حبيبتي، تاركة لنا مشاهد الطفولة وذكرياتها.. ترحلين يا حبيبتي ولم نُمتّع ناظرينا بالجلوس معك ومع أطفالك، الذين لم نلتقهم وقد بلغوا عمر الشباب..
لن تغيبي يا حبيبتي وإن غيَّبك الموت والاحتلال عنا...
ستبقين يا حبيبتي في قلبي الموجوع من ألم البعاد والفراق الذي طالت سنواته بيننا...
وداعاً يا أعز البنين وأغلى الأحبة على قلبي...
وداعاً لا أملك معه الإ الدعاء والدموع والذكريات..
وداعاً يا أبت فهذه أقدارنا حيث ترحلين بعيدة عنَّا، ولا يمكننا الوصول إليك.
وداعاً يا حبيبتي وإلى لقاء حيث لا انقسام ولا احتلال ولا غربة بل جنة عرضها السموات والأرض...
وداعاً يا بُنيتي.. فلقد رأيت صورك بالأمس وأنت طفلة في أمريكا، وبعض مشاهد اللقاء في تركيا، قبل أن تغادرينا إلى ضفتنا الحبيبة، وتصبح فضاءات الرؤية مستحيلة.
أودعك يا حبيبتي بدموعي التي لا أملك معها الآن الكثير من الكلام...
وداعاً يا أم يقين يا غاليتي وقرة عيني... وداعاً يا شيراز؛ يا مدينة قلبي، يا مدينة الأولياء والشعراء، نسأل الله أن يتغمدكِ - يا أبتِ - في رحمته، وأن يُسكنك فسيح جناته، وإنا لله وإنا له راجعون".
الدكتور احمد يوسف