مع اقتراب موعد الإنتخابات المحدد للمجالس البلدية والمحلية بدأ الحديث والهمس حول لماذا لا يتم شمول القدس في الإنتخابات المحلية والبلدية..؟؟ تلك القدس التي يجري المرور على موضوعها مرور الكرام،وهي التي ليست بحاجة لمشاورة اهلها او الرجوع إليهم في شؤونهم،فهناك "جهابذة" يفكرون عنهم ويحددون لهم شكل مشاركتهم او تمثيلهم في هذه الإنتخابات،فالتعين سيد الموقف وكفى،فهو نصرٌ مبجلٌ ..!! واشتباك سياسي مع المحتل حول وضع المدينة ما بعده اشتباك...!!.
اذا كان الجميع يجمع على ان القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية..فهل من الممكن تعزيز وتفعيل وتطوير الإشتباك السياسي مع المحتل لترجمة ونقل هذا الشعار الى فعل على أرض الواقع...؟؟ وهل هذا ممكن في ظل عجز فلسطيني على كل المستويات المنظمة ،السلطة،مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية. ؟؟؟.
الإشتباك السياسي حتى بطابعه وبعده الشعبي والجماهيري السلمي والهادف الى تعزيز إرتباط المقدسيين مع بنيتهم الفلسطينية في مختلف المجالات والميادين سياسياً،إقتصادياً واجتماعيا وثقافياً وتعليمياً..الخ، بحاجة الى ادوات وحوامل وروافع وقدرات وإمكانيات،وليس "زط" حكي وبيانات وشعارات ونقاشات عقيمة حول جنس الملائكة،هل هي انثى ام ذكر ..؟؟.
من يريد ان يشتبك سياسياً حول القدس فالفرصة الان مؤاتية،بعيداً عن الإنتخابات المحلية والقدر العالي من التشابكات والتعقيدات في هذا الجانب،والذي هو بحاجة الى استراتيجية شاملة،وليس مسألة رغباوية وعاطفية تاتي كردات فعل على إهمال او نسيان لموضوع القدس من قبل من هم ينادون ليل نهار،بأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية. الإشتباك السياسي مع المحتل في مدينة القدس في قطاع او مجال يجب النظر إليه والتعاطي معه كمشروع نضالي متكامل،فهو بحاجة الى حوامل تنظيمية وقوى سياسية ومجتمعية وجماهيرية،وبيئة حاضنة له،وقوى داعمه لهذا المشروع،تتجند لها المؤسسات الحقوقية والإنسانية والمؤسسات الدولية متسلحين بقرارات الشرعية الدولية حول القدس وكونها مدينة محتلة وفق القانون الدولي.
هذا القوى والمؤسسات التي ستحمل الراية وتشكل رأس حربة وقيادة أركان للمقدسيين في الإشتباك السياسي مع المحتل حول القدس،يجب أن تكون لديها إرادة وعزيمة وتصميم ومستعدة للمواجهة والتصدي ودفع كلفة وأثمان هذا الإشتباك السياسي،والتي قد تطال قياداته بالإعتقال والإبعاد والإقامات الجبرية وغيرها،فالإشتباك هنا يضرب في الصميم مشروع المحتل لمدينة القدس،ويشكل مساً لمشروعه بفرض سيادته على القدس،فالقطاع او المشروع الذي سيجري الإشتباك سياسياً مع المحتل حوله،يجب التعبير عن هذا المشروع وأهدافه من خلال برامج وخطط وطرائق عمل وآليات تنفيذية،أما الحديث عن تعزيز إرتباط المقدسيين ببنيتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية،وهذا ممكن التحقيق من خلال مشاركة المقدسيين في الإنتخابات المحلية والبلدية إما إنتخاباً او تعيناً او تمثيلاً،فنحن جربنا الشكلين الثاني والثالث،فهناك دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير التي يرأسها عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أبو العلاء قريع،والمؤتمر الوطني الشعبي،الذي ترأسه المرحوم عثمان ابو غربية منذ إنتخاباته الأولى والأخيرة في كانون ثاني/ 2008،وكذلك قانون امانة القدس الصادر عن المجلس التشريعي في عام/2003 والمصادق عليه من الرئيس الراحل أبو عمار في 30/5/2004 .
الشكل الذي بحاجة الى مواجهة وتحدي حقيقي مع الإحتلال،هو الإنتخابات وتحديدا ًفي المناطق والبلدات التي تخضع لسيطرة ومسؤولية بلدية الإحتلال والتي جرى ضمها قصراً.
أي تحدي لسيادة وسلطة الإحتلال سواء فيما يتعلق بمشاركة المقدسيين في الإنتخابات البلدية او أي من القطاعات الأخرى،فنحن سنكون امام مشروع نضالي حقيقي،وإن كان طابعه سلمي،وسيكون له كلفة وأثمان،وأي إنجاز او نصر يتحقق في الميدان نتيجة هذا التحدي والمجابهة سوف يبنى عليه ويراكم لإنتصارات في ميادين ومجالات أخرى،أما اذا كانت المسألة مجرد شعارات و"هوبرات" اعلامية من خلال سياسة التعين أو شكلانية الإنتخاب والتمثيل،فاليفطات والدكاكين القائمة باسم القدس على مختلف مسمياتها كثيرة،وهي لم تقدم خدمات جدية وحقيقية للمقدسيين،وتحولت الى اقطاعيات واستثمارات خاصة ...وحتى لا نبقى في إطار العموميات فأنا ساطرق قضايا ملموسة وجوهرية،يمكن ان تشكل حالة إشتباك سياسي مع المحتل،وهي تمس اخطر قطاع في مدينة القدس،ألا وهو قطاع التعليم،حيث نشهد حرب شاملة على المنهاج الفلسطيني والعملية التعليمية في مدينة القدس،والمحتل يستهدف هذا القطاع بالأسرلة من اجل "كي" و"تقزيم" وتشويه الوعي الفلسطيني والسيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا،وفرض الرواية الصهيونية الكاملة،ليس فقط على المسار التعليمي،بل على كل المسار التاريخي،ناهيك عن التعدي على الهوية والثقافة والكينونة والوجود العربي الفلسطيني في القدس،وتقزيم الجغرافيا وتزوير التاريخ وسلخ الإنسان عن واقعه ووجوده الوطني،وزعزعة ثقته وقناعاته بحقوقه وثوابته وعدالة قضيته ومشروعه الوطني.
هنا يجب علينا ان نشتبك سياسياً مع المحتل،لكي ننتزع حقنا في تعليم فلسطيني،فالمحتل بعد عدوان حزيران/ 1967 سيطر على قطاع التعليم الحكومي،مستشعراً خطر التعليم برؤيا فلسطينية على وجوده،ودور هذا التعليم في الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية.
القوى والفصائل والمؤسسات واللجان والشخوص الاعتبارية المقدسية،ادركت خطورة ما يقوم به المحتل في قضية التعليم،حيث الهدف التذويب وطمس الهوية والوجود،ولذلك خاض المقدسيون اضراباً شاملاً لمدة ثلاثة شهور،عطلوا فيها الحياة التعليمية في كل مدينة القدس،وامام اصرار المقدسيين وصمودهم وثباتهم على مواقفهم،تراجع المحتل عن فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس الحكومية المقدسية،وما أشبه اليوم بالبارحة فالمحتل وعبر وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية التي يقودها المتطرف " نفتالي بينت" تشن حرباً شاملة على المنهاج الفلسطيني في المدينة،وتستخدم سلاح المال والميزانيات وقضايا الترميم للمدارس للمقايضة بالمنهاج،تعليم وفق المنهاج الإسرائيلي تصرف ميزانيات وتنفذ اعمال ترميم،تعليم بمنهاج فلسطيني تحرم المدرسة من الميزانيات واعمال الترميم.
هذا القطاع يشكل ساحة خصبة ومؤاتية للإشتباك السياسي للمحتل،وقد يشكل النجاح فيه "بروفا" لنجاحات وإنجازات اخرى،تصل لحد الإشتباك الشامل في قضية الإنتخابات البلدية،فهل هناك قوى ومؤسسات وسلطة ومنظمة لديها إرادات وحوامل لخوض هذا الإشتباك السياسي السلمي وتحمل تبعاته..؟؟،ام المسألة "هوبرات" وشعارات والتسليم بالواقع،وعبر سياسة التعيينات وكفى الله المؤمنين شر القتال.
بقلم/ راسم عبيدات