لأن الله تعالى خلق الحياة متنوعة في كل شئ، بما فيها الانسان، عاداته، تقاليده، معتقداته، طريقة تفكيره، حبه وبغضه، وفي كل شئ، لذلك، فان امامنا احد طريقين، فاما ان نتعايش، وطريقه الحوار، او ان نتقاطع، وطريقه الخصام.
العاقل، هو من يختار الحوار للعلاقة بينه وبين الاخرين، اما غيره فيختار الخصام والتقاطع، خيار الاول بسبب انه يمتلك المنطق، وخيار الثاني لانه لا يمتلك ما يتحاور فيه، فعقله خال، وروحه خالية، ولذلك يرفض الحوار، وبالتالي لا يقبل بالآخر ابدا.
فلسطين ، متنوعة في كل شئ، لا يمكن تحقيق التعايش بين ابنائها الا بالحوار، فهو الطريق الوحيد الذي يمكن ان نحقق فيه التعايش والسلم الاهلي، اما الافكار الشوفينية التي تعتمد اقصاء الاخر والغائه، والاستئثار والاعتداد بالنفس، والكفر بكل شئ الا بما اؤمن به انا، فذلك طريق الدمار الذي لا نهاية له، ولقد جربه كثيرون فلم يحققوا شيئا لفلسطين سوى الخراب والدمار.
اما شروط الحوار الذي يمكن ان يكون جسرا للتعايش والوئام والتوافق بين الفلسطينيين جميعا، فهي كما يلي :
ان يكون الحوار من اجل التكامل، فلا يكن من اجل ذاته، فالحوار من اجل الحوار، انما هو بين الطرشان فقط، الذين يخوضون فيه معتمدين على حكم مسبق يرفض التنازل او الاعتراف بالاخر، او الاقتناع بما يتعارض وما اؤمن به.
و ان يكون الحوار عن علم ومعرفة، وليس عن جهل، ليؤتي ثماره الطيبة، فالذي يحاور عن جهل لا يمكن ان يقتنع بشئ مهما كان صائبا، والعكس هو الصحيح، فمن يحاور عن علم ومعرفة، تراه يطلب الحق والحكمة بغض النظر عن مصدرها، ولذلك ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قوله {الحكمة ضالة المؤمن} وفي حديث آخر {خذ الحكمة ولو من فم كلب عقور} لماذا؟ لان المؤمن هدفه ان يتعلم وليس هدفه ان يجادل جدالا عقيما.
ومن اجل ان نتصف بذلك، يلزمنا ان نتحلى بمجموعة الصفات والاخلاقيات التي نتهيأ بها لقبول الاخر وقبول الحكمة عند الحوار، بغض النظر عن المصدر، على طريقة {لا تنظر الى من قال، وانظر الى ما قال
وليكن شعارنا عند الحوار (الدقة في النقل، والصحة في الخبر، والحكمة في الطرح) فلا نتقول اذا ما حشرنا الاخر في الزاوية، ولا نكذب اذا ما كدنا ان نخسر جولة، ولا نتهور اذا ما احرجنا المتحاور في معلومة او معرفة او دليل وبرهان.
تعلم فن الاصغاء، فالمحاور الذي لا يصغي للاخر وهو يتحدث او يدلي بادلته وبراهينه، لا يمكن ان يصل الى نتيجة حسنة من اي حوار.
ان كل واحد منا يتمنى لو يصغي له الاخرون وهو يتحدث، فلماذا لا يصغي هو عندما يتحدث الاخرون؟.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان من العادات السيئة لدى الكثيرين منا، هي مقاطعة الاخر اثناء الحوار وعدم تركه يكمل الفكرة، وكاننا دوما نقرا افكار الاخرين حتى قبل ان يدلوا بها او يتكلموا عنها، وهذا خطأ كبير في اي حوار.
علينا ان ندع الاخر ينهي حديثه قبل ان نقاطعه لندلي بما نعتقد به، وان من الخطا التصور بان الكلام العام يوضح الفكرة، ففي احيان كثيرة تتضح الافكار في تفاصيل الحديث، من دون ان يعني ذلك اننا نميل الى الثرثرة في الكلام ابدا، فالاختصار في الحديث يساعد على ديمومة الحوار، ولكن ليس كل الناس لهم القدرة على توضيح افكارهم بمختصر الكلام، ولذلك يجب ان نمنحهم الفرصة اللازمة لتوضيح افكارهم، من دون مقاطعتهم عند الحديث او عند طرحهم للفكرة.
كذلك، فان هناك عادة سيئة اخرى، نتميز بها، نحن الفلسطينيون، عند الحوار، الا وهي استعمال مفردات النفي كثيرا، فترانا نبدا كل حديث بالنفي كقولنا (لا) وان كنا سنكرر ما قاله الاخر قبل قليل، وكاننا لا نريد ان نسمع رايا صائبا من الاخر، مهما علا شانه، فنحاول ان نوحي له وكان الفكرة خاطئة اذا وردت على لسانه، وصائبة اذا ذكرت على لساني.
يجب ان نمحو من صدر احاديثنا عبارة (لا، ولكن) التي تدل على محاولة الغاء الاخر، حتى قبل مناقشته ومحاورته، وهي دليل عدم الاحترام والتقدير للافكار التي يتقدم بها الاخر عند الحوار.
هذه الصفة من العادات السيئة التي يجب ان نقلع عنها في الحوارات، لتاتي مثمرة وناضجة وذات منفعة، فاذا ذكر الاخر رايا صائبا نحاول ان نسمعه كلاما طيبا كأن نثني على الفكرة مثلا، او نقول له بان ما قاله صحيح، ثم نحاول ان نطور الفكرة او نصحح بعض ما جاء فيها من خطا او عدم صوابية.
الى جانب كل ذلك، علينا ان نتعلم فن السؤال، الذي يحتاج الى الكثير من التواضع للعلم والعرفة.
ان الكثير منا يخجل ان يسال، خاصة عند الحوار، ويعد ذلك منقصة او مثلبة ترجح كفة الآخر في جلسة الحوار، وهذا فهم خاطئ..
كما ان من المهم ان نمسك اعصابنا عند الحوار، حتى لا ينفلت لساننا فيما لا يرضي الله والطرف الاخر، وليكن الهدف هو كلمة الحق في كل الاحوال، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يدعو فيقول
{واسالك كلمة الحق في الرضا والغضب}.
ولنتذكر دائما، بانه كما ان الفكرة التي اعتقد بها محترمة بالنسبة لي ولا يمكن ان تتغير الا بشق الانفس، كذلك، بالنسبة للاخرين، فان افكارهم محترمة في قرارة انفسهم، ولا يقبلون بان يستخف بها احد او يستهزئ بها الاخرون.
علينا ان نحترم مشاعر الاخرين، كما نحب ان يحترم الاخرون مشاعرنا، مهما اختلفنا في الاراء والافكار، ولتكن الاية الكريمة {وجادلهم بالتي هي احسن} شعار كل جلسات الحوار.
اعتماد مبدا الاحترام المتبادل، والابتعاد عن لغة التكفير والتخوين والاستهزاء والاستخفاف والانفعال.
علينا ان نقبل من الاخر ما نقبله من انفسنا، ونرفض من انفسنا ما نرفض من الاخر، فليس من الانصاف في شئ ان نتناقض مع انفسنا.
لندع لغة العنف والتصفيات الجسدية والسياسية (اغتيال الشخصية) جانبا، ولنحكم لغة الحوار والمنطق فيما بيننا، وعلينا ان نقرر جازمين، كنس الاراضى الفلسطينية من اثار الماضي الاسود الذي خلفه لنا الانقسام البغيض ، فنتسلح بقوة المنطق، وننبذ منطق القوة، فنعشق لغة الدليل والبرهان، ونكره لغة التشفي والانتقام واتخاذ الارباب من دون الله تعالى، حتى لا نكن مثالا سئيا لمن وصفتهم الاية الكريمة {الذين اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله}.
لنقرر دائما بان الخلاف لا يفسد للود قضية. .. يجب ان لا ندع الخلاف كنتيجة نهائية لاي حوار، يتحول الى سبب للخصام والقطيعة، مهما كبر.
ليكن منهجنا قائم على اساس الاستمرار في الحوار مهما اختلفنا، فقد نصطدم في المرة الاولى، فنختلف في المرة الثانية، الا اننا سنتفق في المرة الثالثة، وهذا هو المطلوب من الحوار، اي حوار.
لنعتمد مبدا الحوار في ايجاد الحلول لمشاكلنا، ليس السياسية والامنية فحسب، وانما حتى العائلية والتعليمية وغيرها، فليحاور الاب ابنه بدلا من ان يشهر العصا في وجهه، ولتحاور الام بنتها بدلا من ان تصرخ في وجهها وترفع الحذاء بوجهها، وليحاور المعلم تلميذه بدلا من ان يعاقبه جسديا، وهكذا.
كذلك، فليكن الحوار هو السلاح الذي نعتمده في الاقناع والتطوير، وعلى مختلف الاصعدة، فنستبدل به كل الوسائل غير الحضارية وغير الانسانية الاخرى.
اختيار مواضيع الحوار بما ينفع الناس، وعدم الخوض فيما لا يغني ولا يسمن من جوع.
مشكلتنا، اننا نخوض، في اغلب الاحيان، في حوارات عقيمة لا تنفع في شئ، فنضيع بسببها الوقت والجهد وفي احيان كثيرة صداقة الاخرين، ولذلك يجب ان ننتبه الى مادة الحوار قبل الدخول فيه، لنكون على علم بها قبل ان نقرر المشاركة فيه، فلقد دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ذات يوم المسجد، فاذا جماعة طافوا برجل فقال ما هذا؟ فقيل علامة، فقال، وما العلامة؟ فقالوا اعلم الناس بانساب العرب ووقائعها وايام الجاهلية واشعار العرب. فقال (صلى الله عليه وسلم ) ذلك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه.
واخيرا: يلزم ان يدور الحوار في اجواء من الحرية بعيدا عن االقهر والاذلال والكبت وتكميم الافواه، فالراي الحر لا ينتجه المرء اذا كان مقموعا، والفكرة الصواب لا ينطق بها من لم يشعر بالحرية والامن.
لذلك، يلزمنا كفلسطينيين ان نعمل ونتعاون على اشاعة جو الحرية والسلام والاستقرار، لنهئ الاجواء المناسبة لكل حوار، بغض النظر عن نتائجه او طرفيه او مادته وموضوعه، المهم ان نخلق الجو المناسب، لغيرنا قبل ان يكون لنا، فهو اليوم لغيرنا وغدا لنا، وبذلك تكون الاجواء المناسبة للحوار، اي حوار، هي المصلحة المشتركة بيننا جميعا، كما انها القاسم المشترك الذي نحتاجه جميعا، ان لم يكن اليوم لنا، فغدا.
بقلم / سليم على شراب