لا زال قلمي لأجلك حماس سيالاً، يعطي بغدقٍ، ويكتب بشغفٍ، ويجودُ بفيضٍ ويجري كنهرٍ، ما جفَ حبرُه وما رُفعَت صحائُفُه، تبريه الأيامُ فيجودُ، وتحدُه الأحداثُ فيقتحمُ مقداماً معطاءً، فارساً على صهوةِ جوادٍ أبلقٍ، يمرق كما الريحُ مخترقاً، ويندفعُ كما السهم سريعاً، لا يتأخرُ ولا يتقهقرُ، ولا ينكفئ ولا ينكسر، ولا يساوم ولا يناور، ولا يتآمر ولا يهادن، ولا يخط إلا بياناً، ولا يكتب إلا عرفاناً، ولا يسطر إلا حقاً.
وإن ترجلتُ حيناً وتركتُ فيها مواقعي، فما تنكبتُ لقيمي ولا تخليتُ عن عهدي، بل إني وقلمي ولساني بروحي أفديها، فأنا ابن هذه الحركةِ الأبيةِ العظيمةِ، صانعةِ النصرِ، وبانيةِ المجدِ، التي تحدت بأبنائها العدو وكسرت شوكتَه، ومرغت بالترابِ أنفَه، وأجبرته على الانكفاء والانسحاب، والتراجع والانكسار، وأذاقته الهزيمةَ والفشلَ، والخيبةَ والعجزَ، ونبأته أن هذا الشعبَ حرٌ أبيٌ، كما الصيد الأباة الكماة يعرف كيف ينالُ من خصمه، وكيف يوقعُ عدوه، ويواصلُ دوماً في الميدان دربه.
كلماتي في الدفاع عن حركة حماس تجرح مناوئيها، وتؤذي المعتدين عليها، وتصيب في القلب كل من يشكك فيها أو يسيئ إليها، وهي كلماتٌ مبريةٌ بإتقانٍ، وحادةٌ بمعرفةٍ، وماضيةٌ بصدقٍ، أعرف متى أطلقها وكيف أوجهها، ولا أتأخر عنها إن أصبحت في بيت النار، أو عرفت هدفها وحددت خصمها، ولست في هذا أمُنُ عليها، أو أتفضل بدفاعي عنها، إذ أن حقها على كل عربيٍ ومسلمٍ، حرٍ غيورٍ صادق، أن يكون إلى جانبها، وأن يدافع عنها، ما بقيت ترفع لواء المقاومة وتقاتل العدو وتعد العدة لقتاله، وتتمسك بثوابت الشعب والأمة، وإن من يدافع عنها يسمو، ومن يشيد بها يكبر، وهي على من يكون معها تتفضلُ.
لكن أناساً في الحركة نشازٌ، يدعون انتسابهم إليها وارتباطهم فيها، بينما هم تبعٌ للمصالح والمنافع، يسكنُ المرضُ قلوبهم، ويعششُ العفنُ في عقولهم، وافدين على الحركة قدراً، وليسوا أصلاء فيها حقاً، مستفيدين منها وغير مضحين فيها، ومنتفعين غلَّاً بفيض عطائها، وليسوا على استعداد للمحنة في سبيلها، طاب لهم المقام في مناصبهم سنيناً، واستغلوا سلطاتهم فيها عمراً، يكرههم المحيطون، ويستعيذ من ذكرهم القريبون، حضورُهمُ مستنكرٌ، ووجودهم مستغربٌ، وصوتهم مستقبحٌ، ووجوههم ممقوتةٌ، وكلماتهم غير مسموعةٍ، وحضورهم فاسدٌ وغيابهم متآمرٌ.
أولئك لا يروق لهم أن أكتب إيجاباً، أو أن أنبري دفاعاً، أو أن أكون ترساً أصد به عن الحركة النبالَ والسهامَ، أو عليه تتكسرُ الرماحُ، وكأنه لا يعجبهم في الحق مقالي، ولا يروق لهم صدق كلامي، فأرادوا استفزازي بفاحشِ ردهم، وسوءِ قولهم، وبذاءةِ لسانهم، وسافرِ تحريضهم، وعيبِ تصرفهم، وشذوذِ سلوكهم، لأقولَ كلاماً آخرَ غيرَ ما أؤمنُ به وما قد اعتدتُ وتربيتُ عليه، ولكنهم خابوا وتعسوا، وشاهت وجوهُهُم وقطعت ألسنتُهم، وماتوا بغيضِ قلوبهم ومكرِ نفوسِهم.
فقد أقسمتُ بالله ألا ألتفتَ إلى كلماتهم المسمومة، وغيبتهم المذمومة، وفحيحهم السام، وسعيهم النمام، وإفسادهم المقيت، وهمسهم المذموم، وخلواتهم المحرمة، وتعميماتهم المضللة، ولن أصغيَ لمن ينقلُ إلي كلماتهم المريضة، ومفرداتهم البائسة، وحقدهم الدفين، وسأتركهم ينبحون كيف يشاؤون، ويتيهون كالكلاب الضالة الجائعة حيث يريدون، ولن أجيبَهم إلى طلبهم، ولن أحققَ لهم مرادهم، وسأمضي على ما أنا عليه مدافعاً حيث ينبغي الدفاع، وسداً مانعاً حين ألقى سيل المعتدين، فأن ألقى الله مدافعاً عن الحقِ خيرٌ لي من أن ألقاه سبحانه وأنا أسعى بالفساد بين الخلق، والنميمة بين الناس.
لن أصغيَ لهم السمعَ رغم أني أسمع بعضهم يهمسُ بحقدٍ، ويُعَرِّضُ بكرهٍ، ويكتبُ يلؤمٍ، ويعممُ بخبثٍ، ويشيعُ بمعصيةٍ، ويهددُ بِصَغارٍ، ويلوحُ بذلِ العبيدِ واستمراءِ الجواري المتنافساتِ على فراشِ سيدِهم، وقد جعلوا مني لهم عدواً وأمامهم هدفاً، فما أسكتهم عن ذكري بسوءٍ بعدُ المسافات، ولا جهلُ السامعين، ولا امتعاضُ الجالسين، ولا تقوى المؤمنين، وصدقُ العارفين.
أعرفُ أنهم يحاربني في سيرتي وحياتي، وأسرتي وأطفالي، وبيتي وعيالي، ويضيقون علي في رزقي وعملي، ويغلقونَ علي أبواباً فتحت أمامي، ويغيظهم قدرتي واستقلالي، وقلمي ولساني، وهمتي وبياني، ويحركُ ضغائنَ نفوسِهم كبريائي عن حقدهم واستعلائي عن فحشهم، ويحرضون عليَّ من بشَّ في وجهي مرحباً، أو ابتسم لي راضياً، فيعترضون بغير حقٍ، ويمضون كثعلبٍ ماكرٍ يضرب الأرض برجليه طرباً أنه نال مراده، وحصل بخبثٍ على ما يريد، وهو بهذا واهمٌ مخدوعٌ، وما علم أن القومَ إذ يستمعون إليه إنما ينافقونه وأمثاله لمالهم، ويتبعونهم لمساهمتهم، ويغضون الطرف تجنباً لشرهم، وكفاً لأذاهم.
سكتُ عن ظلمهم لي، الأليمِ الموجعِ المتصلِ بلا انقطاعٍ، واغتصابهم الذي ما زال لحقي وأطفالي، ورزقِ زوجتي وعيالي، مدة ثلاثة عشر عاماً ونيفٍ، وما زالتُ حتى اليوم، محروماً من حقي، وممنوعاً من راتبي، بتحريضٍ من بعضهم، وتشجيعٍ من شياطينهم، في الوقت الذي يتقاضون فيه رواتبَ عاليةٍ، وبدلاتٍ كبيرة، وميزانياتٍ ضخمة، يفتحون بها المكاتب، ويجوبون فيها الدول، ويشترون بها الذمم، بينما أنا الفلسطيني الأسيرُ المبعدُ من أرض الوطن، بعد تسعة اعتقالاتٍ في سجون العدو الإسرائيلي، صاحبِ الحقِ وزوجتي وأطفالي في الراتب، أحرمُ منه وأمنعُ، ويحبسُ عني ويحجبُ، وقد كان لي حقاً مفروضاً في الصندوق القومي الفلسطيني أسوةً بالمبعدين أمثالي، ولكنهم منعوني من أخذه حفظاً للكرامة، وحجبوا عني بديله ظلماً وافتئاتاً وعدواناً.
لم أعدُ أطالبُ براتبي وهو لي حق، وعليهم واجب، وعندهم أمانة، وفي أعناقهم مسؤولية سيحاسبون عليه يوم القيامة، ولكنني طالبتُ وما زلتُ بكفِ ألسنةِ هؤلاء المارقين الكارهين، وضبطِ سلوكهم، ومنعهم من استغلالِ منابرِ الحركةِ ومؤسساتها، واستغلالِ مناصبِهم ومواقعِهم وجوقاتهم، في إشاعةِ الفتنة، والإساءةِ الشخصية، وتشويهِ السمعة، والتضييقِ علي في الرزق الذي ساقه الله لي بكدِ يميني وجهدِ أيامي، إذ بقلمي كتبتُ وتعبتُ، وبعقلي أبدعتُ وألفتُ، وبلساني تألقتُ وأعطيتُ، فساءهم ما فتح الله علي، وأغضبهم ما يسره الله، فاعترضوا على عطاء الله وتمنوا زواله، وعملوا على جفافه.
رغم كل ما أسمعه وأعانيه، وما ألاقيه وأواجهه، وما أُحرَمه وأُجحَده، وما تسمعُه زوجتي وبناتي صراحةً وتلميحاً، وما يتأذونَ منه قولاً وفعلاً، وما يشاعُ علناً وما يعممُ سراً، سأبقى وفياً لهذه الحركةِ، أميناً على أسرارها، حافظاً لعهدها، باراً بقسمي لها، وفياً لأهدافها، صادقاً مع أبنائها، حريصاً على منجزاتها، وساعياً لخيرها، ورافعاً لواءها، ومنافحاً عنها أمام أعدائها وخصومها، وحيث تكون غائبةً سأكون صوتها الأعلى، وضميرها اليقظ، وصدقها البيِّن وحرصها الأكيد، ولن أسمح لمستغلٍ غيابها، ولا لعابث بقيمها، أو منتهزٍ لظروفها، أن ينال منها أو يطالها بسوء، أو يؤذيها بنقدٍ أو يجرحها بموقفٍ أو يشوهها باتهامٍ.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 18/8/2016
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]