لا فائدة في وجود أحزاب عربية في الكنيست

بقلم: عماد شقور

منعا للوقوع في خطأ تفسير العنوان اعلاه، وجب التوضيح: البرلمان الاسرائيلي، (الكنيست)، هو المؤسسة الاهم، على الاطلاق، في اسرائيل. هو غرفة القيادة والتحكم في كل شأن اسرائيلي. هو المطبخ الذي يتم فيه اعتماد كل السياسات الاسرائيلية: السياسية والامنية والاقتصادية والتعليمية وكل ما يمكن ان يخطر على البال. هو الموقع الذي يحدد فيه من يكون رئيس الحكومة، والوزراء، وما يستتبع ذلك من تحديد لاسماء الاهم من قادة الجيش والشرطة، والاهم والاخطر من اجهزة الامن، والقضاء، وصولا إلى انتخاب رئيس الدولة، وكل ما بين ذلك من مواقع ومفاصل تحدد اصحاب القرار. هو النادي المغلق الذي يمنح الحكومة الثقة، فتباشر مهامها تحت رقابته. وهو الذي يحجب الثقة عن الحكومة، فتستبدل بغيرها. وهو، بذلك، الموقع الاهم الذي يجدر بالفلسطينيين العرب في اسرائيل، ان يعتبروا التأثير فيه، والتاثير من خلاله، الأول والأهم والأسمى بين ما يضعونه من اهداف لعملهم الوطني الجماعي.
وزن الاحزاب العربية في الكنيست الاسرائيلي، بخصوص الادوار الحاسمة في كل ما تقدم من مهام، قريب من الصفر، ان لم يكن صفرا.
وجود احزاب عربية "ذيلية" لاحزاب يهودية عنصرية، على غرار "حزب يد" القديم، مثلا، وشعاره "يد الله مع الجماعة"، وكذلك وجود اعضاء عرب في الاحزاب الحاكمة في اسرائيل مثل مباي ومبام و حيروت، بكل اسمائها الحالية الكثيرة التغير، لم يعُد باي فائدة على الفلسطينيين، على مدى العقود السبعة التي هي عمر اسرائيل.
سياسة الحكومات الاسرائيلية الصهيونية هي سياسة تمييز عنصري، والفلسطينيون في اسرائيل هم اول ضحايا هذه السياسة. هذا هو الواقع. لكنني لست الآن بصدد عرض هذا الامر في هذه السطور، رغم اهميته الفائقة. ما اعرضه هو: ما العمل؟.. وكيف يمكن لنا، بداية، ان نُلغي ما ترتب وما يترتب على هذا الواقع من خسائر ومعاناة. ثم، ما هو البديل؟، وكيف لنا تلمُّس الطريق الموصل إلى الغاء واقع انعدام قدرة الفلسطينيين العرب في اسرائيل على التأثير في السياسات الاسرائيلية، ومن خلال الكنيست الاسرائيلي ذاته؟.
واضح أن العمل على ذلك ليس سهلا. ولكن انجاز هذا الهدف ليس مستحيلا ايضا. واعتقد، جازما، أنه هدف قابل للتحقق، إذا وضعته الجماهير الفلسطينية في اسرائيل نصب اعينها، واذا أعملت العقل الخلاق المبدع، وبدأت التفكير خارج كل الاطر والطرق المريحة المعروفة التي اعتادتها، واذا آمنت، بشكل مطلق، بقدرتها على النجاح في هذا المسعى الوطني الواضح الأهمية.
وضعا للأمور في نصابها وفي سياقها، لا بد من معرفة وتسجيل عدد من الحقائق، كما لا بد من الاعتراف بها، واهمها:
أولا ـ ان الفلسطينيين في اسرائيل فقراء اساسا، ثم أفقرتهم السياسات الاسرائيلية اكثر واكثر. وليس في تقاليدهم التبرع بمال لمشاريع سياسية او اجتماعية او غيرها، على غرار ما هو وضع اليهود في أمريكا، على صعيدي القدرات المالية، وتقاليد التبرع. ثانيا ـ ان الفلسطينيين في اسرائيل ليسوا فئة ممتازة ومتميزة على صعيد الصحافة والفن والعلم في المجتمع الاسرائيلي، (الا ما ندر)، كما هو حال اليهود في أمريكا او فرنسا او بريطانيا مثلا.
ثالثا ـ ينظر رجال الحكم واصحاب القرار في اسرائيل، اضافة إلى غالبية كبيرة في المجتمع اليهودي في اسرائيل إلى المواطنين الفلسطينيين فيها على انهم معادون و"طابور خامس". وليس الامر كذلك بالنسبة لليهود في اميركا ودول اوروبا. رابعا ـ ان الفلسطينيين في اسرائيل يشكلون اكثر (بقليل) من 20٪ من المواطنين اصحاب حق الاقتراع في اسرائيل، في حين ان اليهود في اميركا اقل من 0.5٪ من اصحاب حق الاقتراع في اميركا، واقل من ذلك في عدد من دول اوروبا. خامسا ـ ان اسرائيل وأمريكا وكل دول اوروبا و"العالم الاول"، دول ديمقراطية، تحدد نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية فيها، شكل وطبيعة، بل واشخاص الحاكمين ايضا. من كل ما تقدم تتبين لنا حقيقة بالغة الوضوح: اليهود في أمريكا تحديدا، يتفوقون بما لا يقاس عما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين في اسرائيل على صعيد "النوع" او "الكيف". في حين ان الفلسطينيين في اسرائيل يتفوقون، بما لا يقاس ايضا، على ما هو حال اليهود في أمريكا والعديد من دول اوروبا، على صعيد "الكَم" او "النسبة العددية".
السؤال هو: كيف للفلسطينيين ان يستعينوا بـ"الكَم" على "الكَيف"؟، كيف لهم ان يستعيضوا بـ"النسبة العددية" عن "النوع"، دون التخلي،طبعا، عن ضرورة جعل تطوير "النوع" الفلسطيني، واحدا من اهم الاهداف الوطنية.
قد يبدو ذلك ضربا من ضروب المستحيل، لو لم يكن للامر علاقة باسرائيل، صاحبة شعار "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، و"الفيلا وسط الغابة" كما يحلو لايهود براك تسميتها.
اذا تخلت اسرائيل عن "ديمقراطيتها"، وعن الدعوة إلى انتخابات تشريعية مرة كل اربع سنوات على ابعد الحدود، سيكون من الاسهل ومن الاسرع هزيمتها من شقيقتها الكبرى، دولة جنوب افريقيا، ايام كانت ذات نظام حكم عنصري، كما هو حال اسرائيل الآن، من وجوه عديدة. لكن تخلي اسرائيل عن ديمقراطيتها مستبعد، بل وشبه مستحيل. اسرائيل حريصة على تصوير نفسها "دولة ديمقراطية" تتقاسم قِيَما ومبادئ مع أمريكا ودول العالم الاول. وهذا هو المدخل للاستعاضة عن "الكيف" بـ"الكَم". في كل اربع سنوات 1461 يوما. كل هذه الايام في اسرائيل متشابهة، إلا واحدا، هو يوم الانتخابات. في هذا اليوم بالذات تلتغي اهمية "الكيف" و"النوع" تماما، ويصبح "الكم" هو العامل المهم الوحيد. وهذا هو المدخل لاحراز هدف التغيير.
آن الأوان لتفكير جديد. آن الأوان لبناء تحالفات مع احزاب اسرائيلية حاكمة ليست منبوذة من الشارع اليهودي الاسرائيلي، وتحويلها إلى احزاب يهودية عربية، تشارك في الإئتلافات التي تشكل الحكومات في اسرائيل، تحالفات بين انداد متساوي الوزن، تحالفات واضحة وملزمة، يمكن في أي انتخابات لاحقة معاقبة من يخل باي من بنودها. آن الأوان لأن يكون للعرب في اسرائيل دور حقيقي في رسم السياسة الاسرائيلية والتاثير لما فيه مصلحة الفلسطينيين في اسرائيل، ولما فيه مصلحة شعبنا الفلسطيني ككل، بعيدا عن كل عمالة وتبعية، وبعيدا عن كل مزاودة ايضا.

٭ كاتب فلسطيني