غزة هاشم.... واهلها الطيبون

بقلم: وفيق زنداح

ان الذكري تنفع المؤمنين ...لقد ولدنا علي ارضها ....وترعرعنا علي ثراها ...وشربنا من مائها وأكلنا من زرعها ...تعلمنا في مدارسها ....وتتلمذنا علي ايدي معلميها ومشايخها ..كنا نؤدي الصلاة بمواقيتها وبمساجدها العامرة ..وكنا نستمع الي مشايخنا الاجلاء ....كما ونستمع الي قياداتنا المحلية ووجهاء عائلاتنا ما قبل ثورتنا المعاصرة .

كنا نقرأ الصحف محبة بالمتابعة ورغبة بالثقافة ....كما كنا نشاهد المجلات والصحف الاتية لنا عبر القطار الحديدي من مصر الحبيبة .

غزة هاشم بزمانها الجميل واهلها الطيبون ......برمالها الصفراء ...واشجارها الخضراء ومياه بحرها الازرق ....وبشاطئها الجميل وبنظافة شوارعها ومدنها ....وببياراتها وروائح زهورها الجميلة .

غزة بكل جمالها ومتعة النظر اليها ....وحسن التعامل بين أهلها وعظمة أخلاقهم التي تربط بين ساكنيها وحسن الجوار في أحياءها وازقتها ...وعظمة ما يتولد بداخلها من قيم وعادات ترسخت بفعل التربية وتعاليم الدين الحنيف ...وما كنا نوجه به من كبارنا أباءنا واجدادنا وخطباء مساجدنا.

غزة بأحيائها المعروفة من الشجاعية شرقا الي ميناء البحر غربا مرورا بحي الرمال ومن حي الزيتون جنوبا الي أحياء التفاح والدرج وبيت لاهيا شمالا .

هذه الاحياء التي لم تكن ممتدة كما هو حالها اليوم ...ولم يكن هناك امتداد عمراني كما نحن عليه من حجارة ومباني تخلوا من الرمال الصفراء والاشجار الخضراء ونسيم الهواء .

مساجدنا في غزة كانت عامرة ومليئة بالمصلين ومن كافة الاجيال ...وأذكر أننا كنا بطفولتنا وحتي مرحلة الرجولة والشيخوخة من رواد المسجد العمري الكبير الذي كان يدرس لنا تعاليم ديننا الحنيف ويخطب بنا في صلاة الجمعة مشايخنا الاجلاء رحمهم الله جميعا الشيخ اسماعيل جنينة والشيخ هاشم الخزندار والشيخ ناجي ابو شعبان والشيخ اسماعيل مدوخ والشيخ الكحلوت وغيرهم من مشايخنا الافاضل الذين تعلمن منهم كيف يمكن للدين أن يكون منهاج حياة... وحسن تعامل وأخلاقيات وادبيات تعلمنا أن الدين دين قلوب ....كما وان الدين صلة العبد بربه ...كنا نسمع ونؤمن ونمارس ما تعلمنا علي قاعدة أننا نخاف الله ونتبع سنة رسوله ...واننا اصحاب دين المحبة والتسامح ....كما اصحاب دين الخير والبركات... ودين الجار ولو جار ودين الاحساس بآلام الاخرين ...وتقديم يد المساعدة لهم دين الانسانية والاحسان والمثل والعطاء واداء واجب .

غزة هاشم كان فيها من المساجد وأماكن العبادة الاثرية منها والتاريخية كما المستجدة بعمرانها وبناءها لكنها بمجمل تاريخها لعقود طويلة واضحة بمعالمها ومنبرها وجدرانها وارضيتها وجذورها التاريخية .

غزة هاشم تاريخ طويل ...ومن أقدم المدن التاريخية التي عاشت الكثير من الحروب والاحداث ومر علي أهلها الكثير من المحطات التي ولدت لديهم تجربة غنية ...ومعرفة شاملة بمجريات الاحداث وتقلباتها ...ويدركون بحكم تجربتهم دورهم وعقيدتهم ووطنيتهم والتزامهم وانتمائهم .

كانت مدارس غزة ذات المناهج القوية والعلوم المتعددة ...كما كان بمناهجها التربية الدينية كنا بطفولتنا في مدرسة الكرمل الابتدائية وتعلمنا علي ايدي اساتذة أفاضل وشيخ جليل الشيخ الشهيد احمد ياسين وهناك من ابناء جيلنا من يذكرون تلك الايام .

غزة ليست مدينة حديثة العهد.... ولم تكن حديثة الثقافة والوطنية والدين بل أنها مدينة قديمة بقدم الزمن وتاريخه ومعالمه وتعاليمه .

غزة ذات السجل النضالي الطويل التي عرفت المقاومة والمواجهة منذ عقود طويلة ...كما عرفت مشروع مناهضة المشاريع الاستسلامية منذ مشروع التدويل والتوطين بمظاهرات أهلها والتي كان يقودها خير القادة والمواطنين وهم كثر ولا استطيع احصاء عددهم حتي لا تخونني الذاكرة ويسقط سهوا أحد الشخصيات الوطنية .

غزة ومجموعات الشهيد مصطفي حافظ والفدائيين التي كانت تقوم بعملياتها ضد الكيان الاسرائيلي ...هي ذاتها غزة التي كانت تقصف بالطائرات والمدفعية وما حادثة المحطة وما سقط فيها من شهداء وجرحي خير دليل علي جرائم الاحتلال الذي مارس بجرائمه العديدة من المجازر بقتل الفلسطينيين وحتي دفنهم أحياء كما قتل الجنود المصريين .

غزة المدافعة عن وطنيتها وفلسطينيتها وحقوق شعبها ليست وليدة اللحظة ...كما انها ليست وليدة المرحلة بل انها ذات جذور تاريخية بعمر هذا الوطن وما سقط من شهداء وجرحي بالألاف في ظل مرحلة غياب الاعلام ....وحتي غياب الفصائل علي تعدادها وكثرتها بهذه الايام.

غزة برجالها وقادتها الذين سيبقون بذاكرتها وتاريخها ممن تولوا رئاسة بلديتها وقدموا الخدمات لها نذكر منهم علي سبيل المثال وليس الحصر :رشدي الشوا..وراغب العلمي...ومنير الريس....ورشاد الشوا والعديد من رجالات غزة الذين تولوا هذا المنصب من الاجيال الجديدة وحتي وان كانت ما قبل عقود .

لا جديد علي غزة هاشم ....ولا يمكن أن يكون هناك جديدا بكافة مناحي حياتها وعلاقاتها وحسن تعاملها... لا جديد بنضالها وصمودها ...دينها وعروبتها وفلسطينيتها الاصيلة وبسالة أهلها .

تاريخ غزة مليء بالأحداث....كما انه حافل بما يمكن أن نفخر به نحن أهل غزة ...والذي كتب عبر العديد من الكتب والقصص والروايات ...وما زلنا بحاجة الي توثيق وتجسيد وتنوير... لهذا الجزء الغالي من الوطن ....حتي يتمكن الجميع من ان يقرءوا تاريخها ...وان لا يسيئوا لها.

بقلم/ وفيق زنداح