تمر علينا الذكرى السابعة والأربعون لجريمة حرق المسجد الأقصى المبارك , على يد المجرم اليهودي الأسترالي دينس مايكل , قبل سبعة وأربعون عاما إستطاع المقدسيون بتاريخ 21أغسطس 1969ميلادية , إخماد الحريق بكل ما يملكون من أدوات وإمكانيات بسيطة , حتى أدوات مطابخهم , ساهمت في إطفاء نار الحقد الصهيوني , التي أشعلت الحرائق في المسجد الأقصى ومنبر الفاتح صلاح الدين الأيوبي , وإستمر الصمت العربي الإسلامي على هذه الجريمة , ولم نسمع الا التنديدات الجوفاء , ولم تكن هناك تحركات عملية , أو تسجل إجراءات ميدانية, أو قرارات حاسمة من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى مما يتعرض له من الإستهداف الصهيوني المباشر , ولم يدافع يوم ذاك عن المسجد الأقصى المبارك , الا المرابطين في جواره من أهل فلسطين كما هو حاصل الآن .
يوم الجريمة النكراء إرتعبت جولدمائير رئيس حكومة الإحتلال آنذاك , فلقد تم المساس بمكان مقدس للمسلمين فهو قبلتهم الأولى , ومسرى نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم , ومن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال في الإسلام , فأصابها الحزن الشديد على جريمة حرق الأقصى فقد يكون تأثيرها خطير وداهم على كيانها الإحتلالي , من غضبة المسلمين لأقصاهم ومقدساتهم,ولكنها في صباح اليوم أعلنت فرحها وعاد إليها السرور والثقة فالعرب والمسلمين في سبات عميق , لا يحركهم مقدس ولا يجمعهم نداء النصرة للأقصى , وقالت قولتها المشهور (لم أنم طوال الليل كنت خائفة من أن يدخلوا العرب (إسرائيل) أفواجا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن بإستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده , فهذه أمة نائمة ) .
وكأن التاريخ يعيد نفسه , فلم يمر يوم الا وتُضرم الحرائق في المسجد الأقصى , حرائق من نوع أخر, ذات تأثير أقوى من اللهب والدخان , تسرى كالسرطان من تحت الأرض حيث الحفريات اليهودية , تحت أساسات المسجد الأقصى بحثاً عن أي أثار يهودي مزعوم بلا جدوى , أو من فوق الأرض من خلال الإقتحامات اليومية وإقامة الطقوس الدينية في باحات المسجد الأقصى المبارك , في إطار خطة جهنمية لتقسيم المسجد الأقصى تبدأ بما يعرف بالتقسيم الزماني , والذي يهدف إلى تهيئة الأوضاع لتقبل أي تقسيم مكاني للأقصى , بعد أن يُصبح الحضور الصهيوني اليومي أمر معتاد في باحات المسجد الأقصى المبارك , ولقد إستشعر شعبنا الخطر من هذا المخطط الصهيوني الخبيث , فإنطلق بإنتفاضة القدس الباسلة , والتي أوقفت المخطط الصهيوني لبعض الوقت , وأجبرت سلطات الإحتلال على إصدار قرار بمنع الإقتحامات للأقصى , والتي كان يشاركها فيها بعض الوزراء وأعضاء الكنيست الصهاينة , في إنتصار أولي لإنتفاضة القدس المباركة , ولقد سعى الإحتلال إلى الإلتفاف على هذا الإنجاز , من خلال بعض اللقاءات والجولات التي خاضها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة , ليخرج لنا بإتفاق باهت يقوم على تركيب الكاميرات في المسجد الأقصى, كانت ستقدم خدمة مجانية للإحتلال بالسيطرة الفعلية على مجريات الأوضاع في الأقصى عبر تلك الكاميرات , وبوعي وبصيرة المرابطين وحراس الأقصى تم إفشال ذلك المخطط , ومن المؤسف أن تترك إنتفاضة القدس وشبابها وحدهم في ميدان الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك , فتخلى عن دعمهم ومساندتهم القريب والبعيد , في إستمرار لحالة الخذلان التي تتعرض له قضية المسجد الأقصى المبارك .
ونعود إلى هاجس جولدمئير والذي سيطر عليها , لذا سماعها نبأ جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك , فلماذا إرتعبت جولدمئير؟ وهي تعرف الحالة المزرية للأنظمة العربية , وتعلم تبعيتها للإدارة الأمريكية ومدى إنصياعها للإرادة الغربية في إدارة كافة شؤونها , وكذلك تعرف جولدمئير جيداً أوضاع الجيوش العربية ردئ التسليح والمهزومة نفسياً أمام الجيش الصهيوني , فلماذا خافت جولدمئير ؟ , لقد جاءها شعور الخوف لأنها تعلم جيداً مدى تأثير المقدسات الدينية في نفوس الشعوب المؤمنة , ولديها اليقين بأن الشعوب الحرة هي التي تثور من أجل مقدساتها ومعتقداتها وأوطانها , لقد توقعت جولدمئير أن تخرج الجيوش العربية بعتادها المتواضع , وأن تتحرك الشعوب المسلمة زحفاً نحو المسجد الأقصى حتى بدون سلاح , لتدافع عن الأقصى بلحمها الحي وصدرها العاري , وهو السيناريو التي يخشاه قادة الإحتلال , ويعتبر التهديد الإستراتيجي الوجودي على الكيان الصهيوني , فلماذا لم يتحقق هاجس الإحتلال إلى يومنا هذا ؟ , رغم أن نداء المسجد الأقصى المبارك منذ سبعة وأربعون عاماً , يحمل في طياته الآلام والمعاناة , وطلب النجدة والنصرة لوقف التغول اليهودي , وهو النداء الذي يتكرر يومياً والأمة تغط في النوم العميق , وينطبق عليها قول الشاعر " لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي " , فإن الجواب بكل صراحة أن المسجد الأقصى غاب عن إهتمامات المسلمين ولم يعد من أولوياتهم اليومية, ولو إستطاعت الأنظمة الرسمية حذف سورة الإسراء من القرآن الكريم ما تأخرت , ما يحتاجه الأقصى أن تعلم الأمة وشبابها جيداً قيمة هذا المكان وإرتباطه بعقيدة الأمة وتاريخها ,عبر تكثيف الجهود الدعوية والإعلامية والشروحات في فضائل المسجد الأقصى عبر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية , وتفصيل الخطر الصهيوني الداهم الذي يتربص به , حتى لا يغيب الأقصى شكلاً ووصفاً وقيمة على ذاكرة وعقول أجيال المسلمين في أرجاء المعمورة , ومتى تربع الأقصى في قلوب المسلمين كقضية مركزية , وأصبح الأقصى مسألة دين وكرامة , فأن الجحافل تتحرك ودعوة التحرير تجد من يلبيها , ليتحرك صلاح الدين جديد يقود مسيرة التحرير والتطهير للأقصى من براثن الإحتلال والتهويد .
بقلم/ جبريل عوده