في إطار ردي على مقالة رؤية جديدة ... لفلسطين مستقلة الذي تحدث فيها الكاتب عن إنجازات وزارة التعليم تحت قيادته خلال العام الأخير وأطلق عليها عدة أسماء: "وزارة الشعب" و"وزارة الدفاع" و"أم الوزارات" سأتحدث في السطور التالية عن "إنجازات" هيئة الاعتماد والجودة في ظل قيادة وزير "الشعب". فقبل الانقسام كان هناك وزارة تعليم واحدة وهيئة اعتماد وجودة واحدة تعمل على اعتماد مؤسسات التعليم العالي وبرامجها في الضفة وغزة، ولكن أثناء الانقسام وكأحد آثاره أصبح هناك وزارتان أحدهما في غزة والأخرى في الضفة، وكذلك هيئتان للاعتماد والجودة واحدة في الضفة والأخرى في غزة، وخلال هذه الفترة التي امتدت لعدة سنوات تم اعتماد العديد من مؤسسات التعليم العالي والبرامج التعليمية في كل من الضفة وغزة، وكانت الوزارة في غزة خلال هذه الفترة تعترف بالمؤسسات والبرامج التي يتم اعتمادها من هيئة الاعتماد والجودة في الضفة إلى جانب المؤسسات والبرامج التي تعتمدها هيئة الاعتماد والجودة في غزة، أما الوزارة في الضفة فلم تكن تعترف إلا بالمؤسسات والبرامج التي يتم اعتمادها من هيئة الاعتماد والجودة في الضفة.
وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني ورثت وزارة التربية والتعليم العالي الجديدة تركة وزارتين سابقتين، وكان من المفترض أن تتعامل مع هذا التركة بصورة عادلة ودون تمييز فهي وزارة في حكومة وفاق وطني كان أحد أهدافها إعادة اللحمة لمؤسسات الوطن، وكان من باب العدل والمساواة أن تعتمد الوزارة الجديدة ما اعتمدته الوزارتان السابقتان في الضفة وغزة، ولكن ما حصل أن وزارة التعليم في حكومة الوفاق تعاملت مع الوضع باعتبارها امتداداً لوزارة التعليم السابقة في رام الله فاعتبرت كل ما تم اعتماده من الوزارة وهيئة الاعتماد والجودة في الضفة بأنه شرعي وقانوني، أما ما تم اعتماده من وزارة التعليم وهيئة الاعتماد والجودة في غزة فاعتبرته غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي رفضت "أم الوزارات" الاعتراف بشهادات خريجي هذه المؤسسات والبرامج مما يهدد مستقبل هؤلاء الطلبة ومستقبل آلاف آخرين يتعلمون في هذه المؤسسات والبرامج في حالة غير مسبوقة من التقسيم والتمييز العنصري المقيت.
لقد صمدت هذه المؤسسات في وجه الحصار وواجهت آثار الحرب والعدوان المتكرر على قطاع غزة والذي استهدف ضمن ما استهدفه مؤسسات التعليم فدمر مبانيها وخرب مختبراتها وممتلكاتها، بل استشهد وجرح المئات من طلابها والعاملين فيها، ورغم ذلك تنكرت لها
وزارة "الشعب" في ظل حكومة الوفاق فلم تقف معها ولم تساعدها في إعادة تشييد مبانيها وتجهيز مختبراتها، بل لم تعترف بها مثل باقي مؤسسات الضفة، ولم تعترف بشهادات خريجيها الذين بذلوا كل ما يملكون في هذا الوقت الصعب ليحصلوا على شهادات هي في نظر وزارة "الشعب" أوراق لا قيمة لها في الوقت الذي تعترف فيه بمؤسسات وبرامج من دول أخرى متواضعة في مستواها العلمي والأكاديمي بل تعترف بشهادات من مؤسسات المحتل الإسرائيلي ولا تعترف بشهادات مؤسسات الصمود في غزة.
لقد خاطبنا وزارة "الشعب" أكثر من مرة من أجل حل هذه المشكلة فاقترحنا توحيد هيئة الاعتماد والجودة لتكون هيئة واحدة مستقلة يتم تسمية أعضائها بشكل مهني وعادل من الضفة وغزة، وبحيث تتعامل هذه الهيئة مع الإرث القديم (إرث سنوات الانقسام) بشكل عادل ومنصف فتعتمد كل المؤسسات والبرامج التي تم اعتمادها في فترة الانقسام، وتعيد تقييمها وفق معايير مهنية واضحة، فيستمر اعتماد المؤسسات والبرامج التي تتوافر فيها معايير الاعتماد والجودة، وتعطى فرصة زمنية لتلك المؤسسات والبرامج التي تفتقر إلى هذه المعايير، فإذا لم تتمكن من تسوية أوضاعها خلال المهلة المقررة يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية بحق هذه المؤسسات والبرامج. ونذكر هنا أن السلطة الوطنية الفلسطينية عندما استلمت زمام الأمور ورثت مؤسسات تعليم عالي أخذت ترخيصها واعتماد برامجها من الإدارة المدنية للمحتل الإسرائيلي، ورغم ذلك استمر اعتماد هذه المؤسسات والبرامج والاعتراف بشهادات خريجيها، فكيف لوزارة تعليم في ظل حكومة وفاق وطني تتنكر لمؤسسات وطنية وبرامج تعليمية وخريجين عانوا من الحصار وآثار العدوان وفي نفس الوقت يطلق عليها صاحبنا وزارة "الشعب" و"وزارة الدفاع"؟
لا تزال وزارة "الشعب" تتنكر للشعب في غزة، وتدير ظهرها للعديد من برامج ومؤسسات التعليم العالي فيها، بل تتواصل رسمياً مع العديد من مؤسسات التشغيل وتطلب منها عدم تشغيل خريجي هذه المؤسسات والبرامج في ظل حالة البطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة، بل وصل الأمر إلى أن تعمم وزارة "الشعب" على السفارات الفلسطينية بعدم التعامل مع شهادات خريجي هذه المؤسسات مما حرمهم من فرص العمل واستكمال دراساتهم في الخارج. فكيف لوزير "الشعب" والحال كذلك أن يتحدث عن إنجازات لوزارته؟ إلا إذا كان الإنجاز في نظره هو تشديد الحصار على هذه الفئة المجاهدة في غزة من خلال محاصرة مؤسساتها وإغلاق الأبواب أمام مستقبل أبنائها كما يفعل المحتل الإسرائيلي الغاصب.
بقلم/ د. زياد ثابت