في ذكرى استشهاد القائد ابو علي مصطفى مطلوب مراجعة وطنية

بقلم: عباس الجمعة

حين نقف امام ذكرى قادة عظام من قادة الشعب الفلسطيني يبرز اسم الشهيد القائد الوطني الكبير ابو علي مصطفى الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، شهيد الانتفاضة والمقاومة ، وهنا نشدد في الذكرى الخامسة عشر على رحيله على ضرورة ان نستلهم من مواقف الشهداء الحديث عن أهمية ربط النظرية بالممارسة الكفاحية، حتى نفي حق الشهداء الذين قدموا حياتهم من اجل فلسطين ، فاذا كان للحياة معنى، ففي الشهادة تكمن أعمق المعاني، ورغم المسافة الزمنية بين ذكرى استشهادالقائد ابو علي ، وبين الواقع الفلسطيني اليوم، هي المسافة التي امتلأت وذخرت بالأحداث والتطورات على الصعيد الفلسطيني، والعربي، والدولي، فالواقع الفلسطيني اليوم يئن من الجراح، ويفتقد إلى الحكماء ، نتيجة انقسام كارثي ووهم البعض باقامة له دويلة في قطاع غزة ، بينما الشعب الفلسطيني يتصدى بلحمه الحي للاستيطان وتهويد الارض والمقدسات وسياسة القتل والاجرام الصهيونية ، ومخيمات الشتات تدفع ثمن بعض القوى المتطرفة التي تريد تنفيذ اجندات خارجية من اجل تدمير المخيمات وتهجير سكانها وشطب حق العودة متزامنة مع قرارات الاونروا الظالمة بوقف عدة خدمات للشعب الفلسطيني ، حيث ضاعت البوصلة .

وامام هذه الذكرى لقائد وطني وقومي عظيم نرى الواقع العربي الذي يندى له الجبين، حيث تشتد الهجمة الامبريالية الصهيونية الاستعمارية الارهابية التكفيرية ضد دول وقوى المقاومة في المنطقة، بهدف الوصول الى تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبيه واثنية بعد ان تفشت الطائفية بأفكارها الرجعية والسلفية، ولم تعد الدولة القطرية الواحدة قادرة على حماية نفسها من نفسها ومن عدوها، وابعاد الشعوب العربية عن البوصلة الرئيسية فلسطين ، والحالة العربية ليست أفضل من الحالة الفلسطينية، هذا هو الواقع الفلسطيني والعربي كخلاصة ، حيث تجري الاحداث على مدار هذه المسافة الزمنية في ظل فرض معادلات، وتوازنات.

نعم، لم يترجل ابو علي ومازال يقاوم فاشية وعنصرية دولة الابرتهايد االصهيونية، كما يقاتل من موقعه المتقدم في الالتزام بقضية واهداف الشعب دفاعا عن وحدة الارض والشعب والمصالح الوطنية العليا، ويدعو للوحدة الوطنية، الرافعة الاساسية للنضال الوطني، غير آبه بالحسابات الصغيرة، حيث كان مقداما في كل معارك الدفاع عن المشروع الوطني، لم يهادن، ولم يتردد لحظة واحدة في امتشاق البندقية والقلم على حد سواء، فكان مدافعا عن وحدة الارض والشعب والقضية والاداة الوطنية، وتبنى الخيار الديمقراطي للحوار بين فصائل العمل الوطني لتعميق القواسم المشتركة بين الكل الوطني، كما كان رفاقه القادة عمالقة الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات والحكيم جورج حبش وفارس فلسطين ابو العباس وكل الشهداء الذين دافعوا عن قناعاتهم بقوة في كافة المحطات الكفاحية، وشكلوا محور ثقل اساسي في صفوف الثورة ، وفي مسيرة الكفاح الوطني الطويلة، دفاعا عن فلسطين الدولة والحرية والعودة.

إن استهداف القائد أبو علي مصطفى في انتفاضة الاقصى عام 2002، كان استهدافا لما يمثل من فكر ثوري، وطرح سياسي وطني، وخيار كفاحي لا يستجيب لشروط الاحتلال، كان

استهدافاً لمنحى تنظيمي بدأ يخطه لجبهته نحو الفعل الكفاحي والمقاومة، كان اغتيالاً يستهدف قطع الوصل بين الفكرة والأداة.

وفي ظل هذه الظروف تأتي ذكرى استشهاد ابو علي مع ذكرى حرب غزة ، التي اسقطت أوهام الاحتلال ومشاريعه ، حيث انتصر الشعب الفلسطيني بصموده وتضحياته ومقاومته ، وكان هذا الصمود الذي ترسخ بوحدة وطنية بهدف الحفاظ على المشروع الوطني الذي يتجسد أولا في إظهار الحق، وعدالة القضية، ووحدة أصحاب الحق والقضية، وخيار الوحدة والمقاومة، وأن الحق لا يتجزأ، بل مطلوب إظهاره وإشهاره، والعمل على استحقاقه، من خلال وحدة الصف الفلسطيني، واستنهاض الوضع الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني.

ونحن اليوم نؤكد على اهمية انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية احتراما لمن قدموا حياتهم من اجل فلسطين وفي طليعتهم الشهيد القائد ابو علي مصطفى من اجل مواجهة الاحتلال الذي يمارس كل اشكال العدوان في كل مدن الضفة والقدس وحصاره المفروض على قطاع غزة ، لانه بالوحدة الوطنيه تسقط كل أوراق التوت التي تغطى بها الاحتلال وكيانه العنصري أمام الرأي العام العالمي بأنه دولة عنصرية ارهابية وهي أخطر دولة على السلام العالمي.

مما لا شك فيه أن ذكرى الشهيد ابو علي مصطفى الذي كان له بصماته ودوره وتاريخه في صون منظمة التحرير الفلسطينية وحمايتها ، تتطلب من جميع الفصائل والقوى صوغ رؤية سياسية ونضالية ودعم الانتفاضة التي تقودها شابات وشباب فلسطين وهذا الشيئ يكون بمثابة بوصلة نهديها للشعب الفلسطيني وكل المناضلين ،بدلا من التهرب من المسؤولية الوطنية التي تستدعي اليوم ضخ دم جديد في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، وبدلا من الذين غيبهم الموت او الاستشهاد ، او من اصبحوا كبار في السن حتى تستمر المنظمة بتحمل مسؤولياتها و القيام بدورها وواجبها تجاه شعبها، رغم حالة الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي، وتغليب المصالح الخاصة و الفئوية ، وتوحيد كافة جهود كل القوى والفصائل ضمن اطارها على اساس شراكة وطنية حقيقية،بدلا من الحديث عن انتخاب فقط المستقلين بدلا المتوفين ، فنحن بحاجة لمجلس وطني يخطو خطوات جدية نحو تعزيز وحدة الصف الفلسطيني ،ويعيد التفاف وثقة الجماهير حول المنظمة ومشروعها الوطني وبرامجها ورؤيتها، وبما يليق بنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني.

وفي ضوء التطورات الجارية ، ومن اجل مجابهة المخاطر ووقف آثارها ومفاعليها على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ، والتي وصلت الى عوامل اليأس والقلق والخوف بدلا من تعليق الامال على استمرارية النضال الوطني وصولا الى التحرير، مطلوب وقف حالة التراجع والعجز ، والعمل على حماية المشروع الوطني رغم موازين القوى المختلة من جهة ، ونتيجة انشداد البعض لأصوليته ومنطلقاته الدينية من جهة ثانية، مما يحمل مخاطر على المشروع الوطني، وهذا يستدعي القيام بعمليات جراحية متعددة وحماية المجتمع الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية، في اللحظة الصعبة الراهنة، ووقف الانهيار الداخلي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أن ما نشهده اليوم هو بحاجة الى تطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير على ارضية شراكة وطنية حقيقية ، ولا بد للجنة التنفيذية ان تقوم بدورها كقيادة يومية للشعب الفلسطيني والوقوف

أمام دوائر المنظمة وعملها، ومؤسساتها ، ووضع استراتيجية وطنية تستند الى الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة وتوطيد التحالفات الشعبية والرسمية والعربية والدولية، المستندة إلى حقوق شعبنا، وتوطيد هذه التحالفات وبنائها على أسس ثابتة،وإعادة تشكيل المجلس الوطني على أساس قانون انتخاب يقوم على التمثيل النسبي.

في ذكرى استشهاد القائد ابو علي مصطفى نرى وردة حمراء ، وخاصة ان ذكراه هذا العام كانت نموذجا للحركة الاسيرة فانتصر بها المناضل الاسير بلال كايد ، وسطرها وصمد فيها القائد المناضل الامين العام للجبهة الشعبية احمد سعدات ورفاقه في معركتهم، ليثبتوا للعالم، انهم آخر من يبحث غن المغانم، واول من يتصدى للاحتلال وللسجان ، فكانت رسالة الانتصار واضحة ، وهنا انتصر احرار العالم والاحزاب والقوى العربية مع الحركة الاسيرة ، كما الشعب الفلسطيني وفصائله وقواه حيث شكل ارادة الاسرى آفاقا ارحب لتنظيم التضامن الاممي مع قضية فلسطين.

ان الشعب الفلسطيني اليوم في الضفة وغزة يخوض معركة انتخابات البلدية والمحلية التي نتطلع اليها لتكون مدخلا الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، رغم ما يعانيه الشعب الفلسطيني من الاحتلال ، ونحن نرى ايضا في مخيمات اللجوء والشتات ان هذه التجربة الديمقراطية يجب ان تنتقل الى الخارج من اجل اعادة انتخاب اللجان والاتحادات الشعبية التي اصبحت مهمشة، كل هذا بحاجة إلى مراجعة وتقييم، فمن حق شعبنا علينا ان نسعى الى اعطائه حق في الاختيار الديمقراطي ، واعتماد الكفاءة والخبرة أساساً المجلس واللجان الشعبية ،وتجنّب إثارة الحساسيات التنظيمية، والمشاكل الداخلية، إضافة إلى توسيع العلاقة مع الجماهير وتحديدا فئات الشباب، والسعي إلى استقطاب الكفاءات المهنية لخدمة العمل الوطني، انعكاساً لأهميتها في توسيع نطاق العلاقات الديموقراطية و النضال، من أجل مصالح الشعب الفلسطيني وحل مشكلاته اليومية.

وهذا بحاجة الى الجرأة لتجزئة الجغرافية التي تميّز تجربتنا كشعب في"ميدان التحرير" بالمعنى الملموس، وبالتالي يجب خلق مساحة عامة مشتركة عبر الحدود، وان نعمل كفريق واحد، المهمة الأولى لنا الآن هي إعادة بناء كل مؤسساتنا، التي تتسع لنا جميعا، وخاصة ان التجربة الديمقراطية والانتخابات المحلية تشكل ارضية لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي لديه نظرة الأمل والرجاء بأنه ما زال يحمل الهم القومي والوطني بجرأة وخطاب صادق، مما بدد عنده أحاسيس القلق والحزن على الأوضاع، وفجّر عنده روح التفاؤل والرجاء من اجل التغيير والأمل بمستقبل أفضلـ وهو يتمنى اليوم من الانتخابات المحلية ايجاد اشخاص له مصداقية والالتصاق بهموم الناس والوطن، وتركيزهم على روح المقاومة.

ختاما لا بد من القول : ان اللحظة السياسية التي غاب فيها القادة الشهداء ياسر عرفات وأبو علي مصطفى وابو العباس وأبو جهاد الوزير سمير غوشه وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وابو عدنان قيسى وسليمان النجاب والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وجهاد جبريل وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وكل القادة الشهداء تستدعي تكريمهم لأنهم ضحوا من أجل فلسطين ومن اجل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ومن اجل ان تبقى راية منظمة التحرير الفلسطينية هي الكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ومن اجل حماية المشروع

الوطني ، فهذا يستدعي منا ان نبقى على العهد لفلسطين ولنحقق الأهداف التي استشهدوا من أجلها وأن نعمل يدا بيد لإنهاء الانقسام الوطني الداخلي ونعمل على حماية منظمة التحرير الفلسطينية.

بقلم/ عباس الجمعة