هل تتراجع "حماس" عن المشاركة في الانتخابات؟

بقلم: هاني المصري

انتهت مرحلة مهمة من مراحل إجراء الانتخابات المحلية الفلسطينية، وهي مرحلة تقديم القوائم الانتخابية. وهذه مرحلة في غاية الأهمية لأنها تبين الشكل والحجم الذي ستخوض فيه الفصائل والعائلات والمستقلون هذه الانتخابات.
بداية٬ لا بد من الإشارة إلى أن احتمال تأجيل الانتخابات لم يتوارَ كليًا، بل لا يزال قائماً وإن تغيرت العوامل والأطراف التي تعمل على تحقيقه. فمن جهة، هناك دعوى مرفوعة من قبل أحد المحامين، وبدعم من نقابة المحامين، أمام محكمة العدل العليا، تطعن بشرعية إجراء الانتخابات في قطاع غزة تحت إشراف سلطة الأمر الواقع، إذ ستتولى أجهزة الأمن والمحاكم التي تشرف وتسيطر عليها "حماس" توفير الأمن والبت في المخالفات والدعوات التي لا بد وستظهر أثناء العملية الانتخابية، على اعتبار أن ذلك يعطي شرعية لـ "سلطة الانقلاب"، كما استندت إليه الدعوى.
ويمكن أن تنظر المحكمة بالدعوى اليوم الثلاثاء، فإذا أصدرت حكماً يعتبر أن إجراء الانتخابات في غزة ضمن هذه الشروط باطل، سيؤدي ذلك إلى وقف إجرائها. وهذا ما دفع "حماس" إلى التحذير من استخدام محكمة العدل العليا لأغراض سياسية. وإذا صدر الحكم هذا فليس بالضرورة أن يكون بأوامر من الرئيس أو من حركة "فتح"، إذ إن مَن يقف وراء الدعوة ومن يؤيد التأجيل هي أوساط في "فتح" ومن خارجها، ترى من الخطأ إجراء الانتخابات، لأنها ستعطي شرعية لسلطة "حماس"، ولأن "فتح" في وضع لا تُحسد عليه وهي غير جاهزة للانتخابات. وثمة من يرى أن إجراءها من دون توافق سيكرس الانقسام الفصائلي فيتحول الأمر إلى مجرد إدارة له وتعايش معه.
ويعزز هذا الرأي الرافض لإجراء الانتخابات أن تنظيمها في ظل المعطيات القائمة من شأنه إضعاف الفصائل والبعد الوطني، وتعزيز العائلية والعشائرية والجهوية، الأمر الذي يمكن أن يساعد على تحقيق خطة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، الرامية إلى تجاوز السلطة الفلسطينية وتعزيز علاقة الاحتلال مع الزعماء المحليين والأكاديميين، كما يقلل من فرص تحقيق الوحدة الوطنية تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني.
ما ذُكر لا يُلغي حقيقة أن غالبية كبيرة في "فتح" كانت ضد إجراء الانتخابات وقت الإعلان عنها خشية الخسارة، خاصة في الضفة الغربية، وقد عارضت هذه الغالبية الموقف الذي بادرت إليه لجنة الانتخابات بدعم من الحكومة ورئيسها، وبغطاء كامل من الرئيس أبو مازن. فإذا خسرت "فتح" الانتخابات، فستكون ضربة قوية لما تبقى من شرعية ومصداقية لها ولسلطتها. لكن ما جرى منذ الإعلان عن إجراء الانتخابات حتى تقديم القوائم غيّر الموقف جذرياً.
كيف ذلك؟ لقد راهن الرئيس ولم يستجب للدعوات القوية الفلسطينية والعربية لتأجيل الانتخابات، على اعتبار أنها ستعيد تأهيل "حماس" وتمنحها الشرعية في مرحلة سقوط وملاحقة "الإخوان المسلمين" على امتداد المنطقة العربية. وعلى ما يبدو أن الرئيس سيربح رهانه الذي يصبّ عكس هذا الاتجاه. فقد شكلت "فتح" في قطاع غزة قوائم مشتركة ضمت معسكري "فتح" و"المتجنّحين" المحسوبين على محمد دحلان، وهذا أمر مفاجئ، ويمكن أن يساهم في تغيير نتيجة الانتخابات في غزة، خصوصاً أنها تجري في ظل تزايد زخم تحرك "الرباعية العربية"، الذي يضمّ مصر والإمارات والسعودية والأردن، والذي يضغط بشكل متزايد من أجل المصالحة الفتحاوية الداخلية، لدرجة إعلان الرئيس المصري ذلك صراحة في مقابلته مع الصحف القومية المصرية الثلاث لأول مرة علناً، وكذلك من خلال ترحيبه والعاهل الأردني بما وصفاه استجابة اللجنة المركزية لـ "فتح" لدعوة لمّ الشمل، وهو ما يضيق هامش المناورة لدى أبو مازن الذي كان قد رفض الاستجابة لجميع الدعوات لمصالحة دحلان وإعادته إلى "فتح" والنظام السياسي طوال الفترة السابقة. ولعل قيام وفد من "فتح" بزيارة إلى القاهرة يضمّ خمسة أعضاء من اللجنة المركزية لبحث هذا الموضوع مع "الرباعية العربية" مؤشر واضح على أن هذا الملف بدأ بالتحرك، ومن الصعوبة بمكان وقفه.
كما أنّ "فتح" في الضفة استطاعت أن تلملم صفوفها، وأظهرت نجاحاً لافتاً في توحيد قواها ونسج تحالفات مع العائلات وحتى مع "حماس". وأبرز نجاح لها تمثل في تحالفها في مدينة نابلس مع "حماس" وشخصيات نابلسية برئاسة عدلي يعيش، المحسوب على التيار الإسلامي، بحيث تضمّن الاتفاق تبادل رئاسة البلدية بينه وبين شخصية فتحاوية سترأس البلدية بعد سنتين.
ومن الدلائل الأخرى على احتمال فوز "فتح"، تشكيل أكثر من مئة وثمانين قائمة في الضفة ستفوز بالتزكية من أصل أربعمئة وست عشرة هيئة محلية ستجرى فيها الانتخابات في الضفة والقطاع، غالبيتها العظمى محسوبة على "فتح".
من جهة أخرى، فقد اختارت "حماس" ألا تخوض الانتخابات بقوائم حزبية خضراء، بل بقوائم مهنية، خصوصًا في قطاع غزة، بمشاركة كفاءات بعضها "حمساوية" من الصفين الثاني والثالث، وألا تخوض الانتخابات في جنين، أو تخوضها بقائمة مشتركة مع "فتح" وإن بصورة مموّهة كما حصل في نابلس، أو أن تدعم قوائم كفاءات وعائلات أو غيرها.
ويعد هذا التصرف مفهوماً إلى حد ما في الضفة التي يمكن أن يدفع فيها كل قيادي أو كادر أو حتى عضو من "حماس" ثمناً من الاحتلال إذا خاض الانتخابات، كما اتضح من خلال التجارب السابقة. فقد بُعثت رسائل واضحة الدلالة للمرشحين المحتملين من "حماس" في هذه الانتخابات عندما اعتقلت قوات الاحتلال حسين أبو كويك، ممثل الحركة في لجنة الانتخابات بعد يومين من تعيينه. كما تردد أن العديد من مرشحي "حماس" المحتملين تلقوا تهديدات مباشرة أو غير مباشرة بأنهم سيقضون مدة السنوات الأربع في السجن لا في رئاسة المجالس وعضويتها. أما أجهزة الأمن في الضفة الغربية٬ فقد ساهمت بقسطها في هذا المجال.
يُضاف إلى ما سبق فشل تجربة المجالس التي فازت فيها "حماس" العام ألفين وخمسة، حيث لم تتمكن من العمل لأن معظم موظفي المجالس البلدية منتمون أو موالون لـ "فتح". كما أن وزارة الحكم المحلي ومختلف وزارات وأجهزة السلطة وسلطات الاحتلال والدول العربية والأجنبية المانحة لم تتعاون مع هذه البلديات، وهذا أضعف قدرتها على توفير الخدمات التي انتخب هؤلاء من أجل تقديمها.
ما سبق يوضح أن الانتخابات تحت الاحتلال والانقسام لا تتوفر فيها شروط الحرية والنزاهة، وهو ما يفرض تحقيق قدر من التوافق الوطني قبل إجراء الانتخابات، العامة على وجه التحديد. وبرغم إدراكنا ذلك، فقد انحزنا إلى تأييد إجراء الانتخابات المحلية، لعلها تلقي حجراً في المياه الراكدة، لكننا حذرنا من أنها نعمة قد تتحول إلى نقمة.
لا يكفي ما سبق لتفسير تواري "حماس" وغيرها من الفصائل وراء الكفاءات وممثلي العائلات في القوائم التي ستدعمها في قطاع غزة. إذ يبدو أن وراء ذلك أسباب عدة، مالية وسياسية، فضلاً عن محاولتها الانحناء أمام العواصف العاتية التي تهب بشدة ضد جماعة "الإخوان المسلمين" في المنطقة. كما تريد "حماس" امتصاص غضب الناخبين في قطاع غزة الذين عانوا الأمرين لأسباب تتعلق بسياستها وأدائها، أو بالضغوط الفلسطينية والإسرائيلية والخارجية التي لم تمكنها من الحكم.
لقد قررت "حماس" خوض الانتخابات بناء على تقدير مفاده أن فوزها مضمون بسبب فشل السلطة والهوة المتزايدة بين القيادة والشعب، وتشرذم خصومها في "فتح" وعدم جاهزيتهم، خصوصاً في قطاع غزة الذي تشهد فيه "فتح" انقساماً بين معسكري الرئيس ودحلان.
أما الآن، فبعد وحدة "فتح" في قطاع غزة، وما جرى في الضفة من لملمة صفوفها وسط تهديد كل من يترشح خارج القوائم الفتحاوية بالفصل، ووسط ما يشبه انسحاب "حماس" من خوض الانتخابات مباشرة، قد تراجع الأخيرة قرارها بالمشاركة في الانتخابات، خاصة إذا ما زادت احتمالات خسارتها، وتحديداً في القطاع. فـ "حماس" لن تتحمل هزيمة في معقلها تفقدها ما تبقى لها من شرعية.
وإذا ما حصل ذلك، فنكون قد بدأنا بمطالبة فتحاوية بتأجيل الانتخابات، وانتهينا أو سننتهي بمطالبة حمساوية بتأجيلها أو بمحاولة منعها أو تعطيلها في بعض المواقع.

 هاني المصري