في خضم الحراك الدولي والعربي الذي يرعى مصالحة فتحاوية x فتحاوية من المتوقع أن تتوج لاحقاً بمصالحة فلسطينية x فلسطينية ، تم تسجيل عدة ملاحظات في حوار د . موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية الذي بثته قناة البلاد الجزائرية، حيث كان أهمها ما تطرق إليه في هذا الحوار حول المصالحة المنتظرة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادي الفتحاوي وعضو المجلس التشريعي محمـد دحلان، عندما قال لمحاوره ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يخشى على منصبه من حركة حماس بل من دحلان لان هناك مشروع لاستبداله به!.
توقفت طويلاً عند كلماته هذه التي قال فيها أن هناك مشروعاً لإستبدال الرئيس محود عباس بالقيادي الفتحاوي محمــد دحلان، قبل أن أستمع لبقية الحوار وحاولت أن أفهم ما الذي أراد قوله د . أبو مرزوق من وراء هذه الجملة الملغومة ؟!، وسألت نفسي ، هل كان يريد إلهاب المشهد الفلسطيني من جديد وذلك بخلق حالة بلبلة من خلال العودة للتقاذف بالإتهامات المتبادلة ؟!، أم أنه كان يقصد التشكيك بدحلان كقائد فتحاوي قوي بأنه سينزل على الرئاسة الفلسطينية بباراشوت مثلاً؟!، أما ما الذي أراده من وراء هذه الكلمات الغير عفوية؟!، وهل هذه الكلمات تعبر عن قناعات وسياسة داخلية شاملة لا زالت تتبناها حركته في ظل التحديات القائمة؟!.
أكملت الإستماع للحوار لأحاول أن أفهم طبيعته ومجمل ما جاء فيه قبل أن أتوصل لفهم ما ذهب إليه الرجل، فوجدت أن بدايات الحديث كانت مجرد إستهلاك لوقت اللقاء حتى وصل لأهم ما تم التطرق إليه فيه وهو الإشارة إلى نقطيتن هامتين هما :
الأولى : هي بغض النظر عن شخصية البديل للرئيس الفلسطيني محمود عباس في حالة غيابه لأي طارئ ، فإن الكل الفلسطيني بات عليه الإلتزام بذلك والتعاطي معه بإيجابية حتى لو إختلفوا معه أو عليه ، لأن الجميع هم جزء من المشروع المتكامل الذي ينص على تهدئة الساحة الفلسطينية وإيجاد مخارج توافقية مُلِحَة تحسباً لأي طارئ وتجنباً لأي إنفجار قد يخرج عن السيطرة في الساحة الفلسطينية الداخلية ، ومن ثم يؤثر على مجمل المنطقة برمتها وليس داخل الضفة والقطاع فقط ، وبالتالي إستدرك د . ابو مرزوق قراءة هذا الواقع لاحقاً بعد أن تطرق لفكرة المشروع حينما أوحى بأنه بات مقتنعاً بأنه لا يمكن تجاوز السيد محمـد دحلان لأنه جزء من المعادلة الفلسطينية وأن التسوية بينه وبين الرئيس محمود عباس باتت مصلحة عربية عليا قبل أن تكون مصلحة فلسطينية، وأنه سيلحقها إنتخابات رئاسية ومن حقه أن يترشح إليها كأي مواطن فلسطيني أخر لذلك سيتم التعاطي معه كرئيس حال فوزه بها، وبذلك يكون قد ألغى الفكرة السلبية التي أحاطت بالمفهوم السلبي لسياق لكلمة مشروع الذي أشار إليه خلال حواره هذا!.
الثانية : هي مقارنة الحالة الفلسطينة الحالية في قطاع غزة بالتحديد بما كانت عليه في عهدي كل من الرئيس السابق محـمد مرسي والرئيس السابق حسني مبارك وكأنه كان يعبر عن حالة ضيق وصلت في التعبير إلى مستوى حالة الإستجداء الحميد وذلك من أجل تخفيف حدة الحصار على قطاع غزة من جهة وعلى حركة حماس الفلسطينية الحاكمة الفعلية له من جهة أخرى وذلك من خلال المقارنة المستفزة بين الثلاث مراحل ، لربما ظناً منه أن هذه المقارنة قد تؤدي إلى إستفزاز النظام المصري الحاكم والذي يتنبى الأن فكرة المصالحة الفلسطينية بمجملها وبالتالي محاولة فتح نوافذ لا زالت مغلقة بين القاهرة وحركته!.
مما سبق يبدو أن د . موسى ابو مرزوق قرأ جيداً ما ذهب إليه الحراك الأردني المصري وذلك بعد القمة الأخيرة التي عقدت في مطار القاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والتي تمخض عنها إعلاناً مسؤولاً وإستراتيجياً غير مسبوق من خلال تأكيدهما على ضرورة المصالحة الفتحاوية Xالفتحاوية ومن ثم الفلسطينية Xالفلسطينية بما فيها حركته ، وبالتالي عبر مقابل ذلك عن نقطتين للتأكيد على ثقل حركته والتنويه إلى أنه لا يمكن تجاوز دورها في ظل المعادلة القائمة على الأرض في أي جهود رامية للمصالحة الفلسطينية وذلك من خلال:
أولاً : أنه حاول أن يستبق أي تطور في هذا الملف ، وذلك من خلال التنويه الذي تلعثم به حينما طلب منه المحاور التأكيد على صحته أو نفيه وهو فيما يتعلق بموضوع فتح مكتب لحركة حماس في الجزائر ، فلم يؤكد د. أبو مرزوق ولم ينفي وكانت إجابته عائمة لا بل حرص على التأكيد على أن الفكرة يتم التداول بها من خلال أحزاب سياسية ولن يتم تنفيذها إلا من خلال بوابة النظام الجزائري نفسه وهذا حمل رسالة أيضاً !، وليس كما حاول الإعلام تصويرها بأنها مؤكدة ، وكأن ابو مرزوق أراد بذلك أن يحرك مياهاً راكدة ويقول أن حركته تزداد توسعاً في علاقاتها وأنها تتعاطى بندية ولذلك هي شريكة في المحاصصة وليس تابعة!.
ثانياً : تأكيده على أن حركته جاهزة لخوض الإنتخابات الرئاسية والتشريعية فوراً وموافقته الصريحة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولية التحضير والإستعداد لعقدها!.
مما لا شك فيه أن خروج تصريحات مماثلة وتدعم هذا التوجه وتوضحه أكثر خرجت عن عضو المكتب السياسي لحركة حماس على لسان د. خليل الحية والتي جاءت متزامنة مع تصريحات د. أبو مرزوق والتي يستنتج منها العمل على تهيئة أبناء حركته لسيناريو جديد أصبح مطلوباً ولابد من القبول به ، وذلك للقبول بالدخول في الترتيبات القائمة والمنشودة والتي سماها د. ابو مرزوق بمشروع المنطقة!، وذلك كمستحق إن ارادت حركة حماس أن تكون جزء من المنظومة السياسية الفلسطينية المبتغاة سواء كمشاركة في المؤسسات الحاكمة ومتطلبات ذلك أو أن تكون في المعارضة، كون أن التحديات كبيرة وخاصة أن هناك مشروع موازٍ يعمل الجانب الإسرائيلي عل تحريكه وتسويقه وهو دولة غزة وحكم ذاتي في الضفة وهذا ما تخشىاه سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والدول العربية من جهة أن يصبح أمراً واقعاً ، كما حاولت بالمقابل حركة حماس إستغلال ذلك لكي تحقق إختراقات من خلاله بإبتزاز القيادة الفلسطينية وذلك لتخفيف الحصار عن قطاع غزة من جهة أخرى.
في تقديري أن العصا الأردنية والمصرية ، رفعت في وجه الأطراف الفلسطينية كافةً لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني من جديد في ظل التحديات التي تواجه البلاد العربية ، بعد أن أيقن الطرف المصري والطرف الأردني بالتحديد بأنه لم يعد هناك مجال للوقوف على الحياد ومشاهدة المشهد الفلسطيني من الخارج ، وعزز ذلك التوتر الذي خيم على مدينة نابلس في الفترة الأخيرة ، نتيجة الصراع داخل حركة فتح حول الإنتخابات المحلية، والتي بدأت وكأنها ضعيفة في الضفة أمام الأطراف الأخرى خاصة بعد خروج عشرات الألاف من أبناء هذه المدينة التي تعد كبرى المدن الفلسطينية خلال تشييع جثمان مواطن فلسطيني قتل بطريقة بشعة على أيدي قوات الأمن الفلسطينية ، مستنكرين ومتوعدين السلطة وبالتالي هذا المشهد لا يصب في صالح تواجدها وثقلها في الشارع ويحمل إشارة سلبية بخصوص تمكنها من الفوز بالإنتخابات المحلية في مدن الضفة الفلسطينية وهذا سيدخل المنطقة في دوامة صراعات من نوع أخر ولربما حصار جديد!.
من هنا فإنني أرى أن موقف مجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة د. رامي الحمد الله الذي ثمّن الجهود المصرية والأردنية، التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثاني وذلك للمّ الشمل الفلسطيني واستعادة الوحدة الداخلية لحركة فتح، هو إنعكاس وترجمة حقيقية لإدراك القيادة الفلسطينية بأن الأمر لم يعد في سياق التشاور بل هو ذاهب للتنفيذ في سياق متطلبات المرحلة التي تحتاج إلى رجال أقوياء ولديهم قبول لدى جميع الأطراف لمواجهة التحديات القائمة التي باتت تواجه الجميع نتيجة التفكك والإنقسام قبل أن يغرق المركب بالجميع بدون إستثناء، وهذا ما أدركه د. ابو مرزوق وحركته على ما يبدو، وبأنهم لن يستطيعوا مواجهة هذه الرغبة العربية المُلِحَة التي باشرت بالإشراف على تنفيذها كل من مصر والأردن، وغير ذلك سيواجهون عزلة وحصار ورفع غطاء عنهم غير مسبوق !.
أخيراً ، لا شك بأن هذا الحوار خرج بقارءة مهمة وهي أن الجميع دخل إلى بيت الطاعة مرغمن أو برغبتهم، وأن مصالحة شاملة قادمة ولها متطلباتها حتى لو لم تكن تتوافق مع رغبات الأطراف المتخاصمة!.
م . زهير الشاعر
[email protected]