مجتمع الكيان الصهيوني بكل مكوناته وبيئاته وأمزجته ، مركب غريب عجيب لما يحمله ويتضمنه من تناقضات ومفارقات تصل حد أن يقف المرء محتاراً إزاء ما يقرأه ويسمعه ويشاهده . هذا المجتمع المثقل بأكذوبة من منظومات دينية وتاريخية وأخلاقية ، مكنت قادة الحركة الصهيونية أن يستجلبوا هذا الكم الهائل من قطعان المهاجرين اليهود . وآخر تلك المفارقات ما يتعّمده الإعلام الصهيوني من سياسة الإستغباء التي يحاول من خلالها تمريرها علينا نحن الفلسطينيون للقول لنا أن هناك تمايز داخل مجتمع قاسمه القتل والعنصرية . وجديد هذا الإعلام ما أوردته صحيفة " هآرتس " العبرية على صدر صفحاتها قبل أيام في مقالتين حملا العنوانين التاليين :- أولهما عنوانه " اقتحام الجيش الإسرائيلي كل أسبوع لعشرات المخيمات اللاجئين والقرى والأحياء في مدن الضفة الغربية ليس ردعاً بل استفزاز " ، أما الثاني فعنوانه " عندما يتم قتل فلسطيني فإنّ إسرائيل لا تهتم بالقدر الذي تهتم به لو كان قتل كلب إسرائيلي " ، بقلم " جدعون ليفي " . في المقالة الأولى تحدثت بإسهاب عن ممارسة القادة والجنود الصهاينة لعمليات القتل المعتمد بحق الفلسطينيين ولو بالشبهة ، وهذا ليس بمحض الصدفة أو الاجتهاد اللحظي لهؤلاء الجنود أو القادة ، بل إن هناك تعليمات تقضي بفتح النار لمجرد الاشتباه . وتستشهد المقالة بعدد من حالات استسهال إطلاق النار على الفلسطينيين العزل ، من تلك الحالات إطلاق النار على رجل ثلاثيني من قرية سلواد ، التقى به الجنود في وضح النهار ، وزعموا أنه كان يركض وهذا كان كافياً ليكون مشبوهاً اقتضى قتله . والأمر يتكرر عند قيام قوات الاحتلال بالإقتحامات التي تطال عشرات القرى والبلدات الفلسطينية بشكل دائم ، وكذلك خلال قمع المظاهرات والاحتجاجات ، يُقدم الجنود على إطلاق باستسهال بالغ في مواجهة الشبان الذين يخرجون للتصدي للقوات المقتحمة لبلداتهم وقراهم ، مما يعتبره القادة والجنود إخلال بالأمن يقتضي مواجهته بإطلاق النار مخلفين ورائهم عشرات الإصابات وتحديداً في منطقة الركبة من الجسد ، مما يؤدي إلى الإعاقة الدائمة أو المؤقتة وقد سجل في السنتين الأخيرتين أكثر من مئة حالة إعاقة دائمة لشبان فلسطينيين . ولا يتردد الجنود من إطلاق النار حتى على من حاولوا انقاذ الجرحى ، وعلى من مروا بالصدفة في الطريق ، ولم يكونوا مشاركين في المواجهات . وتختم المقالة بالقول " أن الجيش الإسرائيلي يدعي بأن الاقتحامات هي ضمن أمور أخرى وسيلة ردع " ، الذي ترى فيه " هآرتس " أنه استفزاز من الجيش يتسبب بتصعيد في الميدان وإصابات زائدة للفلسطينيين . الجيش ملزم بالكف عن هذه الممارسة البائسة ، لجم تعليمات فتح النار ، وبالتأكيد عدم استخدام وسائل تتسبب بالاعاقة والموت " .
أما في المقالة فكتب " جدعون ليفي " قائلاً : " على حاجز يبرود شاهدوا انسان . فقاموا بإطلاق النار عليه مثلما علموهم . المراقبون العسكريون تحدثوا أيضاً كما علموهم : " مخرب أطلق النار على موقع في عوفرا بدون إصابات . القوة ردت بإطلاق النار فقتل المخرب " ، وبعد مرور وقت قصير : " يبدو أن الحديث يدور عن مريض نفسي ، وبدون أدلة بعد تفتيش جسده " . ويتابع صاحب المقال مضيفاً " مراسل القناة العاشرة أوري هيلر ، وآلون بن ديفيد المراسل العسكري هما من أوردا خبر قتل المواطن الفلسطيني ومعهم فريق من المراسلين العسكريين ، هم من يشترون بشكل أعمى ما تفرضه عليهم السلطات . هذه الأكاذيب حول ما حدث على حاجز يبرود قام الجيش بتقويم ما حدث ، وخلاصة التقويم أن " الفلسطيني لم يحاول الإضرار بالقوات " ولكن في النتيجة " قتل الفلسطيني إياد حامد " . ويتابع الكاتب " عندما يسقط صاروخ قسام من غزة ولا يصيب أي أحد ولا يحدث ضرر ، تخرج إسرائيل في حملة انتقام بالقصف ، تزرع الدمار والرعب . مسموح لها ؟ ، وهنا هل مسموح للفلسطينيين الانتقام على قتل صديقهم ؟ وهل مسموح لهم محاولة ردع جنود الجيش الإسرائيلي ؟ ، لو كان قتل كلب " إسرائيلي " على يد مخرب فلسطيني لكانت " إسرائيل " تزعزعت أكثر من زعزعتها بسبب قتل فلسطيني !! .
وليس بعيداً عما جاء في المقالتين يأتي اعتراف قائد جيش الاحتلال في مدينة الخليل " الياهو ليبمان " بإرتكاب الجيش عمليات إعدام ميداني عديدة في الضفة الغربية ، على غرار تلك التي ارتكبت بحق الشهيد عبد الفتاح الشريف . اعترافات ليبمان جاءت خلال جلسة محاكمة الجندي قاتل الشهيد الشريف ، إذ أكد ليبمان أنه شاهد " بأم عينه " العديد من الحالات التي أطلق فيها جيش الاحتلال الرصاص على منفذي عمليات بهدف " تحييدهم " ، ثم أطلقوا الرصاص على رأس المنفذ لقتله . ليُدلل بشكل لا لبث فيه أن قوات الاحتلال الصهيوني تنتهج سياسة التعمد في قتل الفلسطينيين ولمجرد الاشتباه . وما ورد في صحيفة " هآرتس " العبرية ، واعترافات قائد جيش الاحتلال في الخليل يمثل إخباراً على السلطة الفلسطينية أن تضمهم إلى ملفاتها وتقاريرها المرسلة إلى المحكمة الجنائية الدولية " ، وضرورة مغادرة دائرة التردد لصالح الانتقال إلى رفع الشكاوي الرسمية ضد قادة الكيان وجنوده ومستوطنيه وسياساتهم الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني .
بقلم/ رامز مصطفى