واضح بان قمة العشرين التي ستعقد في بكين خلال الأيام القليلة القادمة،ستكون التفاهمات الروسية – الأمريكية حول سوريا،محور هذه القمة،ولعل تحقيق تفاهم روسي- امريكي حول الملف السوري،سيمهد الطريق لعقد تفاهمات اخرى في مقدمتها الخروج الأمريكي من أفغانستان،وكذلك هذه القمة في حالة نجاح التفاهمات حول سوريا،ستشهد عدة قمم ثنائية روسية – امريكية،وتصبح ثلاثية بإنضمام الصين اليها او رباعية بحضور تركي لها او خماسية بانضمام السعودية،او لربما يكون هناك قمم متعددة متوازية ومتعددة الأطراف على هامش القمة الرئيسية، وسيكون الملف السوري حاضر فيها جميعاً،والسعودية التي تدرك أهمية قمة بكين وبكين نفسها،ولي عهدها ووزير دفاعها محمد بن سلمان،سبق إنعقاد هذه القمة بزيارة لبكين من اجل الضغط عليها واغرائها ومقايضتها مصلحياً واقتصاديا مقابل عدم وقوفها الى جانب المحور الروسي- الايراني - السوري،وخاصة بعد ان اعلنت الصين عن ارسال مستشارين عسكريين الى سوريا للمساعدة اللوجستية في محاربة الإرهاب،بعد ان كان الموقف الصيني لا يتعدى الجانب النظري في الوقوف الى جانب ذلك الحلف،ولكن يبدو بأن الضغوطات والإغراءات السعودية،كما فشلت في الضغط على روسيا ستفشل في الضغط على الصين،التي حسمت موقفها بالوقوف الى جان الحلف والمحور المعادي لأمريكا ومروحة تحالفها الدولي والإقليمي والعربي.
روسيا على لسان نائب وزير خارجيتها سيرجي ريابكوف تقول بان المفاوضات الروسية- الأمريكية تحقق تقدم ملحوظ وكبير،وفرص حصول اتفاق بات كبيراً جداً،والمبادرة السياسية لحل شامل يتفق عليه في سوريا ،لم يعد ينقصها سوى التفاصيل،وفي حال توصل الخبراء من الطرفين الى الإتفاق فإنه سيعرض على الرئيسيين بوتين واوباما،ومن ثم يتم دعوة المبعوث الأممي دي ميستورا لجولة جديدة من المفاوضات في جنيف تسبق الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة لكي يعرض عليها هذا الإتفاق،ونيوزيلاندا بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي بدات بتوجيه الدعوات للقادة والزعماء من اجل حضور هذه الدورة في الحادي والعشرين من أيلول الحالي حول الموضوع السوري.
أمريكا التي تقترب رئاستها من نهاية فترة ولايتها الحالية،اعتمدت سياسة المماطلة والتسويف وتقطيع الوقت في كل الإتفاقيات والتفاهمات السابقة التي جرت مع روسيا حول الهدن المؤقتة وأسس الحل السياسي للقضية السورية،والتي تمحورت بالإتفاق على اولوية الحرب على الإرهاب قبل تحديد شكل النظام السياسي الجديد وآليات وطرق المشاركة فيه،وفي كل مرة كانت تختلق الحجج والذرائع من اجل عدم التطبيق والإلتزام فيما يتم الإتفاق عليه مع موسكو،فسياستها ومشروعها في سوريا قائمة على إستنزاف الجيش السوري في حرب طويلة،وتقسيم وتفتيت الجغرافيا السورية الى جيوب وكانتونات أثنية وطائفية ومذهبية.
ولكن هذه السياسة والإستراتيجية الان،لم يكن لها ان تخدم أو تتيح لأمريكا إستمرار في المناورة،فالوضع والميزان العسكري على الأرض تغير كثيراً لصالح سوريا وحلفائها،وتركيا ما بعد الإنقلاب الفاشل والتفاهمات مع موسكو وطهران،لم تعد الحليف الموثوق لواشنطن،هذا الحليف الذي أذاق أردوغان المرارة اكثر من مرة،فهي من وقفت الى جانب الإنقلاب الفاشل في البداية،وكذلك هي من تحتضن فتح الله غولن معلم أردوغان السابق والمتهم بقيادة الإنقلاب الفاشل،يضاف الى ذلك دعم واشنطن للأكراد في إطار سياسة واشنطن الرامية لتفتيت الجغرافيا السورية لكيانات هزيلة في إقامة كيان كردي على طول الحدود السورية – العراقية،وبإمتداد كبير داخل الجغرافيا التركية،بما يهدد وحدتها الجغرافية وإستقرارها الأمني والسياسي،ولذلك وجدنا الإستدارة في الموقف التركي من الأزمة السورية دون التخلي عن اطماعها في سوريا،ولكن المقايضة والتفاهم مع روسيا وايران وربما سوريا على وقف التسهيلات والضخ البشري للجماعات الإرهابية التي ترعاها تركيا في حلب "جبهة النصرة"،مقابل السماح لها بتقليم اظافر الأكراد ومنعهم من إقامة كيان مصطنع متواصل جغرافياً،هي التي مهدت لعمليتهم العسكرية المسماة ب "درع الفرات" والإحتلال المؤقت لمدينة "جرابلس" السورية وطرد الأكراد الى شرق نهر الفرات .
أمريكا تدرك تماماً أن حلقات الحل مترابطة من اليمن وحتى دمشق وبغداد وكابول،ومحور لحلحة عقد تلك الحلقات،هو ما يجري في سوريا وعلى سوريا،واذا ما اختارت امريكا الإستمرار في مشروعها لإستنزاف سوريا وتفتيت جغرافيتها،فهي تدرك بان ذلك لن يكون في مصلحتها بالمطلق،فالتفاهمات الروسية – الإيرانية مع تركيا من شأنها،أن تضعف الى حد كبير ما تملكه من اوراق للعبث والتدخل في الشأن السوري،الأتراك سيتكفلون بضرب واضعاف الأكراد،والجيش السوري وحلفائه سيجتثون "جبهة النصرة " بشكل نهائي،وتبقى "داعش" بحاجة الى توافق وتفاهم روسي – ايراني مع امريكي للتخلص منها في العراق(الموصل) وسوريا (الرقة ودير الزور)،وأمريكا تدرك بان سوريا وروسيا وايران لن تستمر في تحمل التسويف والمماطلة الأمريكية،وهذا الموقف قد يكلفها خسارة نفوذها بشكل كبير في المنطقة،ولذلك انا أرجح أن يكون هناك تفاهمات روسية – امريكية قبل قمة العشرين في بكين،بحيث يجري الإتفاق على مبادرة شاملة للحل السياسي في سوريا،تنطلق من الوقائع والمتغيرات على الأرض،وتمهد لتفاهمات اخرى مع روسيا وايران حول اليمن والعراق ولبنان،وكذلك لتفاهمات مع الصين وباكستان وافغانستان وايران،حول الخروج والإنسحاب الأمريكي من أفغانستان،وبدون ذلك لا اعتقد بأن هناك تفاهمات ستكون بالقطاع او المفرق بين أمريكا ومروحة حلفائها الدوليين والإقليميين والعرب،مع روسيا وايران ومروحة حلفائمها الدوليين والإقليميين والعرب أيضاً،فسوريا هي المفتاح للسلم والحرب،وهي محور قمة العشرين في بكين.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
2/9/2016
0524533879
[email protected]