فلسطين ومحكمة الجنايات الدولية: تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي !

بقلم: زهير الشاعر

قبل عدة أيام أبلغت مدعي عام محكمة الجنايات الدولية فاتو بانسودا وزارة الخارجية الفلسطينية بأنه لا أدلة كافية تدين الجانب الإسرائيلي حول ما تقدم به الجانب الفلسطيني من تهم حول البناء بطريقة غير قانونية في المستوطنات، وارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة خلال حرب 2014 ، هذا الموقف كان صادم بالنسبة للجانب الفلسطيني الذي أعتبره تراخي وتراجع في موقف المدعي العام، مما حذا بوزير الخارجية الفلسطيني د . رياض المالكي القيام بزيارة مفاجئة إلى لاهاي حيث مقر هذه المحكمة وذلك برفقة الطاقم الفني في وزارة الخارجية الفلسطينية المسؤول عن هذا الملف وذلك للإجتماع مع المدعي العام من جهة ومع المحامين المكلفين من قبل الطرف الفلسطيني بالمتابعة مع المحكمة من جهة أخرى!.

يبدو بأنه توج عن هذه الإجتماعات إعلاناً إعلامياً باهتاً ولكنه غير مسبوق وهو كما ذكرته وكالة فرانس برس بأن إسرائيل "تدرس" بشكل ايجابي السماح لبعثة من المحكمة الجنائية الدولية القدوم الى إسرائيل، واللقاء بمسؤولين إسرائيليين وآخرين من السلطة الفلسطينية في الأسابيع المقبلة، وذلك تمهيدا لتحديد ما اذا كانت المحكمة ستفتح تحقيقاً في إتهام اسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال حربها على قطاع غزة صيف 2014، وهذا في تقديري مستحيل الحدوث أن يتم فتح تحقيق بهذا الخصوص والأيام القادمة ستثب صحة ذلك!.

وهذا يتضح بأنه حسب المعلومات الإعلامية المتوفرة بأن زيارة هذه البعثة المقترحة لن تشمل تجميع أدلة أو استجواب المسؤولين الاسرائيليين حول الادعاءات والتهم الفلسطينية للجيش الإسرائيلي، وإنما ستأتي في سياق طلب من المدعي العام لهذه المحكمة في مسائل في التربية والتثقيف والشرح لموقف الادعاء الدولي وطبيعة عمله وذلك للمسؤولين الإسرائيلين من جهة والحصول على معلومات حول طبيعة عمل جهاز القضاء الاسرائيلي من جهة أخرى.

لذلك لو عدنا قليلاً للتعرف على عمل هذه المحكمة وحيثيات تأسيسها ، سنجد أن المحكمة الجنائية الدولية من المفترض أنها هي أول محكمة مستقلة ودائمة وقادرة على التحقيق ومحاكمة أولئك الأشخاص الذين ارتكبوا أشد الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وتضم هذه الانتهاكات جرائم الحرب وجرائم ضد البشرية والإبادة الجماعية ، ولحين التوصل إلى تعريف متفق عليه فإن جريمة العنف قد تنطوي ضمن اختصاص المحكمة التي تبني نظامها الأساسي الذي سمي بنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية وذلك في 17 يوليو/ تموز 2008 والتي تم بموجبها تأسيس هذه المحكمة، حيث أصبح هذا النظام ساري المفعول بعد إقرار التصديق رقم 60 في 11 إبريل/ نيسان 2002 والذي مُهِدَ لدخوله حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، ومنذ ذلك الحين تم انتخاب قضاة المحكمة ونائب العام وغيرهم من كبار المسئولين حيث باشرت المحكمة عملها منذ ذلك الوقت في قضايا جرائم حرب نجحت في بعضها وأخفقت في تنفيذ الأحكام الصادرة عنها في الكثير من منها!.

أيضاً لابد من معرفة أن هذه المحكمة بشكل عام تنعقد فقط بناءاً على مذكرة صادرة عن المدعي العام الذي يملك صلاحية البدء بمباشرة تحقيق من تلقاء نفسه كما هو الأمر في النظم القانونية الداخلية، ولكن فيما يتعلق بجريمة من الجرائم التي تختص بها المحكمة ، هو يملك ذلك على أساس المعلومات التي يتلقاها من كل نوع ومن كل مصدر بما في ذلك الدول وأجهزة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والحكومية وحتى الأفراد!.

هذا مع وجود بعض القيود على صلاحياته أهمها تتلخص في أمرين أساسين هما :

الأول: إذا خلص المدعي العام أن هناك من الأسباب ما يدعوه إلى البدء في التحقيق وجب عليه الرجوع إلى الدائرة التمهيدية طالباً الإذن بالتحقيق، ولهذه الدائرة أن تمنح الإذن أو ترفضه، ويجوز للمدعي العام في الحالة الأخيرة تجديد الطلب بناء على وقائع جديدة!.

الثاني: في حالة الإذن بالتحقيق وإجرائه بمعرفة المدعي العام فإن قرار الاتهام يجب دوما أن يصدر من الدائرة التمهيدية التي تعمل في هذه الحالة بمثابة غرفة للاتهام!.

كما أنه لا يمكن تجاهل أن النظام الأساسي لهذه المحكمة ينص على أن دورها هو بمثابة دور تكميلي لدور المحاكم الوطنية لكل دولة، مام يعني أن الدول الأعضاء تحتفظ بحقها في ممارسة صلاحياتها واختصاصها القضائي فيما يتعلق بالنظر في قضايا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد البشرية، ولكن إذا كانت إحدى الدول الأعضاء تنظر في قضية من هذا النوع أمام محاكمها المحلية فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع النظر في تلك القضية إلا إذا كانت تلك الدولة لا ترغب أو غير قادرة على متابعة التحقيق أو الحكم في القضية، ومن هنا يقرر أن دولة ما «غير راغبة» عند حمايتها لشخصٍ ما من مسئوليته في جرائم المحكمة الجنائية الدولية، كما وتكون تلك الدولة «غير قادرة» عندما يكون نظامها القانوني قد انهار بالفعل أو أنها لا تتمكن من ملاحقة المجرمين المزعومين!.

مما سبق ذكره من تفاصيل فنية حول عمل هذه المحكمة ، ومع علمنا المسبق بأن الجانب الفلسطيني قدم شكواه في سياق التحقيق حول إنتهاكات وشبهات وليس إرتكاب جرائم فعلية ، كما أنه لم يتميز بالتمتع بالمهنية القانونية العالية في التعاطي مع توفير الدلائل الدامغة لإدانة الطرف الأخر ولن يجرؤ على ذلك!، مما جعل شكواه لا تعدو سوى فقاعة في الهواء فارغة المضمون وتسبح في فلك من السراب والأوهام بدون هدف سوى إستهلاك الوقت وإهدار المال العام، حيث تم رصد مبلغ ما يزيد عن خمسة مليون دولار كمنحة من إحدى الدول الخليجية وضعت تحت تصرف وزارة الخارجية الفلسطينية وطاقمها الفني الذي يفتقر للخبرة القانونية في هذا المجال لمتابعة هذا الملف بكل حيثياته القانونية، وقد مر على هذا الموضوع عامين والنتيجة الأولية أن الأدلة غير كافية للمباشرة بفتح باب التحقيق!.

أخيراً، في تقديري أنه بالرغم من الإعلان إعلامياً عن دراسة إمكانية متابعة هذا الملف ومتطلباته ، لن يكون هناك أي جديد وستبقى الأمور تسير في الفراغ بدون أي مضمون في هذا السياق، عوضاً عن أنه لن يكون هناك أي قرارات فاعلة أو خطوات قانونية ملموسة ولا حتى أي تقدم بهذا المضمون سواء قبل المؤتمر الدولي للسلام المزمع عقده في باريس أو جينيف أو حتى بعده!.

هنا لابد من الإشارة إلى أن العار كل العار للذين يتقدمون الصفوف ليتاجرون بقضايا شعب تحتاج دفاعاً مهنياً وقانونياً ووطنياً عن حقوقه الإنسانية وهم للأسف الشديد لا ينتمون لها ولا يقدرون مفاهيمها بشئ!، بل هم جزء من أوجاع وألام هذا الشعب وعناوين الجريمة التي ترتكب بحقه وشركاء فيها، فكيف لا، وهم من يغتالون أحلام وتطلعات وإنسانية أبناء شعبهم قبل أن يغتالها غيرهم!، فهل فاقد الشئ يعطيه؟!، أم أنها هي الجريمة الحقيقية؟!.

في النهاية، يبدو بأنه هذا هو خازوق العمر الحقيقي والذي لا زال مستمراً في حق شعب كان يأمل أبنائه بأن يكون لهم أحلام وأن هناك من يمثل ألامهم وأوجاعهم بأمانة وصدق ووطنية، ولكن سوء الحظ كان حليفه!، لأن قيادته مشغولة بعيداً بغير همومه وهي غير صادقة!، والنتيجة التي تقول تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي كانت أيضا هذه المرة كسابقاتها من نصيبه!. مما يفتح المجال أمام السؤال الأهم وهو ماذا سيكون عقاب هؤلاء ممن إستفادوا من إهدار هذه الأموال بدون رقابة ولا محاسبة إن تغير الحال ، خاصة أنهم يدركون أكثر من غيرهم بأن النتيجة بالمحصلة ستكون صفر؟!.

بقلم/ م. زهير الشاعر