الحقوق عديدة ... ولكل منا الكثير من تلك الحقوق التي نتحصل عليها ... وهناك من الحقوق التي لا نحصل عليها... وربما لا نعرفها... وبالأغلب نموت دون معرفتها وادراكها ولا نصل لمرحلة تحققها ولا نعيش بأحضانها وفوائدها .
أي ان الانسان ولد ليتحقق له الكثير... ويسلب منه البعض من تلك الحقوق ...ويعمل من اجل تحقيق الكثير منها وما بين حقوقه الطبيعية الفطرية وحقوقه المكتسبة التي تأتي نتاج عرق وجهد وطاقات تبذل وعلم ومعرفة وخبرة حتى يصل الانسان الى ما يريد في هذا الزمن الذي تتشكل فيه معادلة الحياة ما بين السعادة والتعاسة... وما بينهما من العامة الصابرة على مرارة احوالها وعذابات حياتها وقسوة ظروفها .
الحقوق متراكمة على طاولة المنافسة... لكل من حولها... ولكل منا ان يأخذ من الحقوق ما يستطيع اخذه... نتاج عطائه الدائم ومثابرته وارادته ... ذكائه .. ثقافته .. شهاداته العلمية وخبراته العملية وحسن علاقاته الاجتماعية واخلاقياته المثالية وغيرها من العوامل والاسباب التي تحدد نصيب كل منا من هذه الحقوق .
وبالمقابل هناك من يتحصل على الحقوق دون وجه حق... بأساليب ملتوية واكاذيب مفرطة والاعيب واحقاد وتفريط بالكثير من القيم والاخلاقيات... وكأنه يخوض معركة ليس فيها من القيم والمبادئ .
الدنيا فيها العجب العجاب... كل يتحصل بقدر ما تصل يده... وما يطول لسانه... وهذا ليس قاعدة عامة يتم البناء عليها ... لكنها ظاهرة موجودة على مستوى البشرية المتنافسة بأساليبها المتعددة و منطلقاتها المختلفة .
نرسخ بثقافتنا كما ثقافة غيرنا حق المنافسة بداخل اجيالنا... فلا نريد ان نرى الانسان المنعزل بفكره واحاسيسه ونمط تفكيره ... لا نريد ان نرى الانسان قليل الحيلة والراضي على اذلاله والقابل بفقره وجوعه وحرمانه ... نريد ان نرى الانسان المجتهد والمثابر الذي يعيش الامل ويقتل اليأس.. الذي يبذل من الطاقات كإرادة العمل ما يحقق به طموحاته وامال من حوله... نريد الانسان الذي يستطيع ان يصل بقناعاته وثقته وبما يتولد لديه من علم وخبرة وارادة قوية الى مرحلة المنافسة مع غيره في هذا الموقع او ذاك ... او هذا المنصب او ذاك ... لأن كافة المناصب والمواقع والمراكز قابلة للمنافسة ما بين الاجيال ولكل جيل ان يستخدم قدراته وخبراته وكفاءته ... ثقافته وارادته ... علاقاته وغيرها من الوسائل حتى يتمكن من تحقيق الفوز بهذا المنافسة .
الا ان الوسائل المتاحة وغير المتاحة... المعروفة وغير المعروفة... للوصول الى درجة المنافسة يحيطها ويتداخلها ويحكم عليها مجموعة من الضوابط والاحكام ... الثقافات والاخلاقيات ... الادبيات والخبرات والتدخلات .
المنافسة التي نتحدث عنها ليست سباق خيل او سباق ماراثوني او سباحة نهرية او محاولة للقفز بالهواء ... ولا هي منافسة لمن يتحدث اكثر ولمن يطلق الشعارات ولمن يتحلى بمقدرة الكلام.
عندما نتحدث عن المنافسة على مواقع ومناصب لها علاقة بحياة الملايين من البشر ... واقعهم ومستقبلهم... هنا تكون الوقفات مغايرة... والتأملات مختلفة... والدراسة اعمق ...والضوابط والقوانين والاحكام اكثر وضوحا ... والمنطلقات والخلفيات الانسانية الثقافية .. الاجتماعية .. التربوية... وحتى كافة محطات السيرة الذاتية وعوامل التوازن النفسي والعقلي والجسدي .
مجموعة لا حصر لها تعطي الحق او تمنعه... مع ان حق المنافسة حق مكتسب وحق طبيعي لكل انسان .
لهذا نرى في الانتخابات العامة للملايين من البشر يتم ترشيح العشرات أي اعداد محدودة ترى في نفسها القدرة والكفاءة والمؤهلات العلمية والثقافية والخبرات العملية التي تؤهلهم لخوض سباق التنافس الانتخابي اذا ما انطبقت عليهم الشروط المطلوبة بحسب القوانين المنظمة لتلك الانتخابات .
ورغم ان هناك عشرات الالاف وربما اكثر ممن يمتلكون كافة المواصفات والسمات والقدرات التي تعطيهم حق المنافسة الا انهم يمتنعون عن المشاركة ولا يرغبون بها بل ويتجاهلونها حتى باحاديثهم فهل هذا من منطلق السلبية المعهودة ؟! ام من منطلق المصلحة الغالبة ؟! ام من منطلق الحرد الخاص بنا ؟!
رغم كل ما قيل وما لم يقال فالحديث يطول حول حق المنافسة وما يجب ان نرسخه بثقافة اجيالنا فالأوطان لا تبنى بالتمنيات ... ولا تبنى بالشعارات... لكنها تبنى على اكتاف الاجيال العاشقة لأوطانها والتي تمتلك مقومات دورها وتعتز بدورها وتتوازن بأحوالها ما بين حقوقها والتزاماتها .
اجيالنا ... منها الاجيال التي حرمت... ومنها الاجيال التي قتلت ... ومنها الاجيال التي لا زالت تصارع نفسها ولا تجد ارضية صلبة للوقوف عليها .
ان كان لي من نصيحة مسموح بها... للتأكيد على حق المنافسة ...ولكن قبل كل ذلك اؤكد على النقاء الانساني والتوازن النفسي في اطار العلوم والثقافة .. الخبرة والمعرفة .. والارادة القوية والضمير الحي الذي يحرك الانسان لفعل الخير وقتل الشر بداخله ... وان تتعلم اجيالنا ان الحقوق ليس بالضرورة الحصول عليها كاملة او حتى استخدامها بمجملها مع انها حق ... لان الحقوق لها متطلباتها وشروطها... وان المنافسة رغم انها حق مكتسب الا انها ليست حق للجميع بل حق لمن يمتلك مؤهلات هذا الحق ... وان لا نستمر بحالة الخلط والتداخل ما بين الحقوق وواجب الالتزام بالضوابط والاحكام والقرارات... حتى نبقي على نقاء الصورة ... وسلامة المشهد وانجاح التجربة .
بقلم/ وفيق زنداح