المصالحة الفتحاوية أمل لا زال ينتظر !

بقلم: زهير الشاعر

منذ أن عقدت القمة المصرية الأردنية الأخيرة ، تستيقظُ فتح على الجدل الجديد وفي الخلفية سؤال حول الحوافز والمآلات والتوقيت، لينشغلُ الداخل الفلسطيني على ما يتواتر من كلام يعترض وينتقد ويطالب بالمصالحة والإصلاح ، وتحركت المياه الراكدة بخصوص المصالحة الفتحاوية بين قطبي الخصومة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعضو المجلس التشريعي محمــد دحلان ، وكان متوقعاً بأن أطرافاً ستعترض طريق هذا التوجه وتضع العراقيل أمام تحقيقه ، كما عملت على تعميقه وتوسعته طوال السنوات الماضية!،.
حيث لوحظ خروج الحيتان الذين يظنون بأن مثل هذه المصالحة تهدد طموحاتهم ونفوذهم ومصالحهم، ليعبروا بطريقة مفضوحة عن إعتراضهم على هذا التوجه بالرغم من إدراكهم المسبق بأن هذه الخطوة ستساهم بلا أدنى شك بتخفيف الأعباء عن الساحة الداخلية وستكون سبباً بتوحيد التوجهات الفلسطينية أمام التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية برمتها!.
فمثلاً صرح رفيق النتشة حول الموضوع بأن كل ما ينشر حول المصالحة الفتحاوية غير صحيح، وأن الجهود العربية “الأردنية - المصرية” فقط تركز على وحدة الحركة الداخلية، دون أي تدخل بملف دحلان وإعادته للحركة مجدداً!.
كما صرح محافظ نابلس أكرم الرجوب بأن عودة القيادي محمـد دحلان من خلال مصالحة ترعاها أطراف عربية قوية هي درب من الخيال، وعبر عن ذلك بتعابير شعبية كتبها على صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي فيس بوك " في المشمش " في إشارة منه بأنه سيقاوم هذا التوجه مهما كلف الثمن!.
أيضاً خرج تصريح أخر من عضو المجلس الثوري لحركة فتح يحيى رباح تحدث فيه عن التحركات العربية الأخيرة، وخاصة من قبل مصر والأردن، وبأنها لا تزال متواصلة، ولكن موقف فتح بهذا الجانب، وخاصة في ملف دحلان، لا يزال ثابتاً ولن يتغير!، قاصداً بذلك رفض حركته إعادته للحركة!، هذا عوضاً عن توقعه بأن تفشل الجهود المصرية العربية في إعادة دحلان لحركة فتح مجدداً، عازياً ذلك إلى أن من “فصل من الحركة لن يعود إليها” أبداً، وأن الرئيس محمود عباس لن يتنازل عن شروطه للمصالحة التي ترتكز في جوهرها على خضوع محمـد دحلان للمحاكمة حسب التفاصيل والتهم الكيدية التي رفضها وفندها دحلان ولم يستطع أحد ان يقدم دليلاً واحداً على صحتها!.
لحق ذلك ملاسنة كلامية بين القيادي في حركة فتح حسام خضر المعروف بإرتباطه بعلاقة وطيدة مع القيادي دحلان وبين الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم التي عبر عنها الأول على صفحته على الفيس بوك بنقله ما قاله له الأخير في عزاء رئيس بلدية عنبتا، بأنه على محمـدحلان أن يرى حلمة أذنه قبل أن يرجع لعضوية حركة فتح، في إشارة منه إلى إعتراضه القوي على ذلك!.
أما الموقف الأكثر طرافة فجاء على لسان اللواء جبريل الرجوب الذي عبر عنه وكأنه صاحب الولاية والقرار وبمعنى أخر كأنه هو الأمر الناهي ولربما هو الحاكم الفعلي أو رغبة منه بأنه رئيس المستقبل، حيث إتهم المسيحين الفلسطينين من خلال الإستخفاف بهم وتحقير مكانتهم وتضحياتهم الوطنية بوصفهم جماعة ميري كريسماس، بأنهم صوتوا لحركة حماس الفلسطينية ، مما أثار غضبهم بشكل غير مسبوق!، كما قال بأن من إرتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني لن يعود إلى حركة فتح قاصداً بذلك بأن محمـد دحلان مجرم وليس له مكان بين أبناء شعبه!، وهدد الزعماء العرب بطريقة غير مسبوقة بالمخاطبة، بأن من يلعب بأي محرمات تتعلق بالساحة الفلسطينية كان قد حددها خلال اللقاء ، عليه أن يحمل كفنه على ظهره!، ولكنه إستدرك أن يستثني جمهورية مصر العربية التي ترعى ملف المصالحة الفتحاوية خشية من غضبها وحاول أن يغازلها ويسترضيها ليسلط الضوء على نفسه كبديل مفترض وأنه الأصلح لقيادة المرحلة القادمة ! .
هنا لابد من ملاحظة بأنه ليس صدفةً أن يتصاعد فجأة عدد الأصوات المعارضة من داخل الجسم القيادي لحركة فتح لعودة القيادي محمد دحلان خاصة من الطامحين لتبوء كرسي الرئاسة ، وفي إشارة على هز عرش هؤلاء المعارضين لا يمكن إغفال حقيقة بأنه ليس صدفة أن يتقاطعَ خطاب القيادي الفتحاوي محمد دحلان في الخارج مع الخطاب الرسمي الفلسطيني في الضفة الغربية خاصة فيما يتعلق بالإنتخابات المحلية وأهميتها! ، لا بل ليس صدفة أن تتوحد القوائم التي ستخوض هذه الإنتخابات وذلك بين التيارين المتخاصمين في حركة فتح في تأكيد على قوة نفوذ تيار دحلان في الساحة الفلسطينية!، بالرغم من عدم ظهور دلائل على تناغم مقصود ومخطط له بين هذه المواقف!، ولا أعراض ظاهرة تشير إلى قيام تحالفات تؤسس لِتَبَدّل جوهري في المشهد الفتحاوي العام!.
لكن لربما أن هناك تفسير لم يجرؤ أحد للحديث في مسبباته ، وهو أن الشواهد التي ترافق تطور المشهد الفلسطيني تؤكد بأن الجدلَ الحالي حول المصالحة الفتحاوية ومخاوف البعض من تحقيقها ، لربما أنه يدخل في سياق مرحلة الإبتزاز التي تستبق إسدال الستار بشكل نهائي على عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لا زال يحاول في كل مناسبة بأن يظهر بأنه الرجل القوي والحاكم الفعلي الذي لا زال يتحكم بالقرار وبزمام الأمور، وذلك لإعادة رسم التحالفات من جديد، خاصة بعد أنه بات في العرف الإسرائيلي معروفاً بأن هذه المرحلة أصبحت خلف الأبواب!، حيث عبر عن ذلك بصراحة ووضوح (وزير إستيعاب المهاجرين وشؤون القدس زئيف إلكين ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ) في عدة مناسبات في إشارة واضحة ، إلى أن مرحلة الرئيس عباس باتت منتهية بالفعل أو أن هناك رغبة لديهم بإنهائها وهذا كلام لا يمكن تجاهله بغض النظر عن عدم التوافق مع رؤية طارحيه! ، فيما يستشرف آخرون انهياراً وشيكاً للسلطة الفلسطينية إن لم يتم ترتيب أمورها الداخلية بسرعة من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها الأساسية التحضير لعقد إنتخابات تشريعية ورئاسية بما يتناسب مع المتطلبات الملحة لمواجهة التحديات القائمة، بالرغم من أن جميع المؤشرات تتحدث عن صعوبة تحقيق ذلك في القريب العاجل، حيث أن الوقت أمام القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس لم يعد يخدم هذا التوجه!.
يبدو أن الموقف المصري والعربي الصلب إستشعر هذه المخاطر في هذه المرة وأنه يمثل الفرصة الأخيرة قبل غرق السفينة، وأن ضرورة تحقيق المصالحة الفتحاوية هو بالغ الأهمية في الوقت الحالي، مما أدى إلى إرباك بعض الأطراف الفلسطينية بشكل عام وبعض الأطراف الفتحاوية بشكل خاص!، خاصة أن مصر باتت ترى في هذه المصالحة مصلحة مصرية قومية ، وأن خطراً على القضية الفلسطينية برمتها بات يطل برأسه، وأن جموداً عاماً قد أصاب القضية الفلسطينية والفاعلين داخلها بشكل عام، وأنه لم يعد هناك ما يمكن تسميته إنجاز حتى لو كان بسيطاً!. وقد أصبح واضحاً أن الموضوع الفلسطيني تراجع زخمه في الأجندات العربية والإقليمية والدولية بشكل مقلق ، ولم يعد لإستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من عدمه شأناً يشغلُ عواصم العالم، والدليل على ذلك أن المؤتمر الدولي للسلام الذي تحاول أن ترعاه العاصمة الفرنسية باريس لا زال يواجه عقبات هائلة أمام إمكانية إنعقاده!.
لذلك ليس غريباً أن تخرج بعض الأصوات الصادحة في هذه الأيام النمطية التي سادت العِلَة الداخلية لحركة فتح عنوانها نتيجة إنقسام ملحوظ ولم يعد خافياً على أحد بين لجنة مركزية ورئيسها من جهة، وبين القيادي الفتحاوي محمـد دحلان في الخارج من جهة أخرى، لتغرد خارج السرب حسب مصالحها ، حيث أنها تأتي في سياق إصرار البعض على لعبة تبادل الأدوار من خلال استخدام الاتهامات والتلويح باللجوء إلى القضاء لإدارة ردح يستعينُ بكليشيهات الفساد والعمالة والتخوين وغيرها من وصلات الردح !، متناسين بذلك أن الذي بيته من زجاج لا يجوز له أن يقذف الناس بالطوب وأن حقيقة أفعالهم باتت مفضوحة وأن حججهم لم تنعد تنطلي على أحد، وأن موقفهم هذا ليس نابعاً من حرصاً على المصلحة الوطنية بل على مصالحهم وقوة نفوذهم!.
في النهاية تبقى المصالحة الفتحاوية أمل لا زال ينتظر، وأنه لا زال هناك محاولات ليكون هناك مصالحة فتحاوية مفروضة لا معروضة بالرغم من التحديات التي تواجهها والأصوات التي باتت تصدح في هذه الأيام لمعارضتها!، وبأن تحالفات فلسطينية يعاد رسمها، ويبدو بأنه لا يمكن إستبعاد د. سلام فياض من هذه المصالحة كحل وسط بين الأطراف المتنازعة على قيادة المشهد الفلسطيني القادم ، وهو الذي قد يزيد من حظوظه الإنقسام القائم بين حركتي فتح وحماس، ما يجعل من فكرة الرئيس المستقل مخرجاً لهذا الجمود، ويرفع من هذا الاحتمال ما يمتلكه فياض من علاقات إقليمية ودولية ناضجة وواعية ومقبولة لدى جميع الأطراف!.

م . زهير الشاعر
[email protected]