تموج الساحة الفلسطينية هذه الأيام بالعديد من المشاكل والهموم التي تنعكس سلباً على عموم الوضع الفلسطيني ، من الانتخابات المحلية إلى وحدة حركة " فتح " إلى المصالحة الفلسطينية ، إلى انغلاق الأفق السياسي بفشل حل الدولتين ، إلى مبدأ القرار الوطني الفلسطيني المستقل ، وإلى إشعال فتن داخلية ، والإعلان عن خارطة طريق عربية تتعلق بالشأن الداخلي الفلسطيني .
كل هذه الأمور ما كانت وجدت لو أنّ الفلسطينيين فهموا قضيتهم جيداً فتنافسوا وتسابقوا وعملوا من أجل حلها بما يضمن لهم كافة الحقوق التاريخية فوق أرضهم التي باتت محل خلاف بينهم ، ومن هنا افترق الفلسطينيون عن بعضهم ، الأرض الفلسطينية التي هي جوهر الصراع العربي الصهيوني ، أصبحت محل خلاف بين الفلسطينيين أنفسهم ، هل هذه الأرض هي الواقعة ما بين البحر والنهر واسمها فلسطين ، أم أنّ فلسطين هي أرض الضفة والقطاع فقط ، أم أنّ فلسطين هي ما تبقى للفلسطينيين من أراضٍ في الضفة بعد أن أكلها الاستيطان دون أن يشبع منها .
وهل نحن جادون لما أعلناه عن مقاضاة بريطانيا عن جريمتها التاريخية بحقنا فوق أرضنا قبل تسع وتسعين سنة ، حينما وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا الصهاينة بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، فما بين الجدية والهزل بشأن مقاضاة بريطانيا على فعلها المشؤوم ، نجد أنفسنا في سباق مع الزمن ونحن نناضل ليل نهار وعبر القارات الخمس لإنجاز حل الدولتين ، دولتان على أرض فلسطين ، يصاحبها دعوة لمقاضاة بريطانيا القابلة القانونية لولادة إحدى هاتين الدولتين ، تناقض لا يقع فيه أطفال اليوم المطلعين على خفايا مواقع التواصل الاجتماعي .
المطلوب منا كفلسطينيين أن نتفق جميعاً على تحديد أرض فلسطين ، ليس في إطار الشرعية الدولية التي تخدم المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ، وإنما في إطار الحق التاريخي والرواية الفلسطينية التي تحدد أرض فلسطين بمساحتها الكلية البالغة (27000) كم2 والمحددة غربا بالبحر الأبيض المتوسط وشرقاً بنهر الأردن ، فإذا كانت هذه هي فلسطين التي نريدها أن تكون لنا لنقيم عليها دولة فلسطين ، فإننا مطالبون بعقد المجلس الوطني الفلسطيني بدورة عادية يشارك فيها الكل الفلسطيني ، وعلى جدول أعماله بندان هامان ، البند الأول هو تقييم ونقد المرحلة السابقة نقداً جاداً ومسؤولاً ليس من قبل القيادات السياسية فقط وإنما بوجود المفكرين والخبراء في القانون الدولي والخبراء العسكريين والاقتصاديين وباحثي التاريخ وعلماء الدين مسلمين ومسيحيين ، أمّا البند الثاني فهو نتيجة للبند الأول وعنوانه خارطة طريق للعمل الفلسطيني في المرحلة القادمة .
إذا كنا حريصين كل الحرص على قضيتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة ، علينا أن نرمي خلافاتنا وراء ظهرنا ، ونعيد بناء وحدتنا الداخلية على مستوى الفصائل ، وخاصة إعادة بنية حركة " فتح " على قاعدة منطلقاتها ومبادئها وأهدافها ، بعيداً عن حسابات المصالح الشخصية الخاصة لأي كان داخل الحركة ، والعودة بحركة " فتح " لتوصيف المرحلة بأنها مرحلة تحرر وطني لأنّ الغزاة الصهاينة ما زالوا يحتلون فلسطين كل فلسطين ، وأنّ الأرض المحتلة ليست الضفة والقطاع فقط وإنما هي كل فلسطين ، وإنّ الشعب العربي الفلسطيني هو كل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم داخل فلسطين وخارجها ، وأنّ جوهر الصراع مع العدو الصهيوني هو أرض فلسطين التاريخية ، وأنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين هي الشاهد الحي على وجود القضية الفلسطينية ، كما هو مطلوب من حركة حماس أن ترتدي الثوب الفلسطيني وأن تعتبر نفسها جزءاً من النسيج الوطني الفلسطيني وأن تخلع عنها ثوب الإخوان المسلمين حتى لا تربط أجندتها الفلسطينية بالأجندة العالمية لحركة الإخوان المسلمين ، وأن تسارع من منطلق فلسطيني إلى إنهاء الانقسام في ظل توافق فلسطيني – فلسطيني تحت قبة المجلس الوطني الفلسطيني الواجب انعقاده فوراً .
إنّ إعادة اللحمة إلى البيت الفلسطيني بانعقاد الدورة العادية للمجلس الوطني الفلسطيني لا يعني العزلة الفلسطينية عن المحيط العربي والإسلامي ، وإنما العودة للتأكيد على أنّ الفلسطينيين هم رأس الحربة العربية في الصراع العربي الصهيوني ، وأنه لا يمكن للفلسطينيين أن يخوضوا صراعاً حقيقياً مع العدو الصهيوني دون الدعم العربي والإسلامي والدولي لهم .
فالمطلوب اليوم ومن حركة " فتح " تحديداً العودة إلى جذورها ، بإنهاء أزمتها الداخلية ، وانعقاد مؤتمرها السابع الذي يجب أن تتجسد فيه وحدة الحركة ، هذا المؤتمر الذي يجب أن يؤسس للوحدة الوطنية الفلسطينية التي تعمل على ترسيخ وحدة الأرض والشعب معاً ، وذلك انطلاقاً من أنّ حركة " فتح " هي حركة التحرير الوطني الفلسطيني حاملة لواء المشروع الوطني الفلسطيني وحاميته ، ومن أجل أن تعيد للشعب الفلسطيني لحمته الداخلية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل أبناء الشعب العربي الفلسطيني على اختلاف أماكن تواجدهم .
6/9/2016 صلاح صبحية