"لنتكلم فلسطينيين " هكذا صاغ الرئيس عباس جملته مع إمالة الرأس لليسار وصك الأسنان وإغماض العينين وإدارة الرأس لليمين مهددا بعظام الأمور وقطع الخيوط ونحر النحور .. ما أجملها من لغة للجسد تشبه معاناة نافخٍ للكور إما أن يحذيك أو تبتاع منه ... هي هكذا آخر موضة لرئيس أضاع ما أضاع وخرب ما خرب ودمر ما دمر من قضية وشعب وآمال.
ببساطة شديدة يخرج عباس هذه المرة عن الخط السياسي العربي الحاضن للقضية الفلسطينية ويزايد على شعبنا بأنه أرادنا فلسطينيين وكأننا كنا قبل ذلك لا نعرف من نحن وكنا في انتظار من يُعرِفنا فكيف بالله وماذا سيفعل لو اكتشف أننا عرب ؟
أبسط قواعد الجيوبوليتك أننا فلسطينيون وعرب وجيراننا مصر العظيمة والأردن الشامخ ونحن عمقهم الاستراتيجي وهم عمقنا الاستراتيجي وأرضنا تحتلها اسرائيل ولكننا لا نعيش تحت بساطير الاحتلال كما كنت تقول سيادة الرئيس لأنك رأيت الاحتلال متأخرا في حياتك بعد أن تنعمت بالحياة في المال السياسي القديم والجديد ولازلت تورث لأبنائك ما تستطيع وما يستطيعون حين كنا ومازلنا نتقاسم لقمة العيش مع أشقائنا المصريين الذين حملونا في قلوبهم ولذلك لم تدرك على ما يبدو سر حبنا الكبير لمصر ولم تدرك أيضا حبنا الكبير للأردن التي احتوت آلام ومعاناة شعبنا منذ نكبته الأولى وكم امتزجت دماؤنا بدماء الأشقاء المصريين والأردنيين في معارك تناسيتها يوم أصبحت تجلس في المقاطعة وتقرر مع الاحتلال كيف توقف انتفاضة القدس وتطيح بآمال شعبنا بعد نكبته الثانية التي كنت سببا رئيسيا فيها حين تخلصت من غزة ولم تدافع عنها وقمعت أهلها بكل وسائل القمع والارهاب فكبرت الشقاق والكراهية بين صفوف شعب واحد فأضعفت النضال وضيعت القضية وأنت تجري وراء سراب الحكم وتصيرت حاكما دكتاتورا على أمر الناس.
لماذا الهروب من الاستحقاق ولماذا ترفض المبادرة الرباعية العربية من دول عربية وازنة مثل مصر والاردن والامارات والسعودية وقفت دائما مع قضيتنا واحتضنتها في الوقت الذي مضى على شعبنا عقد من الزمن لم تفعل له شيئا فلم تنجز لنا مصالحة وطنية ولم تنجز لنا تحرير أرض أو مقدسات وجعلت التنسيق مع الاحتلال هو المقدس وعندما أراد الأشقاء العرب انقاذ شعبنا ووضعوا لك خريطة طريق سارعت بتفجير الوضع وكأنك لا تعرف معاناتنا ومأساتنا وتتحجج بالتدخل العربي وتبدي حساسية لذلك لأنك لا تعاني فنحن ليس لدينا حساسية لذلك حين لم تأت أنت وكل السلطة والنظام السياسي لإنقاذنا بل رفعت سقف معاناتنا بادارتك الفاشلة للأزمة.
نحن فلسطينيون سيادة الرئيس ونرفض تدخل أيا كان في شئوننا نعم ولكن عندما تصبح الحالة الفلسطينية وأنت قائدها بهذا البؤس ولا تستطيع سيادتكم فعل شيء فمن حقنا طلب حماية شعبنا واستعادة لحمته وما حملته المبادرة الرباعية ليس تدخلا رغم أن أشقاءنا العرب حملوا تلك الأمانة والملف المعقد لأشقائنا المصريين وهم قبلوا المسئولية بصدر رحب فلماذ ترفض المبادرة المتوازنة التي بها برنامج واضح وكامل لحل الأزمة الملهاة التي نعيشها وقد كان لأشقائنا العرب تداخلات سابقة لم تتحسس منها سيادة الرئيس فما الذي يجري الآن وهل وضعت نفسك في محور قطر تركيا واسرائيل وهل لديك سيادة الرئيس حلا بعد كل هذا الوقت أم أن لحظة الحقيقة للنهوض بمشروعنا الوطني واستعادة عافيتنا ليس من مهماتك وليس في برنامجك ولديك شعب أو شعوب أخرى تهتم بها.
لم تنجح سيادة الرئيس بعد كل هذا الوقت في فعل شيئ لشعب بات مقهورا في غزة هاشم وشبابه يتضورون بطالة وترفض أن توظفهم أو تحل مشاكلهم وكأنك غير مسئول عنهم وعوانس تزداد شريحتها باضطراد وإدمانات وجرائم من شغف العيش تهز مشاعر وحساسيات أكبر بكثير من حساسيات السلطة التي تقبض عليها وخدمات بائسة تتجاوز الحدود الدنيا هبوطا وحروب جرقت الأخضر واليابس على أرض هذه الغزة وأنت في حيرة لا تعرنا اهتماما و تعرف ذلك ولا تريد أن تفعل شيئا ناهيك عن ضياع قضية مقدسة في رحلة اللهاث وراء مفاوضات عبثية امتدت لأكثر من عقدين فماذا تبقى لديك من دمار.
عباس يبيع العرب لمن؟ ويدير الظهر للمبادرة الرباعية العربية التي نحن في أمس الحاجة لها في هذا الوقت وهذا الحال .. سيادة الرئيس هذا عمل خطير عليك وعلينا وعلى المنطقة كلها فهل فكرت قليلا بموضوعية وبمسئولية الرئيس؟
د. طلال الشريف
6/9/2016م