صحيح أن الرباعية العربية استيقظت وبشكل مفاجئ ، وعلى نحو غير مسبوق . وصحيح أيضاً أن هناك علامات استفهام على خطة الرباعية العربية تحت عنوان " خطة لتفعيل وتحريك الملف الفلسطيني " ، والتي وضعتها برسم رئيس السلطة الفلسطينية للسير بها حسب خارطة طريق تبدأ بتوحيد حركة فتح - " توحيد أبو مازن مع محمد دحلان " - ، وصولاً إلى تفعيل المنظمة ، مروراً بمصالحة فتح وحماس . والهدف من وراء ذلك " تحريك عملية السلام " وفق المبادرة العربية . وهذا ما اعتبر بحسب التصريحات المتلاحقة لعدد من قيادات فتح والسلطة ، ذهب بعضهم للقول " من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات " ، ووقف في مقدمتهم أبو مازن متوعداً ب" قطع الأيدي " .
ولكن الصحيح أيضاً وأيضاً أن الأوضاع على الساحة الفلسطينية ليست على خير ما يرام ، بل هي في أسوأ حالاتها ، مما ينعكس من أخطار مضاعفة على عناوين القضية الفلسطينية . وفي استعراض للأوضاع التي تعيشها كافة المؤسسات الوطنية التشريعية منها والتنفيذية ، بدءاً من رئاسة السلطة التي انتهت بموجبها ولاية أبو مازن منذ الرابع والعشرين من كانون الثاني من العام 2010 ، وذاتها حال المجلس التشريعي التي انتهت ولايته في نفس تاريخ ولاية الرئاسة ، على الرغم من قيام المجلس المركزي في تجديد ولاية التشريعي في كانون الثاني 2010 ، وهو الأمر المضحك والمبكي في آن كون المجلس الممدد للتشريعي فاقد منتهي الصلاحية الدستورية ، وشأنه في ذلك المجلس الوطني واللجنة التنفيذية . وهذا يعني أن كل المؤسسات الوطنية منتهية الصلاحيات واستمرارها من خارج الأنظمة واللوائح الناظمة ، وهذا يعكس حالة التخبط التي تعيشها الساحة الفلسطينية .
وهنا يُطرح السؤال الكبير على السيد أبو مازن من موقعه كرئيس للسلطة واللجنة التنفيذية وحركة والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية ، كيف السبيل من أجل مواجهة زملائك من رؤساء وملوك وأمراء الرباعية العربية ومنع تدخلاتهم في الشؤون الداخلية الفلسطينية ؟ ، والانقسام سيد المشهد والمتحكم في كل مفاصل العمل الفلسطيني ، والمؤسسات الممنوع التجديد لها دستورياً ووطنياً عبر الانتخابات ، وهنا الانتخابات المحلية حتماً من خارجها ، وبالتالي التمسك بالخيار السياسي القائم على المفاوضات التي أُقرّ أنها عقيمة وغير مجدية في ظل السياسات الإجرامية التي يمارسها الاحتلال وبكل العناوين والسبل والطرق . ليأتي وترجمة لكذا الخيار التنسيق الأمني الذي يخدم الاحتلال وممارسات وإجراءاته القمعية ضد أبناء شعبنا والناشطين منه ، والامتناع عن نفخ الروح من جديد في الانتفاضة الثالثة من خلال رؤية شاملة قائمة على إعلان العصيان المدني الشامل في الضفة الغربية دون سواه من أنماط وأشكال المقاومة حتى لا يشكل موضع خلاف ، وبسقف مطالب مرحلية تقوم على كنس وإنهاء الاحتلال عن كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس عاصمة دولتنا الأبدية .
كل هذا السياق من الإخفاق والتراجع هو من شجع ويشجع الآخرين على التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني ، والقول إنّ رئيس السلطة والقيادات الفلسطينية أعجز من أن يتدبروا أمورهم ويغيروا من واقعهم نحو تحسينه مما ينعكس إيجاباً على قضيتهم في مواجهة " إسرائيل " وسياساتها . واستمرار هذه الحالة ، سيدفع رؤساء وملوك وأمراء الرباعية العربية لاتخاذ خطوات أوضحوها في خطتهم وبالحرف أنه " وفي حال لم يقوم الفلسطينيين بما عليهم واستمروا في الانقسام على أنفسهم ، ستضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي ، وستعتمد البدء بإجراءات ضاغطة على الأطراف المعطلة أيٍ كانت هذه الأطراف في كافة مراحل التنفيذ " . وهذا لا يعني الإنصياع للرباعية العربية التي ساير رئيس السلطة سياسات بعضها في أكثر من مرحلة . ولكن هذا لا يبرر عدم التحرك من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ، لأن من دون ذلك لن ينفع الندم إذا بقي مكان له .
رامز مصطفى