حرب الشائعات ليس أسلوبا جديدا ....لكنه يتبع منذ زمن طويل ما بين الاطراف المتصارعة والمتحاربة المتخاصمة .....والتي بينها قضايا خلافية...وصراعات حدودية .... فلقد استخدمت مثل هذه الاساليب ما قبل وأثناء وما بعد الحروب العالمية .....وحتي ما سبقها عبر التاريخ القديم من حروب وغزوات كان يراد منها تحقيق الاهداف والغايات واهتزاز المعنويات..... وفرض ارادة القوي الغازية قبل وصولها وما قبل احتلالها .....حتي أنها كانت تهدف لمثل هذه الشائعات والحروب أن تصل الي طاولة المتخاصمين ما قبل بدء جلساتهم..... بمحاولة اركاع كل طرف للأخر ....حتي يحقق كل طرف أعلي درجات الانجاز ....من خلال ما يتحقق من احباط المعنويات ..... وارباك للطرف المقابل .....حتي يمكن له أن يستسلم.... وأن يرفع الراية البيضاء..... وأن يقر بهزيمته حتي قبل حدوث المواجهة ....وحتي قبل ان تطلق رصاصة واحدة.... ودون أن تتحرك دبابة واحدة ....أو حتي تقصف طائرة واحدة كما في عصرنا الحديث .
حرب الشائعات ...حرب مدروسة ومنتظمة ..... مخططة بعناية فائقة ....ويقوم على تأسيسها ونشرها ودراسة أبعادها مجموعة من الخبراء والمختصين بالعلوم النفسية ....والسيكولوجية ..... وعلماء الاجتماع... الاقتصاد ...والسياسة .....وأصحاب الفكر والاعلاميين ممن يخططون ويرسمون السياسات ويحددون الاهداف..... والذين يجتمعون تحت عنوان وأهداف اسقاط المعنويات ....وزعزعة الاستقرار ....وخلق حالة التضارب والتنافر..... واهدار الثقة ....وادخال الهزيمة بداخل الطرف المقابل من خلال اضعاف مقومات القوة ....أهداف عديدة تتفاعل مع بعضها البعض لأجل احداث الهدم..... وتحقيق الهزيمة للطرف المقابل دون خوض معركة حقيقية .
مثل هذا الاسلوب من حرب الشائعات أو ما يسمي بالحرب النفسية السابقة للحروب العسكرية وبكافة ادواتها الاعلامية الاقتصادية النفسية والتي تستخدمها الدول قبل خوضها للحروب .....حتي تحقق أدني المستويات بالحالة النفسية والمعنوية ...واحداث حالة من الضعف بجوانب عديدة لدي الطرف المقابل ....والتي تسهل امكانية توجيه ضربة قاضية في لحظة معينة ومحددة .
ليس جديد علينا مثل هذه الحروب النفسية ....والشائعات المقيتة.... ووسائل النقد المغرضة عبر الاثير والفضاء وتكنولوجيا المعلومات .
قبل عقود كانت تأخذ مثل هذه الاساليب والوسائل مدة أطول ....وجهد أكبر ومن خلال أطراف متعددة ....أما في هذا الزمن وما استجد عليه من حداثه وتكنولوجيا ....وتقدم بوسائل الاعلام الفضائي ...وشبكات التواصل الاجتماعي والتي اصبح بمقدور الشائعة ان تصل بأقل من الثانية... بل أن التطور قد أحدث تزييفا في صورة المشهد ....بحيث يمكن الخداع للمشاهدين وايصال الرسالة وكأنها حقيقة ثابتة رغم أنها اكذوبة واضحة .....وتزييف حقيقي ....وخداع بصري .
هناك الكثير من الخداع البصري والسمعي ...كما الكثير من الخداع بمضمون الرسالة ....والتي تحمل عنوان الشائعة أكثر منها رسالة اعلامية ذات مضامين وحقائق.... ومصدر واضح .
الشائعات لا تأخذ جهد كبير في ترويجها ونشرها ....لكنها تأخذ جهد أكبر في نفيها والرد عليها ....وهنا يكون الجزء من الهدف المراد..... من خلال وضع الطرف المستهدف في موقف الدفاع والتبرير ....أي أن الجهود والطاقات يمكن أن تستخدم لتنفيذ خطوات ايجابية توضيحية من خلال رسالة اعلامية ذات مضامين اخبارية ...ثقافية ...تعليمية ...تعود بالفائدة المرجوة على المشاهد والمستمع والقارئ ....وليس مجرد شائعات تنغص على الناس أحوالها وتزيد من الاعباء عليهم وتحملهم بما لا يحتملون ....في ظل ظروف قاسية ...ومصاعب حياة لا زالت تزداد عليهم بضغوطاتها وأثارها ونتائجها .
مثل هذه الاساليب المستخدمة بحرب الشائعات ما بين الاعداء والخصوم تعبر عن حالة ضعف وليس قوة ...تعبر عن حجج واهية .....وعلى خطأ وأخطاء ترتكب ويجري التعامل على تغطيتها ...ومحاولة تمريرها بخفة وذكاء لا يخرج عن اطار الخبث ....وسوء المقاصد ...وتعكير الاجواء .
يستخدمون مثل هذه الوسائل بعتمة الليل ....وكمن يسرق الحقيقة ....ويحاول تزييفها ونشر الاكاذيب بديلا عنها .
جهات مجهولة.... لأسباب مجهولة ....لأهداف مجهولة ....لأجل تحقيق هذا البث من الشائعات والحرب النفسية ....والتي اذا ما حققت اهدافها كانت الفائدة المرجوة والمنتظرة ....واذا ما سقطت في وحل من بثها ....انقلبت بأكاذيبها وافتراءاتها...... وأكسبت المستهدف نصرا اضافيا .....كما وأفشلت من نشرها مزيدا من الفشل الذريع .
لقد استخدم الكيان الاسرائيلي وعبر أجهزته الاعلامية والاستخباراتية مثل هذه الوسائل الخسيسة والقذرة .... بمحاولة اضعافنا وارباك معنوياتنا ...واجهاض قوتنا ....وادخال اليأس بنفوسنا ....وزعزعة الثقة بقيادتنا ....وفصائلنا وخلق حالة من الشك وعدم اليقين .
أهداف خبيثة ...تعبر عن أخلاقيات ساقطة ....تستخدم مثل هذه الوسائل تحت عناوين الاعلام ووسائله ....مع ان الاعلام ووسائله المتعددة بمقدورها أن توصل رسائلها ومضامينها بكل شفافية ومصداقية ....حتي وان كانت تلتقي مع مواقف وتتعارض مع مواقف أخري ....فالخلاف والتباين بوجهات النظر ....وتعدد الآراء ...يعزز من قوتنا ولا يضعفنا ....يزيد من ثقافتنا ولا يجهلنا ....يؤكد ديمقراطيتنا ....ويسقط الديكتاتورية بداخلنا .
شعبنا الفلسطيني بحكم تجربته النضالية الطويلة..... وما اكتسب من وعي ومقدرة يمتلك أدوات التحليل والفرز ....ما بين الحقائق والاكاذيب ....كما أن اعلامنا الفلسطيني يمتلك من المهنية والمصداقية..... ما يؤهله لأن يكون خط الدفاع عن ثوابتنا ...وعن قياداتنا وفصائلنا ومكتسباتنا الوطنية..... وأن لا يعرضها للمساس بشخوصها ....وقاماتها.... التي ستبقي موضع احترامنا وتقديرنا.... مهما تلاعب المتلاعبين بكلماتهم.... التي لا تلقي أذان صاغية .
الكاتب : وفيق زنداح