خطر إسرائيل… قضيتنا… المقاطعة ونادي سيلتيك

بقلم: فايز رشيد

بعد إعلان ما سموه بـ"الاستقلال الإسرائيلي" بعشرة أيام، في 24 مايو 1948، قال ديفيد بن غوريون في جلسة "للهاغاناه": "يجب تدمير مدينتي الرملة واللد على الفور ويجب تنظيم كتيبة الياهو وتوجيهها ضد جنين من أجل غور الاردن. يجب تقديم التعزيزات لـ"متلف"، الذي مهمته احتلال جنوب لبنان، من خلال قصف مدينة صور ومدينة صيدا ومدينة بيروت، يجب تكليف يغئال ألون بقصف سوريا من الشرق ومن الشمال. يجب انشاء دولة مسيحية يكون الليطاني حدودها الجنوبية، ونقوم بعقد تحالف معها. وعندما نهزم الجيوش العربية ونقوم بقصف عمّان، نقوم ايضا بتصفية الضفة الاخرى من النهر وعندها ستسقط سوريا. وإذا تجرأت مصر على الحرب، سنقوم بقصف بور سعيد والاسكندرية والقاهرة".
نعم، هذا هو بن غوريون، وليس نابليون بونابارت، الذي وعد بـ"هكذا سننهي الحرب، ونصفي حساب أجدادنا مع مصر ومع آشور وآرام".
من ناحية ثانية، رفض رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الانتقادات الموجهة لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية. جاء ذلك، قبيل زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للكيان، قال نتنياهو في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد .دي إف" مساء الأحد الماضي، إنه من الممكن أن يكون هناك خلافات بين الأصدقاء (يقصد من ينتقدون الاستيطان)، لكن من يقول إن المستوطنات عقبة، يتعين عليه أن يعلم، أنها ليست كذلك! وحمّل نتنياهو المسؤولية للفلسطينيين، مضيفا، أن عدم تحقيق السلام لا يكمن في سياسة الاستيطان الإسرائيلية، بقدر ما يكمن في إرادة الفلسطينيين لقبول دولة قومية لليهود، باعترافهم بيهودية إسرائيل، وهو ما يرفضونه. بالطبع من وجهة نظر نتنياهو، على الفلسطينيين الاعتراف بأن القدس هي "العاصمة الأبدية لإسرائيل"، كما إلغاء المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وأن لا دولة فلسطينية ستقام على كل الأراضي المحتلة عام 1967، وقبولهم للاستيطان الإسرائيلي (حتى يثبتوا أنهم غير عنصريين)، والقبول بالحق الاسرائيلي في دخول الجيش إلى مناطق دولتهم، إذا ما شعرت إسرائيل بالخطر، إضافة إلى سلسلة من الاشتراطات الأخرى (التي تتوالد كالفطر( للحفاظ على الأمن الاسرائيلي.
نموذجان أوردناهما كمثالين على عنجهية وصلف القادة الإسرائيليين، أحدهما في عام 1948، والثاني في العام الحالي 2016. تفصل بينهما مسافة تمتد إلى 68 عاما. وفي السؤال، هل مثّل الكيان الصهيوني طيلة هذه السنوات، غير هذه السياسة العدوانية، التي شهدناها ونشهدها على مدى ما يقارب السبعة عقود؟ سؤال نطرحه برسم رأي قراء "القدس العربي" الكرام، ثم بتوجيه السؤال: هل مازال يعتقد البعض بإمكانية ولو بنسبة 5٪ جنوح إسرائيل للسلام مستقبلا؟ بالإجابة عن السؤالين يتضح الجواب. آخرون للأسف، يقومون بالتطبيع مع اسرائيل، ويستقبلون وفودها في دولهم! هل يعتقدون، أن دولهم ستكون بمنأى عن عدوانية إسرائيل؟ هل يعتقد هؤلاء أن الخطر الصهيوني مقتصر على فلسطين وحدها؟ هل انتهى مشروع دولة إسرائيل الكبرى؟ وهل.. وهل؟ للعلم، قال موشيه دايان في أحد لقاءاته: "إذا لم نجتح الدول العربية بالدبابات فسنجتاحها بالجرافات". إسرائيل ترفض رفضا قاطعا ترسيم حدود دولتها حتى اللحظة، فالمؤسسة العسكرية ترفض ذلك، لأن ذلك سيمنعها من ممارسة العدوان على الدول العربية. وأن الترسيم سيحد من عودة يهود العالم إلى "وطنهم التاريخي"، وسيثير المزيد من الانقسامات، وتحديدا حول مصادر التشريع، بين المتشددين اليهود وباقي الأطراف في الحركة الصهيونية، التي تنادي بانكفاء اسرائيل على الذات، حتى تحين الظروف الملائمة لإعادة طرح المشروع، وأن الترسيم سيفاقم من بروز السؤال، الذي لم تجر الإجابة عليه حتى اليوم: تحديد تعريف من هو اليهودي؟ قائد عسكري إسرائيلي أجاب عندما سُئل عن رفض إسرائيل ترسيم حدود دولتها بـ"أن حدود إسرائيل، حيث تصل دباباتها وأقدام جنودها". إسرائيل ما زالت تعتبر الضفة الغربية، "يهودا والسامرة"، ضمت القدس مبكرا إلى دولتها في 27 نوفمبر 1967.هي ترفض الانسحاب من هضبة الجولان العربية السورية ومن مزارع شبعا اللبنانية. فهل هذه دولة تريد السلام؟
لا أخفيكم، أنني أصبحت من المعترفين بوجود أزمة في المشروع الوطني الفلسطيني والعربي عموما، بفعل عوامل كثيرة، سبق أن كتبت عنها على صفحات هذه الجريدة، أزمة قد تُحدثُ إحباطا لدى كثيرين، نتيجة لرداءة الوضع العربي، ولاصطدام مشروع البعض الفلسطيني، بالرفض الصهيوني للحقوق الوطنية الفلسطينية، والمزيد من الاشتراطات الصهيونية التعجيزية على الفلسطينيين، ومحاولة البعض الرسمي العربي، فرض زعامة فلسطينية جديدة، تقبل بما لا تقبل به القيادة الرسمية الفلسطينية الحالية. هذا هو أحد جوانب الصورة! أما الجانب الآخر منها الذي يدعو للتفاؤل ويمد الفلسطيني بعزم الاستمرارية، فهو مقاومة شعبنا في الأراضي المحتلة أولا، ومدى تعاظم تأييد قضيتنا في العالم، وتزايد مقاطعة إسرائيل يوما بعد آخر. فقد أعلنت عشرات المدن الإسبانيّة أنّها أصبحت "متحرّرة من الفصل العنصري الإسرائيلي". ولقد تجاوز عدد المدن والقرى الإسبانيّة الّتي عبّرت عن هذا الإعلان، الخمسين. آخر المدن الإسبانيّة الّتي "تحرّرت" من إسرائيل، مدينة "قادس"، وهي عاصمة المقاطعة في منطقة الحكم الذّاتي "الأندلس"، لتضاف بذلك إلى بلديّاتٍ ومناطق في عددٍ من المدن الإسبانيّة الأخرى، أبرزها: مدريد، كاتالونيا، غاليسيا، فالنسيا، إشبيلية، قرطبة، وغيرها. لقد حظيت الحملة، بدعمٍ من بعض الحركات الاجتماعيّة والمدارس، وكذلك وسائل الإعلام والمؤسّسات العامّة من مختلف المناطق الإسبانيّة. كما صمّمت الحملة خريطةً تشير إلى المناطق الّتي أعلنت نفسها متحرّرة من نظام الفصل العنصري الإسرائيليّ.
أيضا، أكدت صحيفة "لاجازيتا ديللو سبورت الإيطالية"، أن المخضرم جيانلويجي بوفون، حارس مرمى الأزوري، مهدد بالعقوبة، من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، بعد توجيهة هتافا لجماهير الكيان الصهيوني، "فلسطين حرة". وكان ذلك في المباراة التي جمعت بين الفريقين ضمن منافسات الجولة الأولى من التصفيات الأوروبية المؤهلة لمونديال روسيا 2018 . من زاوية ثانية، قرأت نص مقابلة لمؤسس ورئيس الحملة الاسكتلندية للتضامن مع فلسطين، ميك نابيير، يصف فيها أبرز الدروس والعبر المستقاة من حملات المقاطعة لاسرائيل في اسكتلندا، وفعلا، أبرز النشاطات التي قاموا بها دعما للقضية الفلسطينية. كما تطرق للعقبات التي يواجهونها جراء المقاطعة، والى أي مدى تم انتشار ثقافة المقاطعة لاسرائيل في اسكتلندا. حقيقةً، أذهلني ما تقوم به اللجنة من نشاطات وما تحققه من نجاحات. هذا يتواءم مع حملات المقاطعة في العديد من دول العالم، كجنوب أفريقيا، دول أوروبية عديدة ومنها بريطانيا، دول أمريكية لاتينية مثل فنزويلا، البرازيل وقد بلغ تنامي المقاطعة في عهد الرئيسة المقالة روسيف، أوجه، الأمر الذي يؤكد أن أحد الأسباب المهمة للتآمر عليها من قبل التحالف الأمريكي – الصهيوني – الرجعي المحلي البرازيلي، هــــو تعاظم مقاطــــعة اسرائـــيل في عهدها، ورفضها تعيين أحد قادة المستوطنين، سفيرا للكيان في بلدها. كما دول عديدة آسيويـــة وأفريقية. أيضا في كندا والولايات المتحـــدة، حيث انتشرت شعارات مقاطعة اسرائيل على وسائل النقل في سان فرانسيسكو، كما حركة السود "Black Lives" المنادية بالمقاطعة.
وتعتقد أن "هذه المقاطعة ستلحق الأذى بالكيان، بواسطة حملات مركزة، لكن هذا ليس بالأمر الجديد، فالمقاطعة ضد اليهود كانت موجودة دائماً، والأفراد في الأراضي الأوروبية يتحدثون عن مقاطعة اليهود وهذه فضيحة". في مؤتمـــــر "حماية الأمن القومي الاسرائيلي" في العام الحالي 2016، قال نتنياهو: "أن حملة المقاطعة الأوروبية تتسبب بخسائر اقتصادية فادحة، فقد فسخـــت عقود تجارية بقيمة 23 مليار دولار مع إسرائيل، وتراجعـــت قيمة صادراتها إلى حوالي 2.9 مليار دولار في ظل توقع خسارة ما بين 28 و56 مليار دولار بالناتج القومي الإسرائيلي خلال السنوات العشر المقبلة.
تحية لجماهير نادي سيلتيك الأسكتلندي، ولأعضاء الفريق أيضا، فهو وجماهيره من أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، من خلال جمع التبرعات، والحرص دوما على رفع الأعلام الفلسطينية في المدرجات، كما حدث أثناء مواجهة الفريق مع فريق "هبوعيل" بئر السبع الإسرائيلي، متحديا احتمالية توقيع عقوبات على النادي من خلال الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
لقد ظهرت أعلام فلسطين بصورة كبيرة في محيط ملعبه، حيث حملها مشجعو الفريق الاسكتلندي، فضلا عن رفعها بكثافة في مختلف أرجاء مدرجات الاستاد عند انطلاق اللقاء. من المعروف أن دعم مشجعي سيلتيك، يشكل تأييدا كبيرا للقضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها رفع أعلام فلسطين من قبل جمهور الفريق. لأن من يستحقون الثقة هم الأكثرية، أما خائنوا الثقة، فهم الأقلية.

د. فايز رشيد

٭ كاتب فلسطيني