إمتلأت مواقع التواصل الإجتماعي بالحديث عن الفنان عادل المشوخي وهو شاب من مخيم الشابورة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة حيث أنه أثار بأغنياته الهابطة حفيظة الكثيرين، ولكن هذا لا يغفل حقيقة أنه بات له محبين ومستمعين، مما أثار حب الفضول لدي لأستمع للقاءاته المتلفزة وبعض أغنياته الهابطة المثيرة للجدل وأفلامه الهادفة بالرغم من تواضعها!.
يبدو أنه في ظل الإنقسام القائم في الأراضي الفلسطينية والحصار الشديد على قطاع غزة وشح الإمكانيات التي يحتاجها المجال الفني، أجد أن ما يقوم به هذا الشاب الطموح مع بعض الشباب الأخرين من تقديم أغنيات وأفلام تمثيلية ، هو بمثابة نجاح حتى لو كان نسبياً!، ولكن الأهم من ذلك أنه حمل رسالة طموح وإصرار وإرادة بغض النظر عن الألية التي تحملها رسالته الفنية ومستواها الفني الذي يفتقر بالتأكيد إلى التصنيف في أي خانة من المستويات الفنية !.
لذلك فإن عادل المشوخي الذي بات يصر على المضي في طريق أداء أغاني هابطة للغاية وغريبة على الثقافة الفسطيينة ، منها أغنية بنطلون وأغنية خبيزة وأغنيات أخرى لا معنى لها سوى التراقص بطريقة مبتذلة على أنغام موسيقى عابثة، إلا أنه يبدو مقتنعاً وواثقاً بنفسه وبأدائه وبطموحه وهذا أقل حقوقه الإنسانية التي لا يستطيع أحد أن ينكرها عليه!، حيث أنه تحدث في إحدى لقاءاته بطريقة ساخرة ولكنها كانت منطقية وعميقة ، عندما قال بأنه ليس عيباً بأن يكون الإنسان طموحاً وأن يرى في نفسه رئيساً أو وزيراً أو سفيراً، وإختتم كلامه بإصرار وتحدٍ بأنه يتطلع لأن ينجح ولربما يصبح الرئيس، ممازحاً بأن الأيام لربما تجلبه تحت مسمى الرئيس عادل المشوخي!.
ذكرني حديث المشوخي الطموح مع فارق الإمكانيات وعدم توفر مقومات الشبه ، وذلك بقصة الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية رونالد ريغان ، والذي كان تبوأ منصبه كرئيس منذ عام 1981 حتى 1989، وكان قبلها يشغل منصب الحاكم رقم 33 لولاية كاليفورنيا، وذلك منذ عام 1967 حتى عام 1975، علماً بأنه بدأ حياته في مجال التمثيل قبل أن يدخل المجال السياسي الذي بدأه في بداية الخمسينيات ، وكوننا لا نستطيع أن ننكر حق الأقدار وندرك بأن لله في خلقه شؤون، بالتالي لربما يصبح هذا المهرج الطموح والراقص على أنغام موسيقى عبثية هابطة في يوم ما رئيساً لفلسطين أو لربما لجمهورية مصر العربية حيث أنه ذكر بأن أصوله مصرية من الإسكندرية!.
فعندما إستمعت لأغنية خبيزة وأغنية بنطلون أيقنت أن هناك غزواً موجهاً للشباب المهمل في قطاع غزة سواء بإدراك من المشوخي أو بدون ذلك!، وتذكرت شوارع رفح وأيام طفولتي فيها حيث أنها مدينة مولدي ونشأتي، وتذكرت غزة بإنضباطها وإبداعات أبنائها ولونها المحافظ الذي يتلائم مع طبيعة أبنائها، ولكنني أيضاً لم أستطع أن أغفل أو أن أتناسى حقيقة الدمار الذي لحق بها نتيجة ثلاث حروب همجية مدمرة شنت ضدها، وما تسببت به من مصائب وألام وأوجاع لأهلها ، كما البطالة التي لا تزال تسحق أحلام أبنائها، والألام والأوجاع التي تهين كرامة بناتها، وفوضى المقاهي التي تستبيح قيمها ، فتوصلت عن قناعة إلى نتيجة واحدة في هذا الموضوع، وهي أن عادل المشوخي الذي حاولت أن تستفزه وتحقر من طموحاته وتستهين بها مذيعة تلفزيون وكالة معاً في لقائها معه، والتي بدورها تناست أو أرادت أن تتجاهل عن عمد حقيقة أن المشوخي هو من أبناء مدينة محاصرة ومهملة، ويمثل إفرازاً لحالة غير سوية قائمة، وسلوك غير أخلاقي ضد قطاع بأكلمه هو من أبنائه الذين باتوا يعانون بالمجمل من همجية الحصار المفروض عليه، فكانت نتيجته الطبيعية لمخطط مقصود ومرسوم بعناية وطال أمده أن ترتد عليها وعلى البقعة التي تعيش فيها بالإيجاب وتضعها في موقع الرفاهية والرخاء، وكأنها تعيش في كوكب أخر أو دولة أخرى غير فلسطين المحلتة!، وبالمقابل أن تسلب المشوخي حقه في الإبداع وإستغلال الموهبة في سياقها الصحيح وتحرمه الرعاية والدعم ليرتقي بفنه وموهبته هذه بما بتناسب مع واقع قضيته الوطنية ومتطلباتها، بدلاً من الإنصراف إلى فن هابط أساء إليها وأحرجها ولربما إستفزها كمذيعة تمثل شريحة كبيرة من مستمعيها، كما أهان الكثيرين الذين وجدوا في رسالته الفنية هذه بأنها رسالة باتت موجهة ضد قيمهم وذوقهم وثقافتهم الوطنية! .
إن البيئة الصعبة والمعقدة التي يعيشها المشوخي وغيره من أبناء جيله في ظل تشديد الحصار وتعميق الإنقسام، خلقت حالة ترافقت وتزامنت مع إنحدار في القيم، أدت إلى إنعدام الرفاهية في الإختيار أمام هؤلاء الشباب ، حيث أنه لم يعد أمامهم خيارات في الطموح، وقُتِلَ في داخلهم مقومات الإبداع، وبالتالي تركهم الحالة الوطنية وهمومها ومن ثم الإنشغال في البحث عن مصوغات النجاح من خلال أي طريقة كانت وبأي ثمن كان حتى لو كان بخس للغاية !.
مما سبق ذكره ، في تقديري أن المشوخي هو شاب طموح خرج من رحم المعاناة وسلك طريق تحدٍ في ظروف محنةٍ وطنية تئن تحت مرارة الواقع وتعقيداته، ولكنها الحقيقة، شاء منتقديه أم لم يشاءوا، أحبوا ذلك أم لم يحبوا، بأنه أصبح حالة ينظر إليها الكثيرين بأنها تفرغ ما في داخلهم من قهر وإضطهاد وظلم، ساهمت فيه جميع الأطراف بدون أخلاق وبدون إستثناء لأحد!، فأصبح المزاج العام في المدن الفلسطينية فاقد للثقة بالسياسين أصحاب القرار والنفوذ، الذين أهملوا مثل هذه الطموحات والطاقات وإحتوائها والعمل على توجيهها بالشكل الصحيح وتبنيها ، وإلتفتوا بدلاً من ذلك للصراع حول السلطة والمال وعلى كعكة لم يكتمل شكلها بعد ويبدوا بأنه لن يكتمل أبدا!.
أخيراً ، يبدو أن هؤلاء السياسين لا يهم مواهب فنية ولا غيرها ، ويعملوا على تعميق الإنقسام خدمة لمصالحهم، فداسوا في طريقهم لتحقيق ذلك على أحلام شباب كان يأمل بأن يعيش كباقي البشر بأمن وأمان وسلام، ومن حقه أن يطمح ويبدع في وطن يعشقه أحبهم وأحبوه، فكان يظن هذا الشاب وغيره من ابناء جيله بأنه وطن ليس فيه مجال لعبث كهذا وخزعبلات كتلك ومجال فسيح لهبوط فني وثقافي لم يسبق له مثيل!.
م . زهير الشاعر