انتخابات محلية أم حكومة وحدة؟‎

بقلم: هاني المصري

سألتني أستاذة جامعية: هل ستُجرى الانتخابات المحلية؟ فأجبتها: نعم، ولا. وسيتضح الجواب بعد جلسة المحكمة المقررة يوم غد الأربعاء، فإذا رفعت قرارها بالوقف المؤقت لإجراء الانتخابات فيمكن أن تجرى في الوقت المحدد، لأن الفترة المتبقية كافية لإجرائها، أما إذا أجلت النظر في القضية، فهذا يعني أن الانتخابات المحلية ستتجاوز الثامن من تشرين الأول القادم إلى موعد يحدد لاحقًا.
يريد الرئيس بشدة (و"فتح" بدرجة أقل) إجراء الانتخابات لمنح الشرعية لسلطته التي تآكلت شرعيتها في ظل الانقسام، وجرّاء سيطرة "حماس" على قطاع غزة، وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مواعيدها، إضافة إلى فشل المسيرة السياسية، وتداعيات ذلك، خصوصًا على الأرض، من خلال مضي إسرائيل في استكمال خلق أمر واقع احتلالي عنصري.
كما أصبح يريدها أكثر بعد تزايد ضغوط "اللجنة الرباعية العربية" عليه لمصالحة محمد دحلان، التي تعني بالنسبة إليه إدخال الدب إلى كرمه وتسريع نهاية عهده، وتكرار ما حدث مع سلفه ياسر عرفات، وإن بصورة تناسب الوضع القائم.
ويمكن إجراء الانتخابات المحلية لأن "حماس" أيضًا بحاجة إلى إجرائها لتعزيز سلطتها، خصوصًا في ظل الاعتراف بحقها بالإشراف على الانتخابات، إداريًا وقضائيًا وأمنيًا، وحتى تتيح لأنصارها شرعية وحرية حركة أكبر في الضفة الفلسطينية، وهذا يفسر أن قرار السماح بإجراء الانتخابات جاء بعد ضغوط مارسها تنظيم "حماس" في الضفة. وهي تريد انتخابات أن تربح فيها أو أن تخرج متعادلة، ومن أجل ضمان ذلك توسعت كثيرًا في استخدام سلاح الطعون، الذي رغم أنه من حقها إلا أنه لم يجعلها تتمتع بالحكمة اللازمة لهضم المكاسب التي كانت ستحققها لو جرت الانتخابات.
أدت محصلة حالة الفوضى والانقسام والتنازع على خلافة محمود عباس وخلافة خالد مشعل إلى إذكاء الخلافات بين من يريد إجراء الانتخابات المحلية، وبين من لا يريدها. وتم استدعاء القدس فجأة بالرغم من أن انتخابات 2005 و2012 جرت من دونها. كما أن الانتخابات البلدية جرت في العامين 1972 و1976 تحت إشراف الاحتلال، ما يعني أن مسألة القدس وشرعية المحاكم في غزة ليست هي السبب الحقيقي، والمسألة ليست قانونية على أهمية القانون، لكنها سياسية أولًا وأساسًا وقبل كل شيء، وتتعلق باحتمالات الفوز والخسارة لحركتي فتح وحماس، ولمراكز القوى المتصارعة فيهما.
بالرغم مما سبق، من الصعب إجراء الانتخابات في موعدها، ومن الأفضل عدم إجرائها قبل إزالة الأسباب التي أدت إلى وقفها المؤقت. فلا أسوأ من أن تُجرى الانتخابات على مذبح تطويع محكمة العدل العليا ومحكمة بداية خانيونس لخدمة أغراض سياسية، فهذا إن حدث سيقضي على أي أمل متبقٍ لاستقلالية القضاء إذا كان مثل هذا الأمل لا يزال باقيًا. لذا من الأفضل قبل إجراء الانتخابات الاتفاق على إزالة الألغام والأسباب التي أدى عدم الاتفاق عليها إلى حدوث ما حدث، ويمكن أن يؤدي إلى ما هو أسوأ مما حدث حتى الآن إذا سيطر العناد وأجريت الانتخابات من دون غزة، أو في ظل الأجواء التي تفجرت على خلفية عقدها.
يمكن أن يؤدي المضي في إجراء الانتخابات من دون إزالة العراقيل إلى عقدها في الضفة دون القطاع، وإلى توترات أمنية (انفجارات، إطلاق نار، مواجهات في أماكن الاقتراع)، أو تزوير للانتخابات على الأقل في بعض المواقع، كنتيجة محتملة في ظل ولاء الأجهزة الأمنية لقرارات فردية أو فصائلية.
ويمكن أن يؤدي عقد الانتخابات من دون إزالة صواعق التفجير إلى عدم الاعتراف بنتائجها من خلال تعطيل عمل المجالس التي ينتمي الفائزون فيها لفتح في قطاع غزة أو لحماس في الضفة.
طبعًا، كان ولا يزال من المفترض حصول وفاق وطني قبل إجراء الانتخابات لكي تكون انتخابات حرة ونزيهة، وتصب في خدمة كفاح الشعب الفلسطيني لإنجاز الحرية والعودة والاستقلال، وانتخاب مجالس قادرة على توفير أفضل الخدمات للمواطنين.
لقد طرأ تطور مهم في الأيام الأخيرة يمكن أن يعكس إيجابًا على مسألة إجراء الانتخابات المحلية، وهو إعلان الرئيس أثناء زيارته لموريتانيا عن دعوة قطرية جديدة لاستضافة حوار فتحاوي حمساوي في الدوحة، ويأمل الرئيس أن يؤدي الحوار هذه المرة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات.
لا أجازف كثيرًا إذا قلت إن الفرصة الآن أكبر للاتفاق على تشكيل مثل هذه الحكومة، نظرًا لالتقاء مصالح الرئيس و"فتح" و"حماس" وأطراف عربية وإقليمية على إفشال خطة "اللجنة الرباعية العربية"؛ لتوجّس "حماس" من ألا تكون وحدة "فتح" - وفق الخطة - إذا تحققت مقدمة لإنجاز الوحدة بين الفصائل، بل لمواجهة "حماس" وإسقاط سيطرتها، أو احتوائها تحت مظلة السلطة.
وإذا "نجحت" الجولة القادمة من الحوار فإن نجاحها لن يختلف عن "النجاحات السابقة"، أي سيكون نجاحًا مؤقتًا وشكليًا، وفرضته شروط ضاغطة سرعان ما تعود بعده "ريما لعادتها القديمة" بانتهائها. أي يمكن أن نكون أمام حكومة وحدة وطنية تكون غطاء لإدارة الانقسام، ولا تؤدي إلى توحيد المؤسسات والوزارات والأجهزة الأمنية والقضاء، وإنما محفلًا للجدال والصراع المتواصل داخل الحكومة حول كل الملفات التي لم يتم وضع برنامج لها قبل تشكيلها، ولم تحدد مرجعيات ومعايير وخطوط عامة لها؛ ما يجعل مثل هذه الحكومة - إذا رأت النور - تسير في حقل ألغام وانفجارها مسألة وقت لا أكثر.
هناك فرصة لكسر هذه الدوامة الرهيبة التي ستقضي إذا ما استمرت في الدوران على ما تبقى من مكتسبات ومن حضور للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال الاتفاق على:
• إجراء حوار وطني شامل يستهدف بلورة رؤية وطنية قادرة على شق مسار سياسي جديد.
• بلورة برنامج سياسي يحدد الهدف الوطني في هذه المرحلة، ويلزم كل الأطراف بأن قرار "السلم والحرب" قرار وطني لا يتخذه شخص أو تنظيم وحده، ويتضمن التزامًا مشتركًا بوضع خطة واقعية للتخلص من "اتفاق أوسلو" والتزاماته.
• التزام واضح وقاطع من "حماس" بإنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل التزام واضح وقاطع من "فتح" بإنهاء هيمنتها على المنظمة والسلطة، والشروع في بناء نظام سياسي، على أساس المشاركة الكاملة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية.
• إعادة بناء وتوحيد الأجهزة الأمنية وإصلاحها وتفعيلها وتقليل عددها على أساس عقيدة أمنية وطنية، وعلى أسس مهنية ووطنية بعيدًا عن الفصائلية والحزبية.
بعد إنجاز ما سبق، يُدعى الإطار القيادي المؤقت للمنظمة للانعقاد بعد توسيعه ليضم ممثلين عن المرأة والشباب والشتات، وفق الصلاحيات المحددة له في "اتفاق القاهرة"، والاتفاق على أن يقوم بوضع خطة لبلورة البرنامج الوطني المتناسب مع تحديات ومخاطر المرحلة الراهنة، والقادر على توظيف الفرص المتاحة، وعلى النظر بوضع السلطة والتزاماتها ووظائفها وعلاقتها بالدولة والمنظمة، على أن يحدد جدولًا زمنيًا لإجراء الانتخابات المحلية والعامة، بما فيها انتخابات المجلس الوطني، وبصورة يتم الاتفاق فيها على أفضل الصيغ لمشاركة القدس، على أن توظّف الانتخابات لخدمة معركة الشعب الفلسطيني التحررية.
ومن ضمن النقاط التي يتوجب على الإطار القيادي المؤقت الاتفاق عليها ترتيبات لمرحلة ما بعد الرئيس، إذ يمكن استحداث منصب نائب الرئيس وتفعيل المجلس التشريعي إلى حين انتخاب مجلس جديد خلال مدة يتفق عليها ضمن سقف زمني محدد.
طبعًا، مثل هذه الاقتراحات طموحة جدًا ويمكن أن تكون غير واقعية بعد مسلسل حوارات واتفاقات المصالحة التي لم تطبق، وبعد تعمق الانقسام أفقيًا وعموديًا وتعود الناس على العيش في ظله، ولكنها يمكن أن تكون قابلة للتطبيق إذا تحرّك الشعب الفلسطيني بقوة لفرض إرادته على طرفي الانقسام، وهي أكثر واقعية وجدوى من تشكيل حكومة نكاية بـ"الرباعية العربية" ما يؤجج الخلافات داخل "فتح"، الأمر الذي يفتح الساحة الفلسطينية لتدخلات عربية غير مسبوقة.

هاني المصري
2016-09-20
[email protected]