لم يخطر في بالي يوماً ما بأنني سأضطر للكتابة حول هذا الموضوع بالرغم من كل المكائد التي حيكت لتوريطي فيه ، وذلك منذ أن اكتشفت موهبة الكتابة بعد أن تم تفجير الطاقات الكامنة في داخلي لتخرجها، وكان سبب ذلك حقيقة هو ظلم كبير بسبب فكر مروجي بذور الفتنة هذه بين أبناء الضفة وغزة !، فكان البعض من أبناء غزة يتحدثون لي عن البعض من أبناء الضفة بأنهم جغرافيين ، وكان بعض ممن يلصقون تصرفاتهم بأبناء الضفة ينظرون إلينا وكأننا متخلفين ويتصرفون تصرفات عنصرية همجية كانت واضحة بأنها موروثة عن جهل وموجهة بدون تفكير!، تؤكد ما ذهب إليه البعض المهووس من أبناء قطاع غزة المنتفعين والوصولين من أصحاب المصالح الذاتية والنفوس الضعيفة، الذين لا يمكن تبرأتهم من هذا الفكر المشبوه وتغذيته!.
لكني كنت دائماً على يقين بأن وراء ذلك حكاية، ليس لها علاقة بأبناء الضفة وغزة بالرغم من فروقات الظروف الجغرافية الاجتماعية ، ولكنها حكاية متجذرة في نفوس مريضة ورثوها أثناء ظروف معيشة معقدة وتم تغذيتها بعناية لخدمة أهداف خبيثة لم تعد مجهولة!، وعندما سنحت الظروف لهم بنقلها بين أبناء شعبهم، حاولوا استغلالها استغلالا بشعاً خدمة لمأربهم ومصالحهم ونفوذهم وأهدافهم المشبوهة!.
لذلك عند مواجهة أدواتهم الوضيعة خاصة من بعض الملتحقين في الأقاليم الخارجية الذين يستخدمون الهم الوطني كبريستيج أو مغنماً لتحقيق مصالحهم الذاتية!، وذلك بحقيقة نواياهم الخبيثة هذه حول الإصرار على نشر هذه الفكرة الجغرافية المشبوهة، نجد أنهم كانوا يصرخون بالحديث وكأنهم أنبياء الله الصالحين للتأكيد على أن براءتهم من هذا السقوط الأخلاقي والوطني لا غبار عليها في تناقض مفضوح مع سلوكهم وأدائهم!، وذلك بكيل التهم جزافا وتوزيعها في كل حدبٍ وصوب، ووصف محاولات البعض بعيداً عنهم، بأنها محاولة زرع بذور الفتنة بين أبناء شعبنا الفلسطيني وتحديداً ما بين أهل الضفة وغزة، وأن هذه المحاولات مشبوهة لا تخدم الا الاحتلال الإسرائيلي وكأنهم في حالة براءة تامة من هذه الشبهة اللعينة!، وأنهم ليسوا الخدم لتنفيذ هذه الخدمة المجانية للاحتلال الذي يسعون لتحميله أخطاءهم وبشاعة أنانيتهم ووقاحة سقوطهم الوطني من خلال استخدامه كشماعة لستر نواياهم الخبيثة، كونهم يعرفون حساسية هذا الأمر وطنياً ، حتى لا يحتقروا أنفسهم وأفعالهم، وحتى يهربون من حقيقة أنهم بمثابة أدوات خيانية سواء كانوا يدركون ذلك أم يجهلونه!.
إن ذهبنا إلى جانب أخر من المشهد الوطني، سنجد أنه ظل الحصار الغير أخلاقي المفروض على قطاع غزة بالتحديد، لابد أن نسمع صرخات إنسانية ترفض هذا الواقع وتتطلع لأن يكون هناك مشاعر إنسانية، وتطالب بمقابلة هذه الصرخات بالأيادي الحانية الحنونة والصدور الواسعة الكريمة بأخلاقها الوطنية ، كونها في وضع أكثر رفاهية!.
لذلك لا أستغرب الصرخة التي خرج علينا بها عنوان مثقف من أبناء قطاع غزة له احترامه ومكانته الاعتبارية وهو هامة وطنية وكادر وطني معروف بأنه لم يكن يوماً ما جغرافياً، وذلك بصرخة حملت بين ثناياها وجعاً وألماً ، كما حملت هماً وطنياً كبيراً، حينما قال فيها " مع انسداد الأفق في كل مسارات الحالة الفلسطينية، وتحديداً الغزية منها، أدعو إلى تشكيل حركة باسم (غزة تجمعنا) تضم كل الغزيين باختلاف مشاربهم، وإلغاء كل التسميات الفصائلية كلياً، فتعالوا نتوحد ولو لمرة واحدة دفاعاً عن مصالحنا، دعونا لا نكون ملكيين أكثر من الملك، نتمسك بقيم واهية وأطفالنا يذبلون كل يوم في انتظار الحلم - الوهم"!، وهنا لابد من التوقف عند هذه الكلمات بعقلانية ودق الجرس أمامها!، حيث أنها تعبر عن ضجر كبير من سلوكٍ جغرافيٍ مشبوه بات مفضوحاً ولا يطاق ضد أبناء قطاع غزة، وبالتالي فإن قائل هذه الكلمات في تقديري لم يكن يعبر عن نفسه فقط بل بات يعبر عن شرائح كبيرة في المجتمع الغزي الذي بات يتحسس فكرة عزله وتجيير موارده وحرمانه من أدنى حقوقه الإنسانية من داخل غزة وخارجها، مما ينذر بانفجار فكري بات وشيكاً له ما له وعليه ما عليه!، لربما تصبح كلمات بذور فتنة لا تتلاءم مع حجم نتيجته!.
كيف لا ، وقد خرج علينا أيضاً كاتب صحفي معروف باعتداله الفكري ودفاعه المستميت عن وحدة الوطن ومراعاته لضرورة فهم الواقع الفلسطيني وتحدياته وتبريراته للخطايا التي يقوم بها أصحاب القرار والنفوذ!، وذلك بصرخة أخرى بالأمس عندما قال في مقالة له بعنوان كارثة غزة ومعبر رفح " لا أحد يعرف ما السر في عدم تدخل السلطة في التخفيف عن الكارثة المتفاقمة رغم ادراكنا لما قامت به حركة حماس، لكن في النهاية، فان مواطني قطاع غزة هم رعايا السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مسؤولة عن كل الفلسطينيين في الداخل والشتات!، التي كانت تقدم لهم العون في ظل تواجد الاحتلال عندما كانت في تونس، حيث أنها لم تدخر جهداً للتخفيف عن معاناتهم، وكلنا يعرف أن السلطة اذا طلبت من مصر شيء من هذا القبيل بإمكان إيجاد حل وسط لتخفيف هذه المعاناة!، حيث أنه كلما فتح المعبر في أوقات متباعدة، يقول الناطقون الرسميون باسم الرئاسة أنه تم فتح المعبر بناءاً على طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس!، فهل هم يورطون الرئيس؟!، فطالما أنه يفتح عندما يطلب من الجانب المصري ذلك، فلماذا لا يطلب مهنه ذلك دائماً؟؟ إذا كان الأمر بهذه البساطة"!، وكأن هذا الكاتب لم يعد يحتمل الوضع الكارثي نتيجة المعاملة الازدواجية اتجاه شكري الوطن، فقال كفى لعزل غزة والتعامل مع أبنائها بازدواجية باتت مفضوحة ولم تَعُد تُحتَمَل!.
كما خرج قبل يومين مسؤول إعلامي سابق كان يعمل في السلطة بدرجة وزير ، حيث عبر عن احتجاجه على الطريقة الصماء التي يتم التعاطي بها مع أبناء قطاع غزة!، وذلك في مقالة له تحت اسم " المسكوت عنه في غزة" ، تحدث فيها عن الازدواجية والقمع الإداري الغير قانوني الذي يتعرض له أبناء قطاع غزة دون سواهم!، وذلك في إحدى المؤسسات الفلسطينية كمثال واحد فقط يحاكي الكثير من الأمثلة التي باتت تحدث يومياً في مؤسسات السلطة الفلسطينية، هذا عوضاً عن العمل المتسارع على تفريغهم من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن العمل جار ومستمر من قبل مجموعات محددة تمارس أقصى درجات العنصرية في التعاطي مع أبناء شقي الوطن لضمان التبعية والاستفراد بمقدرات الوطن وما تقدمه الدول المانحة وإسقاط مبدأ الشراكة الوطنية !، مما يعمل على تعميق الفجوة في العلاقة وخلق بيئة فاسدة تترعرع فيها أفكار مثل هؤلاء المنبوذين وطنياً والذين لا يستطيعوا أن يعيشوا في بيئة وطنية صحية مبنية على التوافق الوطني وبعيدةً عن فكرة الإقصاء الجغرافية!.
لربما يخالفني البعض الرأي فيما ذهبت إليه ولكني أود أن أضرب مثلاً لتأكيد الفكرة، وذلك من خلال حادثة بسيطة ولكنها مكررة في كثير من المواقف سواء الظاهرة منها أم التي تتم بصمت ، حيث أنها تعبر عن هذه الثقافة العنصرية الأنانية الخبيثة الموروثة والتي يتم رعايتها بعناية مقصودة ومبرمجة!، وهي أنني دخلت في نقاش حول فكرة المصالحة الوطنية مع ابنة مسؤولة كبيرة جداً قريبة من أصحاب القرار في الصف الأول والدائرة المغلقة جداً!، وكان ذلك بحضور إثنين من أصحاب الفكر الجغرافي ، فوجدت ردها ملوثاً حيث قالت بأن المصالحة تعني فتح الباب أمام الغزيين ليستعيدوا قوتهم وبالتالي سينتقمون لما حصل بهم طوال السنوات الماضية!، فقلت لها ممن سينتقمون؟!، هل سينتقمون من أهلهم وإخوانهم في الضفة ؟! ، ولا زلنا كغزازوة كما يحلو للمهووسين أصحاب هذه الفكرة المشبوهة أن يسموننا، حيث تفتح بيوت أهلنا في الضفة لنا على مصراعيها لا بل يضعوننا في عيونهم وفي قلوبهم وعلى رؤوسهم ، ونستقبل منهم مشاعر إنسانية حارة تضامنية رائعة وراسخة ودائمة ، وبالتالي عن أي انتقام ووهم أنتم تتحدثون؟!، وما هذا الفكر الملوث الذي أسركم لتصبحوا أدوات لتضييع الوطن بأكمله فتضيعوا أنفسكم وتضيعوا غيركم ؟!.
إذاً ، الأمر لا يتعلق بالانتقام بين الأهل والشعب الواحد ولكنه يتعلق بحالة وهم يتم تسويقها بعناية ، لكي يضمن الذين ظنوا بأنهم أسياد على قومهم وأهلهم بعد أن عاشوا فترة من العبودية!، فارتأوا بالتوافق الفكري فيما بينهم أن تكون وظيفتهم هدر مقدراته وإذلالهم فقط لضمان تبعيتهم وعدم مشاركتهم في بناء وطنهم!، لكن كونهم باتوا يتحسسون رؤوسهم نتيجة أفعالهم المشبوهة هذه ، فبدأوا يطلقون فقاعاتهم الفارغة ، لأنهم يدركون بأن لكل حادث حديث ويتخوفون من دائرة الزمن، بالرغم من يقينهم بأننا شعب متسامح لم يعرف في أطباعه وحياته وتقاليده الانتقام!.
لذلك في تقديري ، أن يكفوا عن توزيع خزعبلاتهم، وأن يتذكروا بأن أهل غزة هم جزء أصيل من هذا الوطن، شاءوا أم أبوا، وأنهم لن يكونوا يوماً في عداءٍ أو صراعٍ مع أهلهم في الضفة الذين تربطهم وحدة المصير والدم وهم الوطن الواحد!، أما الدخلاء على الفكر الوطني النقي والانتماء إليه!، لم يعد لأفكارهم الملوثة والمشبوهة هذه مكان في القاموس الوطني، فأصبحوا منبوذين بعد فشلهم في ضمان ترسيخ حالة الشقاق التي تحافظ على بقائهم ومصالحهم!!.
أخيراً الجميع يعرف بأن العيش بأمن وأمان وسلام يكون في وطن معافى من الأحقاد والأوجاع والألآم، لذلك مهما حاول الساعين لزرع بذور الفتنة أن يختبؤوا ويبرئوا أنفسهم، فإنهم لن يستطيعوا أن يزرعوا بذورها بين الأهل والشعب الواحد في الضفة وغزة، لأن أبناءهم باتوا يدركون أن الحقيقة تكمن بأنه لا وطن بدونهم كشركاء تربطهم شراكة وطنية لا تبعية هدفها ترسيخ تفككهم وانفصالهم لضمان ضعفهم والمتاجرة بألآمهم وأوجاعهم!.
بقلم/ م . زهير الشاعر