واضح بأن الأطراف العربية والإقليمية بمحاورها المختلفة المتقابلة والمتصارعة،تسعي لكي يكون أي ترتيب او مصالحة فلسطينية تتم تخدم مصالحها واهدافها واولوياتها في المنطقة والساحة الفلسطينية،وهي تنطلق بمبادراتها تلك ليس حبا لا بفلسطين ولا بالشعب الفلسطيني وبمصالحه العليا.فما ان طرحت "الرباعية" العربية مبادرتها القائمة على خارطة طريق لترتيب البيت الفلسطيني كما قيل،ترتيب اوضاع حركة فتح أولاً وبعدها اوضاع السلطة ومن ثم المنظمة ومن بعد ذلك التحرك السياسي والمفاوضات على أساس المبادرة العربية،هذه المبادرة استشعرت السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح منها انها تريد ان تفرض عليها شروط وإملاءات وتدخل في شؤونها الداخلية،هدفه العمل على ايجاد ترتيبات سياسية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس تخدم اهدافها ومصالحها،وتؤمن لها وجود قيادة فلسطينية تتفق معها في الرؤيا والموقف،ولذلك قال الرئيس عباس بأنه على الذين لديهم امتدادات عربية في الساحة الفلسطينية والشأن الفلسطيني قطعها قبل ان يقطعها.ويبدو ان الجهد والمسعى الرباعي العربي قد أمكن صده من حركة فتح والسلطة الان،ولكن لا اعتقد بأن حركة فتح بواقعها الراهن ومحاورها وتكتلاتها قادرة على الصد والتصدي لهذه المشاريع مستقبلاً،وخصوصاً بان ترتيب البيت الفتحاوي والفلسطيني،بات مطلباً داخلياً قبل ان يكون عربيا واقليميا،طبعا مع اختلاف المنطلقات والمصالح والأهداف.
لم يمر وقت طويل حتى إستشعرت كل من قطر وتركيا بأن مشروع "الرباعية" العربية يستهدف تطويق حليفتهما حركة حماس،تلك الحركة التي تتقاطعان معها في الفكر والمصالح والأهداف،حيث قطر وتركيا تتوليان مسائل الإعمار ومشاريع التنمية والإغاثة في القطاع،ولذلك يجري الحديث الان عن طرح مبادرة سياسية جديدة للمصالحة بين فتح وحماس برعاية قطرية،وهذه المبادرة تاتي في إطار التصدي لمبادرة "الرباعية" العربية وإجهاضها،وانا أرى انها تندرج في إطار المشاغلة والمناكفات السياسية،وترك الساحة الفلسطينية تائهة في زحمة المبادرات.
شعبنا الفلسطيني صغيره قبل كبيره،يدرك بان المصالحة الفلسطينية،ليست بحاجة الى أي عاصمة عربية او إقليمية،لكي ترتب اوضاعها واوراقها وبيتها الداخلي،فهناك اكثر من مبادرة طرحت من فصائل وقوى وشخصيات فلسطينية ،تحتاج فقط الى إرادة سياسية ونضج قيادي وتغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الفئوية والتنظيمية ونبذ الصراع على سلطة منزوعة الدسم،يسيطر الإحتلال على فضاءها وبرها وبحرها،ولسنا بحاجة الى ان نكون جزء من المحاور والصراعات العربية والإقليمية،تلك العلاقات والتدخلات التي انعكست سلبا على شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني،وحتى على وجودنا في تلك الدول،فنحن شعب واقع تحت الإحتلال،بحاجة الى أن تقف الى جانبنا كل الدول العربية والإقليمية،ويجب ان نعمل على نكون طرفاً جامعاً وموفقاً بين تلك الأطراف،لكي تشكل السند والداعم لنا.
أما اذا استمرينا في رهن اوراقنا ومصالحتنا الى قوى عربية او اقليمية، فلا اعتقد بأننا سنصل بقضيتنا ومشروعنا الوطني الى بر الأمان،حيث كل طرف يتدخل في شأننا الداخلي سيعكس وجهة نظرة ومصلحته قبل مصلحة الشعب الفلسطيني،وهذا لا يقربنا من المصالحة،بل يبعدنا عنها كثيراً،فالجميع بات يدرك بأن بقاء الحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،ليس فقط تشجع العدو على اللعب على هذا الوتر والقول بغياب الشريك الفلسطيني،بل هذا يجعله "يتغول" و"يتوحش" على شعبنا وحقوقه المشروعة،ويكثف ويصعد ويزيد من حجم ووتائر استيطانه بشكل كبير جداً في القدس والضفة الغربية،لتصل الأمور حد السعي لضم الضفة الغربية الى دولة الكيان،وطرح المشاريع السياسية التي تعود بالضفة الغربية الى عهد روابط القرى البائدة ونظام "المخترة" من قبل وزير الدفاع الصهيوني المتطرف "ليبرمان" أو ما يسمى بسياسة "العصا والجزرة" والثواب والعقاب،وخلق أجسام فلسطينية محلية،يجري التفاوض معها كبديل عن السلطة الفلسطينية،وما نشهده اليوم من عمليات قتل واعدامات ميدانية بحق اطفالنا وشبابنا،في ظل حالة من الإنسداد للأفق السياسي،وعدم قدرتنا على رسم وبناء استراتيجية فلسطينية موحدة للمواجهة والتصدي لهذا الإنفلات والعربدة الصهيونية،سببه المباشر ضعفنا وإنقسامنا.
علينا ان نعي جيداً بأن التطورات العربية والإقليمية والدولية تسير بوتائر كبيرة جداً،وتوفر أي مناخات وإنفراج لحلول سياسية تقودها روسيا وامريكا في المنطقة،ستكون الساحة والقضية الفلسطينية جزء منها،ولذلك في ظل شرذمتنا وإنقسامنا،لن نكون قادرين على مواجهة ودحر أية مشاريع سياسية قد تشكل خطراً على قضيتنا وحقوقنا الوطنية وثوابتنا،وخصوصاً أننا نرى بان الحالة العربية "مندلقة" على التطبيع بشكل غير مسبوق مع دولة الإحتلال،وبالتالي قضيتنا لم تعد لا بوصلتها ولا جوهر اهتماماتها واولوياتها،ولذلك يجب ان نحصن انفسنا بوحدتنا وإنهاء إنقسامنا،لكي نمنع اختراق ساحتنا من أية مشاريع سياسية مشبوهة او حلول سياسة قد تفرض علينا،تفكك مشروعنا الوطني وتنهي قضيتنا وتقودنا نحو كارثة حقيقية.
الحلول لخلافاتنا وتحقيق المصالحة،لا يتم طبخها أو استولادها في العواصم العربية والإقليمية،وأي عاصمة عربية تقدم لنا العون والمساعدة على قاعدة مصلحتنا الفلسطينية اولاً،فنحن سنقدرها ونحترمها،ونرى بان ذلك ما يمليه الواجب الوطني والقومي عليها،اما ان تربط تلك المساعدة او العون باجندات ومصالح،وان نكون جزء من محاور وتكتلات،فهذا يحتم علينا ان نبتعد عنها،فالضرر الواقع علينا سيكون أضعاف الفائدة المتحققة منها،والتجارب امامنا كثيرة ومؤلمة،تدخلاتنا في الشأن المصري والسوري وغيرها،تركت نتائج وخيمة على شعبنا ووجودنا.
ولسنا بحاجة لمبادرات للمصالحة من أي عاصمة عربية او إقليمية،بل إذا ما امتلكنا إرادتنا،فنحن قادرون على تحقيق المصالحة وإستعادة وحدتنا.
بقلم/ راسم عبيدات