سيادة الرئيس : إلى أين ؟! (1)

بقلم: زهير الشاعر

تأملت مطولاً عدة نقاط مما جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام قمة عدم الإنحياز التي عقدت مؤخراً في جزيرة مارغريتا الفنزويلية ، ومنها حينما قال " إننا نتطلع إلى دعم دول حركة عدم الانحياز للمبادرة الفرنسية لعقد المؤتمر الدولي للسلام، وبما ينهي الصراع جذريا وينزع الذرائع من المتطرفين ودعاة الإرهاب، فنحن نريد السلام للجميع دون استثناء" ، أيضاً عندما أشار خلال خطابه بأنه يحرص على إتمام المصالحة الفلسطينية حينما قال" إننا نعمل على إنجاز المصالحة الفلسطينية والمضي نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ونعمل على إعادة إعمار قطاع غزة، للتخفيف من عذابات شعبنا ومعاناته، وفك الحصار المفروض عليه، ونحن ماضون في بناء مؤسساتنا الوطنية وفق المعايير الدولية والأسس الديمقراطية، وسيادة القانون، وضمان حقوق الإنسان، وتمكين المرأة والشباب"، فعدت قليلاً إلى الوراء!.
حينها لم أتفاجأ أبداً بذلك ، لأنني لست من الذين يفتقرون للقدرة على ربط الأحداث مع بعضها، حيث تعمقت بتسلسلها وفهمت حينئذٍ بأنه مع غياب تحديد السقف الزمني لما يطرح وأليات تحقيقه، بأننا لا زلنا أمام ملهاة عبثية!،حيث لازال يبقى الحديث كله في دائرة الاحتراف النظري لاستهلاك الوقت بهدف ضمان البقاء والحفاظ على المكتسبات!، بدون رؤية لتقديم أي خطوات تنفيذية أو ملموسة تحاكي متطلبات الوقاع وتحدياته!، وكان ذلك واضحاً بعد تضارب التصريحات حول الاتصالات بخصوص المصالحة التي أعلن عنها الرئيس محمود عباس والتي حاول تأكدها رئيس كتلة حركة فتح الفلسطينية عزام الأحمد بدون وجود أي إشارات تدعم كلامه ، في حين نفاها نفياً قاطعاً نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية د. موسى أبو مرزوق!.
لذلك لم يكن مستغرباً بأن يتم نشر صوراً عدة على مواقع الإنترنت الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بخصوص لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقر إقامة الأخير وذلك في مدينة نيويورك الأمريكية على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، وصفت بأنها تمثل انعكاسا للعلاقة الطيبة بينهما خاصة بعد ترويج أخباراً تتعلق بوجود حالة من الجفاء والتوتر بعد تصريحات موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس من المصالحة الداخلية التي حاولت أن ترعاها اللجنة العربية الرباعية التي تضم كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بمحاولة الالتفاف على دورها ومحاولة الإيحاء برفض خطواتها رفضاً قاطعاً.
هذا منذ البداية يتنافى مع ما جاء في خطابه أمام قمة عدم الانحياز مؤخراً ! ، لأنه ادعى بأن هذه المجهودات تمثل تدخلاً في الشؤون الفلسطينية الداخلية ومحاولة لفرض أجندة خارجية عليه، قاصداً بذلك بالتحديد مجهودات جمهورية مصر العربية التي نفى بدوره خلال لقاءاته في العاصمة البولندية وارسوا التي زارها الأسبوع المنصرم، بأنه كان يقصدها!، وذلك بعد استثارة الإعلام المصري الذي رفض كلام الرئيس عباس واعتبره إهانة للنظام الحاكم وللحكومة والشعب المصري، مما جعله يبدأ هجوماً إعلامياً مضاداً كان الجميع بغنى عنه لو تحلوا بالدبلوماسية والروح الوطنية المسؤولة، قبل أن تتدخل وزارة الخارجية المصرية على عجل لاحتواء الأزمة قبل اشتعالها وتوسعها خاصةً قبل الاجتماع الأخير لدول قمة عدم الانحياز في جزيرة مارغريتا الفنزويلية و الاجتماع الحالي للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك!، بالرغم من إدراكها أن الشعب الفلسطيني سيتفهم أي إجراءات سياسية مصرية ، وسيرحب بها في هذه المرة إن تم اتخاذها بصرامة وقسوة لإنهاء هذه الحقبة المتطفلة على مقدراته، لأنه شعب حي يدرك بأن مكانة مصر العربية ليس محل للمزاودة أو الاستخفاف بكرامتها!، وبالتالي فإن الصور التي نشرت لا تعبر عن حالة تراضي شخصية بل هي تأكيد على علاقة تاريخية بين الشعبين!.
حيث أن ما حصل في لقاءٍ كان معداً له بعناية للهروب من التزام المصالحة الفلسطينية الداخلية واستحقاقاتها أو لربما في سياق مناورة في إطار معطيات يدركها هو أكثر من غيره!، وذلك مع وفدٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة، من محافظات الضفة الغربية، وذلك قبل أسبوعين في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطريقة انفعالية وغاضبة لا تليق بمكانته، وفيها تحدٍ صارم لمجهودات عربية حميدة ، قادتها جمهورية مصر العربية ممثلة برئيسها عبد الفتاح السيسي، تتعلق بإعادة لم الشمل الفلسطيني، في إشارة منه لرفضه القاطع لأي مبادرات من هذه اللجنة في سياق محدد مهما كان شأنها وذلك في خطوةٍ ولغة تحدٍ غير مسبوقة ، لن تكون أمراً عابراً ، لا بل لها ما لها وعليها ما عليها!.
الرئيس عباس الذي هنأ مؤخراً الشعب الفلسطيني بكلمة مسجلة له بحلول عيد الأضحى المبارك ، كان قد تحدث قبل عدة أيام بلغة حملت عدة رسائل قوية ، حيث نُقِلَ عنه في فيديو بثه تلفزيون فلسطين الرسمي في إطار رسالة قوية موجهة لأطراف اللجنة الرباعية العربية ، حذّر خلالها من مغبة تدخل بعض العواصم - لم يسمها- وذلك في الشأن الفلسطيني أو التلاعب بحق تقرير المصير كما قال!.
وفي مَعرِض كلامه الملغوم الذي حمل تهديدات مفاجئة وصارمة وغير مسبوقة وموجهة، حاول التخفيف من وطأتها في خطاب التهنئة بالعيد، حيث أنه استدرك بأنه خلق ردود فعل عربية إعلامية ومواقف رسمية قاسية وحالة من البلبلة والتساؤلات لدى المراقبين، خاصة فيما أشار إليه في معرض حديثه عندما قال " يجب أن نتكلم كفلسطينيين، وكفى امتدادات من هنا أو هناك، فمن له خيوط من هنا أو هناك الأفضل له أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها!"، بدون توضيح ألية قطعها وإمكانية تحقيق ذلك!.
كما تابع في سياق كلامه المنفعل في ظاهره بلغة الجسد المحبوكة جيداً في جوهرها " فلنفكر كفلسطينيين، لا أريد أن أفكر في واشنطن ولا في موسكو، لا أريد أن أذكر عواصم لكي لا يتحسس أحد على رأسه، لأن هناك أناس يعملون في عواصم، أتركونا من العواصم وفلوسها وتأثيرها، نريد أن نعمل كفلسطينيين، هل نستطيع فعل ذلك؟!”، متناسياً بأن سياساته الفاشلة هي سبب المأساة الفلسطينية بأكملها !، حيث أنهى كلامه الذي لم يُفهَم مغزاه في حينه ولكنه بات واضحاً تماماً!، وذلك بتساؤل عن إمكانية تحقيق العمل كفلسطينيين متجاهلاً القيود القمعية التي تُفرَض على الطاقات الفلسطينية وحالة الإقصاء المسعورة التي يمارسها رجالاته بوعي أو بدون وعي ضد أبناء شعبه، وهذا يتنافى بالتأكيد ، وعلى الأقل مع فكرة ما ذكره في قمة عدم الانحياز حول سيادة القانون ، وضمان حقوق الإنسان، وتمكين المرأة والشباب الذين باتوا بدون أمل!، تنهشهم الأوجاع والألآم بدون أن يحرك من طرفه ساكناً لإيجاد حلول عملية لوقفها!.
لذلك يبدو أن سياسة الرئيس محمود عباس التي باتت مكشوفة أمام الجميع ، أنها لم تعد تنحصر في سياسة قتل الوقت واستنفاذه للحفاظ على وجوده في موقعه كرئيس فقط!، من خلال العمل على إبقاء الوضع الفلسطيني جامداً وبعيداً عن أي تطورٍ إيجابي أو حراكٍ داخلي يتجاوز مرحلة هذا الجمود الذي تسبب بشلل كامل لأي تطور داخلي على مستوى الإنسان الفلسطيني، لا بل تجاوزت نتائج ذلك في العمل على هدم أحلام أجيال بأكملها وتجسيد حكم الفرد الذي أطاح بكل القيم الوطنية ولا يأبه لمصلحة شعبه ولا يهمه أمالهم وأوجاعهم وضياع مستقبل أبنائهم!.
إذاً فالمصيبة الحقيقية التي لابد أن يدركها الجميع، تكمن في أن سياسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس دمرت الحالة الفلسطينية بالمجمل وخلقت حالة من الصراع لها عواقبها لاحقاً وأضرت بالمشروع الوطني بمجمله وحطمت أمال أجيال بأكملها وأسرت ما يقارب مليوني شخص في جزء أساسي ومهم وحيوي من الوطن، مما أدى إلى تركهم فريسة للأوجاع والأمراض وفقدانهم أحلامهم وتحطيم تطلعاتهم!. كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يجيد سياسة الرقص على المتغيرات والتناقضات والذي يتمتع بفهمه الكامل لنفسيات القيادات المجنونة حباً في السلطة والنفوذ والتي لم تحظى يوماً بثقته ، يبدو بأنه بات لا يفكر بأي شيء سوى نفسه ومصالح عائلته وحاشيته التي تدين بولاءات مطلقة له وتعي جيداً بأن وجودها مرتبطاً ببقائه في منصبٍ أصبح مغتصباً منه بوضع اليد لأنه فاقد للشرعية ومنتهي الولاية، لا زال يحرص على أن يتحدث للمجتمع الدولي بلغة إنشائية افتراضية يدرك الرئيس عباس قبل غيره بأنها غير واقعية ولا تحاكي الواقع وحقيقة معطياته على الأرض التي تتنافى بالمجمل والتفصيل مع واقع الحال، لا بل بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ولكن يبدو بأنه هذه اللغة هي التي تروق للمجتمع الدولي بأن يستمع إليها لأنه بات غير معنياً بالحفاظ على مبادئ العادلة التي يتبناها ويتفاخر بها!.
سيادة الرئيس، عن أي دعم للمبادرة الفرنسية تبحثون؟!، وأنتم من جعلتم الكبير والصغير، الشاب والشابة ، الطفل والعجوز من أبناء شعبكم يئنون وجعاً وأنتم لا زلتم تبيعونهم وهماً تلو الوهم! ، فهل لديكم من جديد؟!، وإلى أين أنتم ذاهبون قبل تحديد المصير لمرحلتكم البائسة واليائسة ، وقبل النهاية المحتومة التي سترسمها عاجلاً أم أجلاً ردود الأفعال الناقمة بسبب الجراح والأوجاع والألآم التي تسببت بها سياساتكم لشعب يستحق الحياة ولكن همجية وجشع وطمع رجالاتكم حرمته من أدنى حقوقه بذلك وتغولت بوقاحة غير إنسانية على لقمة عيش أطفاله لكي تدفع بعض أبنائه للتطرف والإرهاب؟!.

م . زهير الشاعر