حتى نكون واضحين مع انفسنا فإن عمليات الاسناد والدعم للأسرى المضربين عن الطعام دون المستوى على كل الصعد والمستويات والحالة السياسة الهابطة التي نعيشها من إنقسام ملقي بظلاله على كل مناحي حياتنا وقضيتنا،والأسرى جزء من هذه الحالة،فالحركة الأسيرة المنقسمة،لم تضامن مع ذاتها وفقدت قرارها الموحد واداتها التنظيمية الوطنية الموحدة،وقرارها الإعتقالي الموحد،وهذا جعل ويجعل المعارك الإعتقالية التي تخاض من قبل الأسرى أفراداً وفصائل أصعب واكثر خطورة واطول مدداً زمنيةً من الإضرابات الموحدة... الإضرابات المفتوحة عن الطعام،معارك الأمعاء الخاوية.
نعم يجب علينا التوقف بشكل جاد ومسؤول أمام الإضرابات الفردية والفصائلية،والتي ندرك تماماً بأن من يقدمون عليها من الأسرى يكونوا قد استنفذوا كل الوسائل والأساليب من أجل تحقيق مطالبهم،ولكن هذا الشكل من الإضرابات الذي يأتي بشكل مفاجئ وبقرار ميداني من الشخص او الجهة التي ستقوم به،يتاخر التعطي معه من قبل الجماهير على مستوى الدعم والإسناد او التحشييد والتعبئة،او تنظيم الأنشطة والفعاليات،ناهيك عن التباينات والتعارضات في المواقف من مثل هذه الإضرابات،والتي أصبح العامل الحاسم في تحقيق النصر او الإنجاز فيها راجع بالدرجة الأولى فيها للأسير او الفصيل الذي/ين قام/وا بالإضراب المفتوح عن الطعام،ومحيطهم الأسري والعائلي وأبناء الفصيل،يضاف لذلك الحاضنة الشعبية من مجموعات شبابة وفعاليات شعبية ومؤسساتية من لجان ومؤسسات واندية ولجان أسرى،ومشاركة غير فاعلة او بالزخم المطلوب من قبل القوى والفصائل،في حين موقف السلطة يتأرجح بخجل بين اللعم،وتبقى تحركات السلطة في الإطار العام والدبلوماسي والسياسي،وعادة ما يكون تحركها نتاج للتحركات الجماهيرية والشعبية،التي تمارس ضغوطاً كبيرة عليها للتدخل،خاصة ان سقوط أي أسير من المضربين عن الطعام شهيداً،يعني أنها ستصبح في دائرة الإتهام،وخصوصاً أن السلطة أصلاً لم تول هذا الملف الإهتمام الكافي،وهي متهمة بالتقصير والتخلي عن الأسرى.
بدون مزايدة أو "ثورية" زائدة الإضرابات بهذه الطريقة أصبحت تربك الجماهير،التي تجد نفسها بحسها الوطني والعفوي في معمان معارك الدفاع والمشاركة في إسناد ودعم هؤلاء الأسرى،ولكن بدون عملية تحشييد وهيئة ذات طابع ميداني تشرف على وتقود تلك الأنشطة والعفاليات،فإن حركة التضامن والمشاركة تكون ضعيفة والإستجابة ليست كما يجب،حيث سابقاً كان يخصص لهذا النوع من الإضرابات لجان عليا ولجان محلية في كل محافظة او حتى قرية،ويكون برنامج نضالي وطني يجري على أساسه السير في المناشطات والفعاليات الشعبية والجماهيرية،من مظاهرات ومسيرات وإعتصامات وحتى إضرابات مفتوحة عن الطعام في الصليب الأحمر،ويرافق ذلك كله عمليات تعبئة وتحريض من قبل الفصائل لعناصرها ومحيطها الإجتماعي والحزبي والجماهير لأوسع مشاركة جماهيرية في إسناد الحركة الأسيرة،بحيث تصبح كل ساحات الوطن،وحتى خارج حدوده شعلة نشاط ونضال لنصرة قضية هؤلاء الأسرى.
اليوم علينا ان نعترف بأن الحركة الأسيرة أوضاعها،ليست كما كانت عليه قبل أوسلو،فمن بعد أوسلو ضربت الكثير من المفاهيم والتقاليد والقوانين والضوابط الإعتقالية والحزبية التنظيمية،حيث تعطلت الكثير من اللجان والمؤسسات الإعتقالية،وحتى الأوضاع الداخلية للتنظيمات،أصبحت حياتها الداخلية غير منتظمة،ولم يتم إيلاء الحلقة الثقافية أدنى إهتمام،وفي ظل مرحلة أوسلو الكثير من الأسرى بدل من أن يُدخلوا كتب ثقافية للمعتقلات،أصبحوا يخرجونها مع الأهل،على اعتبار أن " أبراشهم" أسرتهم على الأبواب،ولم تعد مكتبة سجن عسقلان كبرى المكتبات الإعتقالية،تضم سوى رفوف مهللة وكتب ذات مضامين دينية وتفسيرات قرآنية وسيرة نبوية وغيرها.
بفعل اوسلو تلقت الحركة الأسيرة ضربة قوية،أعادتها عدة سنوات للوراء،وبفعل الإنقسام كانت الضربة قاصمة جداً،إنشطرت وإنقسمت الحركة الأسيرة،ولم يعد هناك أي شكل من أشكال الوحدة في الموقف والقيادة والمطلب،بل غدى تحريض أطراف الحركة الأسيرة وبالذات طرفي الإنقسام (فتح وحماس) ضد بعضها يفوق التحريض على إدارة السجون واجهزتها الأمنية التي تستهدفها كمجموع،ولتصل الأمور إحلال العلاقات البلدية والجهوية والشللية بين أفراد التنظيم الواحد في السكن والمواقف،بدل العلاقات التنظيمية والحزبية،وأكثر من مرة لم يستجب أسرى لتعليمات وأوامر قياداتهم بشأن التركيبة السكنية،وحتى الإلتزام بالقرارات التنظيمية.
هناك ملفات عليها إجماع من كل مركبات ومكونات الحركة الأسيرة،قضية الإعتقال الإدراي،وهي قضية مخالفة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين والإتفاقيات الدولية،ومستندة الى أنظمة وقوانين الطوارئ الإنتدابية،وبالتالي هذا الملف،ملف الإعتقال الإداري لا أرى بأن المعركة حوله من اجل قبره وإسقاطه،يجب ان تتم من خلال الإضرابات الفردية أو الجزئية،بل يجب أن تكون المعركة حوله،معركة كل الأسرى الإداريين، وأعتقد بأن المعركة هنا،ستكون مدعومة حتى من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية،التي لا تعترف بشرعية الإعتقال الإداري،بدلاً من أن يخوض أسير اداري منفرداً كل فترة المعركة حول فترة اعتقاله الإداري واستمرار احتجازه واعتقاله تحت طائلة هذا القانون اللا أخلاقي ولا إنساني ،فما المانع أن تكون المعركة جماعية حول هذا الملف من اجل إغلاقه..؟؟، ليس معركة الحركة الأسيرة لوحدها،بل معركة شعب بأكمله،باحزابه وفصائله ومؤسساته الحقوقية والإنسانة والمجتمعية وسلطته،وكل ألوان طيفه المجتمعي والوطني،هنا أعتقد بأن حجم الإنجاز المتحقق،سيكون أعم وأشمل،بحيث يسقط مشروع وشكل من أشكال الإعتقال بأكمله،بدلاً كل مرة وخلال فترات متباعدة أن يدخل أسير أو أكثر في معركة نضالية منفرداً متسلحاً بإرادته فقط،وبدعم محدود من حركة أسيرة دخلت في مرحلة الأزمة والإنقسام،وكذلك جماهير لديها الكثير من الهموم المثقلة بها،بسبب الحرب الشاملة التي يشنها المحتل عليها،في وضع تترهل فيه الفصائل،مما يجعلها غير قادرة على الحشد الشعبي والجماهيري،وإسناد المعركة الإعتقالية كما يجب،فهذه معركة بشموليتها يتوحد فيها الجميع،بحيث تمكن من اكبر حشد شعبي وجماهيري ووطني وسياسي،خلف قضية مجمع عليها،ليس فلسطينيا،بل حقوقيا وإنسانياً ودولياً،وطرحها على المحافل والمحاكم الدولية يقود الى النصر فيها.
بقلم/ راسم عبيدات