خارطة طريق نتنياهو

بقلم: صلاح صبحية

 


خارطة طريق نتنياهو
بقلم : صلاح صبحية


في كل عام نسمع من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة خطابات كأنها بمثابة صك غفران يقدمه الواقفون على تلك المنصة الدولية ، ومن بين الذين وقفوا على هذه المنصة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ، هذا الرجل الذي يتحدث نيابة عن الحركة الصهيونية العنصرية يتهكم في خطابه على دول العالم ، وربما يكون محقاَ في تهكمه هذا إذ أنّ معظم الدول قد منحته مكانة غير قانونية في الشرعية الدولية وفي العرف الإنساني ، فهو يخاطب رؤساء ومندوبي الدول بقوله ( ... الدول تعترف بأن اسرائيل هي دولة متقدمة ذات العديد من الخبرة في محاربة الإرهاب ، وجهاز مخابراتنا من الأفضل في العالم ، العديد من دولكم تبحث عن مساعدتنا في الحفاظ على أمن بلادكم ) ، كلام بغاية الأهمية والخطورة ، فأهميته تنبع من أنّ كيانه الذي قام على احتلال فلسطين وطرد أهلها منها يشكل دولة هامة بين دول العالم ، وخطورته أنه بدون مساعدة الكيان الصهيوني لهم لن يكون أمن وأمان في دول العالم ، فالكيان الصهيوني له ذراعه الأمني الذي يخترق كل دول العالم ، وهذا الكيان بحاجة إلى حماية ذاته من خلال تعاونه مع دول العالم أكثر من حاجة دول العالم إليه لتأمين الحماية لهم ، فنتنياهو لا يهمه حماية الآخرين بقدر ما يهتم بحماية نفسه من خلال التعاون مع الآخرين أو السيطرة عليهم ، فأي تهكم واستهزاء هذا الذي يمارسه نتنياهو بحق دول العالم وجهاَ لوجه .

ولأن الكيان الصهيوني ولد بقوة الاحتلال المدعومة من بريطانيا دولة الانتداب على فلسطين ، ولأنه مولود غير شرعي قام على تجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه التاريخية فهو يتهكم اليوم أمام زعماء العالم على مجلس حقوق الإنسان بقوله ( أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو نكتة كبيرة ، لأنه يقوم سنوياَ باستنكار اسرائيل أكثر من أي دولة أخرى بالعالم ) ، إذا كان الغزاة الصهاينة يمارسون يومياَ سلب الفلسطينيين حقوقهم ، فكيف لا يستنكر مجلس حقوق الإنسان جرائم الاحتلال الصهيوني من قتل وتدمير واقتلاع أشجار ومصادرة أراض وإقامة جدار فصل عنصري وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية على أراضي الفلسطينيين ؟ أم أن نتنياهو يريد من مجلس حقوق الإنسان أن يبارك للاحتلال أعماله العدوانية اليومية ضد الشعب الفلسطيني .

ويذهب نتنياهو مستخفا بقادة دول العالم بين مبتسم له ومتعجب منه ومتواطىء معه وهو ينفي صفة الإرهاب عن كيانه الذي قام على الإرهاب بقوله ( بينما يستنكر الزعماء الاسرائيليون الإرهاب بكافة أشكاله ، الفلسطينيون يدعمون الإرهاب ويمولونه ) ، معادلة صهيونية تتوازن صهيونياَ وأمريكياَ ولكنها لا يمكن أن تجعل الميزان معتدلاَ على أرض فلسطين ، حيث يتناسى نتنياهو نشأة كيانه الصهيوني الذي يفاخر به ، هذا الكيان الذي قام على الإرهاب بكل أشكاله ، فمن الذي ارتكب مئات المجاز في القرى والبلدات الفلسطينية ، ( دير ياسين ، الطنطورة ، عين الزيتون ، قبية ، نحالين ، كفر قاسم ، السموع ، عين البقر ، صبرا وشاتيلا ، قانا ) ، ومن الذي يجتاح المدن الفلسطينية اليوم ، ومن الذي شنّ العدوان المسلح تلو العدوان على قطاع غزة ، ومن يهدم المنازل الفلسطينية ، يبدو أن نتنياهو ينسى في الصباح أوامره وقراراته التي يعطيها لجنوده في الليل ، بينما يتهم الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بأنهم يمارسون الإرهاب ، فمتى كان الدفاع عن النفس والأرض والسكن إرهاباً ، وقد أجازت قرارات الشرعية الدولية _ التي يقف اليوم نتنياهو على منبرها _ لأي شعب تحتل أرضه مقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل المتاحة له ، ومع هذا فإنّ الفلسطينيين لا يمارسون إلا أبسط أنواع المقاومة والتي هي حق مشروع لهم .

ويذهب نتنياهو إلى أبعد من ذلك مستغلاَ حالة التشظي العربي ، ليرسم خارطة طريق للمنطقة ، حيث ينهي حالة العداء مع دول المنطقة ، طالباً منها العمل المشترك ضد أعداء مشتركين هم إيران و داعش عندما يقول ( أن العديد من الدول في المنطقة باتت تفهم أن اسرائيل ليست عدوا ، بل صديق وحليف محتمل ، أعداؤنا هم إيران و داعش ، وأهدافنا المشتركة هي الأمن والسلام والاستقرار ، آمل أن نعمل سوية في المستقبل لتحقيق هذه الأهداف ) ، إنها خارطة طريق واضحة كل الوضوح تجعل من الكيان الصهيوني حامية للدول من خطر إيراني مزعوم ، بل وأكثر من ذلك فهو يدعو إلى حرب طائفية سنيّة ـ شيعية على أرض واسعة في المنطقة ، فقد استطاع نتنياهو الذي كان يدرك مغزى الربيع العربي منذ انطلاقته بأنه تدمير لكل دول المنطقة بما فيها إيران وتركيا أن يتجرأ اليوم على هذا الطرح الخطير الذي تساوق معه العديد من دول المنطقة .

فهل نستطيع اليوم قراءة نتنياهو جيداً ، وهو يخاطب العالم مزيفاً الحقائق ، وواضحاً فيما يريد ، كأنّ نتنياهو يوضح لنا طريقه بأن كيانه الصهيوني هو السيد المطلق في المنطقة .

23/9/2016 صلاح صبحية