ثلث اجمالي المعتقلين خلال "انتفاضة القدس" كانوا من الأطفال

بقلم: عبد الناصر فروانة

استهداف اسرائيلي ممنهج للطفولة الفلسطينية

إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تستثنِ الأطفال يوماً من اعتقالاتها، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، ولم تراعِ صغر سنهم، ودون أن تلبي الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، كما لم تحترم الاتفاقيات والقوانين الدولية في تعاملها معهم، فاعتقلت الآلاف منهم وعذبتهم جسدياً ونفسياً وعاملتهم بقسوة واحتجزتهم في ظروف مأساوية، وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، واقترفت بحقهم انتهاكات جسيمة وجرائم عديدة، وأصدرت بحقهم أحكاماً بالسجن الفعلي وصلت في بعض الأحيان للسجن المؤبد (مدى الحياة).

إن كافة الوقائع والإحصائيات تؤكد على أن هناك استهداف إسرائيلي ممنهج للطفولة الفلسطينية، وأن أعداد المعتقلين من الأطفال بمختلف المراحل العمرية قد ارتفع بشكل مضطرد وبوتيرة متصاعدة منذ العام 2011، وأن تلك الاعتقالات قد ارتفعت أكثر وبشكل غير مسبوق خلال "انتفاضة القدس" التي اندلعت في الأول من تشرين أول/ أكتوبر من العام المنصرم، فاعتقلت منذ ذاك التاريخ وحتى أواخر أغسطس 2016 نحو (2423) طفلاً، ذكورا وإناثاً، وهي أرقام كبيرة وغير مسبوقة، خاصة اذا ما علمنا أيضاً أن وهؤلاء يشكلون قرابة ثلث اجمالي المعتقلين خلال "انتفاضة القدس"، فيما تفوق عما سجل من اعتقالات للأطفال خلال ذات الفترة قبل عام، بنسبته تزيد عن (200%).

ولعل الأخطر أن تلك الاعتقالات لاتزال مستمرة، ولا تزال سلطات الاحتلال تعتقل في سجونها ومعتقلاتها قرابة (400) طفل تتراوح أعمارهم مابين 12- 18 عاماً، بينهم (13) فتاة، ومن بينهم من يخضع للاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة.

إن كافة الأطفال الفلسطينيين الذين مرّوا بتجربة الاعتقال قد تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وأن الشريط الذي نشر ويظهر فيه تعذيب الطفل "أحمد مناصرة" هو غيض من فيض مما يتعرض له الأطفال من تعديب. ليس هذا فحسب، بل وإن غالبية الأحكام التي صدرت بحقهم-ان لم أقل جميعها- كانت مقرونة بغرامة مالية باهظة، وإن العشرات منهم قد صدر بحقهم حكماً بالحبس المنزلي لاسيما بحق الأطفال المقدسيين. وهذا نوع من أنواع العقاب الجماعي للأطفال وذويهم، اذ يحول البيوت الى سجون ويجعل من الآباء والأمهات سجانين على أبنائهم الأطفال.

وبالتالي نرى أن عنوان الهجمة الإسرائيلية لوأد "انتفاضة القدس" وإخماد لهيبها، هم الأطفال، حيث من الواضح أن إسرائيل تهابهم وتخشى مستقبلهم، لهذا وظَّفت كل أجهزتها وأدواتها لقمعهم وبث الرعب في نفوسهم، وأقرت عدد من القوانين للانتقام منهم وتغليظ العقوبة ضدهم، وتسعى لتشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير على توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية، بشكل يخالف كافة المواثيق الدولية لاسيما اتفاقية حقوق الطفل.

ولذلك فإن الاستهداف الإسرائيلي المتصاعد ضد الأطفال الفلسطينيين وتأثيرات تلك الانتهاكات والجرائم المروعة التي تُقترف بحقهم، يشكل خطراً حقيقياً على واقعهم ومستقبلهم وأوضاعهم الصحية، في ظل الممارسات التعسفية التي تُقترف بحقهم خلال الاعتقال، وأشكال التعذيب الجسدي والنفسي بعد الاعتقال، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية كالتعليم والعلاج أثناء فترات الاحتجاز.

وأمام كل ما ذُكر فإن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) وكافة المؤسسات الدولية التي تُعنى بالطفل وحقوق الإنسان، مدعوة إلى التدخل العاجل لحماية الأطفال الفلسطينيين من الإجراءات الإسرائيلية، والعمل الجاد من أجل إطلاق سراح كافة الأطفال المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ووقف الاعتقالات التعسفية والانتهاكات الجسيمة والجرائم الفظيعة التي تُقترف بحقهم.

بقلم/ عبد الناصر فروانة