حيدر عبد الشافي ، الطبيب ، المبدع ، الخلوق ، المناضل ،المفكر ، بكل صفاته هذه الذي انحاز فيها إلى لغة شعبه وبالتالي, ترجم كل ذلك إلى لغة من العطاء على الصعيد الطبي المهني والاجتماعي والنضالي لقد كان مدرسة مبكرة العطاء للعقليات الفلسطينية الفذة .
حيدر عبد الشافي الذي صاغ بدايات التجربة الفلسطينية برنامجا ً وعملا ً بعد الاحتلال مباشرة حينما قامت في أوائل عام 1968 أول المجموعات للجبهة الوطنية لمقاومة الاحتلال بتحريض الجماهير على رفض كل الوقائع التي أفرزها الاحتلال على قطاع غزة ، فكانت أول المنشورات التي كانت توزع في المدارس وفي الشوارع وفي المنازل وفي كل أرجاء غزة في وحدة! وطنية مكتملة الأداء والفعل .
ما قبل بدايات التجربة وفي أوائل الخمسينات حيث تعددت الإرهاصات لبدايات التجربة الفلسطينية فكانت الأحزاب وكان هو أحد أعلامها وكان الوعي وكان هو أحد أعلامه وكان الإخلاص وهو أحد مؤسسيه قي التجربة الفلسطينية .
عطاء متكامل لهذه الشخصية في جميع جوانبها الفذة فهو قائد ليس ككل القادة الذين أبدعوا في مجال واحد بل حيدر عبد الشافي الذي أبدع في ك! ل المجالات والجوانب التي تمليها عليه مأساة شعبه وقضيته الفلسطينية لقد كان طبيبا ً عطوفا ً ينحاز للفقراء ولم يكن جمع المال همه فكثير من الحالات التي عاصرتها في فترة الخمسينات والستينات حالات مرضية في ظل فقر مضقع للاجئين الفلسطينيين في المخيمات كان هذا الرجل عطوفا على حال شعبه ، فكثير من الحالات المرضية التي تم تعامله معها بلا مقابل .
لست هنا بصدد البحث في تاريخ هذا الرجل والتدقيق فيه فاسمه يغني عن كل ذلك وتاريخه الحافل تتحدث عنها أجيال الستينات والخمسينات وما بعدها ما قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال .
رجل رفض أن يكون ثريا ً على حساب شعبه ، رجل رفض كل مظاهر السلطة واغرائاتها ولأن الأصالة تتنفس من مساماته وانحاز في كل جوانب عمله من أجل اللاجئين والفقراء في الشعب الفلسطينية وقضيته العادلة .
كان جسورا لم يكترث لكل إجراءات الاحتلال الصهيوني فشكل أول حالات الرفض الشعبي للاحتلال وشكل جبهة مقاومة لسلطة البلديات ورؤساء البلديات والمحليات والتي أراد منها الاحتلال خلق واقع تسيري للشعب الفلسطيني في ظل السلطة الأمنية الإسرائيلية ، أعمال كثيرة وجليلة ونظرة ثاقبة لكافة الأمور ويعرف هذا الرجل من أين يبدأ وأين ينتهي .
لقد هاجمه كثير من المتشرذمين الذين لم يروا من واقعهم المتشرذم إلا ما هو مكشوف لديهم ومباح لديهم من فصائلهم .
لقد كان رافعة لمنظمة التحرير في عطائها وأدائها السياسي والدبلوماسي أثناء مؤتمر مدريد فكان ذو الحجة القوية المدعومة تاريخيا وشعبيا أمام الغزاة القتلة المغتصبين الصهاينة للأرض الفلسطينية .
محطة بارزة من كثير من المحطات البارزة لحيدر عبد الشافي لقد ر! فض أوسلو ورفض جميع الإغراءات لكي ينسجم مع لغة أوسلو ومدرستها وهاجمه أيضا الكثيرون وحاصره الكثيرون ولكنه بقي شامخا ً رافضا ً لمهزلة أوسلو وأول من حاصروه وحاصروا نهجه المقاوم هم من الآن يترحمون عليه ويغطون شاشات الفضائيات بكيا وتباكيا على تلك الشخصية الفذة .
نعم أننا شعوب لا نعلم قيمة من أجاد به الله لنا من قيادات إلا بعد فوات الأوان ، فعندما ظهرت أوسلو بجميع سلبياتها وأيقن حيدر عبد الشافي أن لغة الشرذمة والنزعة الفصائلية ستدمر كل الإنجازات الفلسطينية فقد اختار الطريق الثالث المبادرة الوطنية للخروج هو وشعبه من دوائر التدمير لأي منجز وطني ولكن لغة الشرذمة كان صوتها أعلى من لغة العقل التي قادها حيدر عبد الشافي .
إنهم هاجموه ويا حسرة على كل مفكرينا وقادتنا الذين مضوا بشرف الأمانة والإخلاص لله وللوطن والشعب هاهو حيدر عبد الشافي يرحل وهو يحمل على كتفيه كل هموم الشعب الفلسطيني .
إنه المدرسة لكثير من كوادر هذا الشعب ولو أخذ هؤلاء الكوادر ما تحدث به حيدر عبد الشافي قلن تبقى غزة محاصرة وهي في واد والضفة وتيار أوسلو في واد أخر يلهوا ويعبث في الشأن الفلسطيني والقضية الفلسطينية .
لك الحب والاحترام أيها الفارس الفلسطيني في حياتك وفي رحيلك فانت حي في سجل التاريخ النظيف من قيادات هذا الشعب وعلى الدرب يبقى الوفاء .
سميح خلف