بالتزامن مع انطلاق أعمال الجمعية العامة خلال شهر أيلول الحالي انطلقت موجة متفائلة من التصريحات التي تشير إلى أن الأشهر الثلاثة المتبقية من هذا العام تنطوي على فرصة غير مؤكدة لإحياء عملية التسوية على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بعد أن أشار الرئيس الأميركي باراك اوباما في خطابه امام الجمعية العامة إلى "ان احتلال إسرائيل لأراضي الفلسطينيين لن يستمر إلى الأبد"، جاءت تصريحات وزير خارجيته جون كيري حول إمكانية تحقيق تقدم في ملف التسوية، لتعطي دفعة قوية تثير التفاؤل بشأن العنوان الأبرز لهذه التحركات الذي يحمل اسم المبادرة الفرنسية.
إسرائيل ومنذ فترة وهي تبدي تخوفاتها من أن "يصفّي" باراك اوباما حسابه مع حكومتها المتطرفة، قبل رحيله عن البيت الأبيض من خلال تقديم إدارته مشروع قرار لمجلس الأمن بشأن الاستيطان.
كنا برباعية واحدة هي الدولية المعروفة التي انزوت لفترة ليست قصيرة ثم عادت للظهور مجدداً، فأصبحنا أمام رباعية أخرى عربية يبدو أنها بتنسيق ستتكفل بتقديم مشروع القرار نيابة عن الآخرين لمجلس الأمن الدولي خلال فترة قريبة.
أن تأتي المبادرة لتقديم مشروع بشأن الاستيطان إلى مجلس الأمن الدولي، من قبل الرباعية العربية، يعني إعفاء الإدارة الأميركية من أن تسجل على نفسها سابقة لم تحصل قبلاً بأن تكون هي من يلحق ضرراً بالسياسة الإسرائيلية.
فضلاً عن ذلك تبدو الأوضاع الدولية مهيأة أمام مبادرة الرباعية العربية، ذلك أنه لم يبق أحد له علاقة في هذا العالم إلاّ وأدان بطريقة أو بأخرى الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، واعتبره عقبة في طريق السلام.
بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، الولايات المتحدة، الرباعية الدولية، دول أوروبية منفردة، ومجتمعة كلها أطلقت تصريحات تحمّل السياسة الإسرائيلية الاستيطانية المسؤولية عن تعطيل عملية السلام. حتى روسيا التي ظلت على مسافة بعيدة عن جهود السلام، صرح وزير خارجيتها لافروف أن بلاده ستدعم أية مبادرة لتحقيق السلام، خصوصاً بعد أن أفشل نتنياهو مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعاه والرئيس محمود عباس لعقد لقاء مباشر في موسكو.
والحال أن فرنسا التي تحظى مبادرتها بموافقة ودعم عدد كبير من الدول الفاعلة عربية ودولية لا تزال مصرة على المضي قدماً، نحو التحضير لمؤتمر دولي، فعلت إسرائيل الكثير لمنع انعقاده، لكنها حتى الآن لم تنجح في زعزعة الإرادة الفرنسية.
تعلم إسرائيل هذه المرة، أن الأمور مختلفة عن كل المبادرات والمحاولات السابقة، وأنها لا تملك الكثير لكي تبدد الإجماع الدولي والعربي، الذي يلتف حول المبادرة الفرنسية، تحدوه رغبة قوية في تحقيق إنجاز، ولذلك لم يبق لنتنياهو من دفاعات سوى أن يردد بأن الاستيطان لا يشكل عقبة أمام السلام. من الواضح أن السياسة الفلسطينية نجحت في حشر الخطاب الإسرائيلي في الزاوية، وبدلاً من أن يردد نتنياهو مقولات شارون، من أنه لا يوجد شريك فلسطيني، أصبح الفلسطيني يلاقي تفهماً من المجتمع الدولي حين يقول: "إنه لا يوجد شريك إسرائيلي".
بعد فترة طويلة من تحمل الرباعية الدولية والاحتكار الأميركي للملف، تخللها سياسات إسرائيلية عملية، وارتكب خلالها الجيش الإسرائيلي المزيد والكثير من جرائم الحرب، بعد كل ذلك لم يعد ممكناً لأي طرف لأن يواصل دعم السياسة الإسرائيلية أو التواطؤ مع سياساتها التدميرية.
ليس هذا وحسب ما يوفر قوة الدوافع لتحريك هذا الملف، وإنما أيضاً التطورات الإقليمية الخطيرة التي تتحرك على سطح المنطقة أساساً وتداعيات ذلك على مصالح واستراتيجيات الدول الفاعلة على المستوى الدولي.
الآن تدرك إسرائيل أنها لا تستطيع التوسع في المنطقة، وتطبيع علاقاتها مع المحيط العربي، دون أن تقدم حلاً للفلسطينيين، والآن يدرك العديد من الدول العربية أنها لا خيار أمامها في مواجهة ما تعتبره الخطر الإيراني، إلاّ باستخدام القوة الإسرائيلية.
هؤلاء العرب وضعوا الخطر الإيراني في مقدمة أولوياتهم، وكذلك تفعل إسرائيل، لكن الأولى لا تستطيع الدخول في تعاون مع إسرائيل دون أن يتوفر غطاء فلسطيني، والغطاء الفلسطيني معروف وواضح، ولذلك من الصعب على إسرائيل، أن تحقق ما تريد عربياً، دون أن تقدم الثمن على جبهة الصراع مع الفلسطينيين.
إذاً الفرصة المتاحة، لا تنتمي إلى صحوة ضمير، بقدر ما انها تعكس حراك المصالح، محلياً ودولياً، بما في ذلك مصالح إسرائيل، فهل ستنجح حكومة نتنياهو في أن تحقق هذه المصالح لها وللآخرين دون أن تضطر لدفع الثمن للفلسطينيين؟
طلال عوكل
2016-09-26