اغتيال الكاتب الأردني المعروف ناهض حتر،ليس استثناءا في تاريخنا العربي والإسلامي،ومن يعتقد بأن عمليات قتل وتكفير وتخوين عشرات العلماء والمفكرين والأدباء والكتاب والفلاسفة،كانت تجري على خلفية دينية،فهو واهم ويقرأ السياسة كحساب وليس جبر،وحملة هذا الفكر التكفيري التخويني ذو المعاني والمضامين الوهابية الاقصائية الإرهابية،هو ليس خارج السياقات او النص،او معزول عن الواقع ومسقط عليه،او انه مؤقت وطارىء،وليس له بيئة حاضنة،ففكر "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من المتفرعات الإرهابية من تشكيلات وألوية أخرى وبمسميات مختلفة لنفس المنتج تمارس ومارست القتل في ليبيا والعراق وتونس واليمن وسوريا،هذه الجماعات الوهابية التكفيرية،هي ابنة هذه البيئة،وهي موجودة في سياقاتنا الاقتصادية،الاجتماعية،السياسية،الفكرية،التاريخية والأمنية،"داعش" وليدة فكر فقه البداوة،وليدة فكر السجون والكهوف،طورا بورا وغوانتنامو،وليدة لإحدى القراءات الإسلامية التي تكفر ولا تعترف بغيرها من المذاهب والمدارس الإسلامية والديانات الأخرى،"داعش" هي وليدة فشل الدولة العربية الحديثة في اقامة مجتمعات المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية،"داعش" تكون حيث يكون الجوع والفقر والتخلف والجهل،وسيادة ثقافة الدروشة والشعوذه والأساطير والخرافات،وتنمو في مجتمعات القهر والفساد والإستبداد،وهي نتاج الديكتاتورية والقمع وغياب الديمقراطية والإقصاء واسنداد افق العمل السياسي والديمقراطي وعدم المشاركة في صنع القرارات وغيرها.
ولـ "داعش" أخوات وأمهات في تاريخ العرب والمسلمين،القديم منه والحديث، وهي تنهل من حقب ومراحل في التاريخ العربي والإسلامي، ساد فيها العنف والاغتيال وحروب "الإخوة الأعداء"،فأكثر الصحابة والمبشرين بالجنة قضوا في حروب الردة ومعارك "الفتنة الكبرى"، وثلاثة من أصل أربعة خلفاء راشدين،قضوا اغتيالاً ... وحرمة آل البيت ومكانتهم،لم تمنع من تقطيع رؤوسهم وسبي نسائهم وحروب الملوك والخلفاء في العهود اللاحقة، أزهقت أرواح عشرات الألوف من المسلمين وغيرهم.
وليس هذا فقط بل في العهدين الأموي والعباسي قتل عشرات المفكرين ورجال الدين والسياسة تحت يافطة وذريعة "حد الردة" والصحيح ان القتل جرى على خلفية مواقفهم السياسة ومعارضتهم للأنظمة القائمة وغلف القتل بالدين والتكفير والإلحاد.
إن من قتلوا ابن المقفع والحلاج وعبد الله بين الزبير وسجنوا وعذبوا وكفروا الفلاسفة والمفكرين ابن رشد والفارابي وابن سينا هم ينتمون لنفس الفكرة والمدرسة الممتدة والمتواصلة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، فالمفكر المصري الكبير فرج فوده قتل على نفس الخلفية في عام ١٩٩٢،ونشر الأمن المصري ملف التّحقيق مع القاتل والذي جاء فيه:
ليه قتلت فرج فودة؟ ده كافر يا بيه. ازّاي عرفت انّه كافر؟ من كتبه يا بيه. في أي كتاب له قرأت كفره؟ أنا ما عرفش القراءة يا بيه - طيب من وين عرفت انه كافر؟ - من شيخ المسجد يا بيه،وكذلك حدث مع الحتر.
وكذلك من كفروا وفرقوا بين المفكر الدكتور المرحوم نصر حامد أبو زيد وزوجته ابتهال يونس لكتاباته في الفكر الإسلامي والديني ومعارضته للنص المطلق،هم نفسهم من اغتالوا المفكرين حسن حمدان "مهدي عامل" وحسين مروه وقادة الجبهة الشعبية في تونس شكري بلعيد و محمد البراهمي،وهم نفسهم في ظل سيطرة "الفكر الوهابي التكفيري على الفضاء الثقافي والفكري والإعلامي العربي،منَ قتلوا في بيت الله في دمشق بعملية إنتحارية لأحد القتلة المجرمين المصاب بلوثة الحوريات العين العلامة الكبير محمد سعيد البوطي،وبنفس الحجج والذرائع يغتال الكاتب الأردني الكبير ناهض الحتر،المعروف بوطنيته ودفاعه عن المشروع القومي العربي،ووقوفه الى جانب سوريا وقوى المقاومة في حربها على القوى التكفيرية والإجرامية كادوات لقوى عربية وإقليمية ودولية،زجت بها من كل بقاع الدنيا،من اجل تدمير سوريا،وقتل وتشريد أبنائها ونهب خيراتها وثرواتها،وتفكيك جغرافيتها،وإعادة انتاج هويتها،والحتر الذي منع لمواقفه الوطنية والقومية من مزاولة الكتابة في الأردن وسجن على خلفية أرائه ومواقفه السياسية،تعرض لعملية تحريض سافرة،شاركت فيها وغذتها قوى التكفير الوهابية على طول إمتدادات الجغرافيا،ليس الأردنية فقط،بل والعربية،فالشهيد الحتر،لا ذنب له سوى أنه أعاد نشر رسم كاريكاتيري،استخدمه لكي يسخر من " الدواعش" في توظيف الدين لخدمة مصالحهم واهدافهم في ممارسة القتل،ودعوة الشباب للموت من اجل الحوريات في الجنة،وقد قام بحذف هذا الكاريكاتير من عن صفحته الشخصية،عندما شعر بان ذلك قد يوظف من قبل تلك الجماعات للتحريض على حملة الفكر الوطني والقومي،والمصيبة ان الحكومة الأردنية،لخوفها من ومهادنتها لتلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية،بدلاً من أن تتصدى لتلك الحملة الظالمة وتعتقل المحرضين،أطلقت العنان لهم للتحريض والدعوات بالقتل بعد ان اعتقلت الشهيد الحتر وقررت محاكمته،وما أن أطلق سراحه حتى قام أحد المأفونين المعروفين لأجهزة الأمن بتطرفه بإطلاق الرصاص على الشهيد في قلب العاصمة الأردنية،مما يجعل الحكومة الأردنية في خانة المتواطئة في عملية الإغتيال هذه.
والشهيد الحتر،الذي لديه ولدان هما المعتز بالله والمعتصم بالله،كتب مقالة في عام 2012م ينتصر فيه للرسول الكريم محمد (صلعم)،عندما تعرض لحملة ظالمة من قبل عدة صحف ورسامي كاريكاتير اجنبية،عنوانها ( انتصاراً لرمزنا القومي)،وفيها يقول " كان محمد بن عبدالله نبياً بالمعنى الديني .وكان نبياً بالمعنى القومي ، فبدعوته تأسست الأمة العربية ،وكان نبياً في ثورة، مناضلاً،وكان "خاتم النبيين"، فلا ادعاء بعده لولي أو شيخ أو حزب احتكار تمثيل الإسلام بعد قفل باب النبوة وبدء عصر الأمة في التاريخ الاجتماعي .بذلك ، فإن الرسول العربي (ص) رمز مربع الأركان : رمز ديني للمسلمين ورمز قومي للعرب ، ورمز ثوري للمناضلين من أجل التغيير،ورمز مدني للقائلين بالدولة المدنية .
هذا هو الشهيد الحتر المولود لعائلة عربية مسيحية،الماركسي الفكر،القومي والعلماني في السياسة،جرحته الإساءة للرسول الأكرم.
واختم بما قاله الباحث الصديق عدنان رمضان"الذين يتحدثون باسم الله والانبياء والكتب المقدسة ويستحضرون الاخبار من الجنة ويقفون على بابها لتوزيع الشهادات على خلق الله في مجتمعاتنا كثر ويتكاثرون ولا يحتاجون إلى اكثر من دشداش قصيرة و اطلاق الذقن وبعض الركعات وزيارة إلى بيت الله حتى يكونوا جزء من هذا التيار الهادر وهذا النهر المتدفق من المتحدثين باسم الدين يكسبون اتباعا ومريدين،وجنودا يبحثون حياة اخرة في جنة موعودة اصبح لها وكلاء منتشرون في كل مكان .
هذه الثقافة لا تتاتى من الجهل وتغذية التطرف والعنف وكانها امراض عرضية ومظاهر هامشية في حياتنا بل هو ثابت و منتشر وحتى انه السائد فلماذا نستمر نعيش ونكرر الكذب على ذاتنا ؟ فكثير من المؤسسات وبعضها مؤسسات رسمية والكثير من الجماعات المنظمة ومؤسسات اكاديمية وتعليمية ومراكز بحثية ودور نشر وشاشات وفضائيات ومحاضرين وما يطلق عليهم علماء وميزانيات ومليارات تخصص لانتاج هذه الثقافة وتعميمها،هذه الثقافة هي التيار الجارف والخروج عنها هو سباحة ضد التيار وليس العكس.
بقلم/ راسم عبيدات