المرجعية الوطنية هي الإنتخابات العامة وليس سواها!

بقلم: زهير الشاعر

يبدو لي أن أنسب وصف للحالة التي تمر فيها الأراضي الفلسطينية في هذه الأيام هي حالة إفلاس سياسي ، فبعد أن تم الإعلان عن إجتماعات موسعة لحركة فتح بهدف ترتيب البيت الفتحاوي ومنها التوجه للإعلان عن تحديد موعد 29 / 11 من هذا العام لعقد المؤتمر السابع لحركة فتح لإختيار لجنة مركزية جديدة وأعضاء مجلس ثوري جدد كما يرى ذلك بعض أبناء حركة فتح!، علماً بأن هذا التاريخ يمثل يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني حسب قرار الأمم المتحدة (رقم 32/40 ب)، وذلك من عام 1947 الذي إعتمدت فيه الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين (رقم 181 (II))، والذي غالباً ما يكون فيه الرئيس الفلسطيني خارج البلاد ليشارك في إجتماعات الأمم المتحدة المتعلقة بتلك المناسبة! .
مما يعني أن دائرة الوهم لا زالت تسير في طريق إستنفاذ أوراقها قدر الإمكان من خلال نشر هذا الإحتيال المحض على أوسع نطاق من أجل فتح الباب أمام الإنتظار الطويل لوهم لم يتحقق بعد، على أن يبقى بعيد المنال في التحقيق!، مع التأكيد على تمرير كل ما من شأنه ضمان القدرة على تحقيق الهدف المنشود لخلق الحزام الأمني الذي يتحكم في أي كينونة فلسطينية تحت أي مسمى ستنشأ في المستقبل.
لذلك لم يكن مستغرباً أن يخرج وزير الخارجية الفلسطيني د . رياض المالكي بتصريح غريب وكأنه يغرد خارج السرب ، للإيحاء بإهتمام القيادة الفلسطينية بإنعقاد اللجنة الرباعية العربية التي تضم كل مصر والسعودية والأردن والإمارات ، وذلك من أجل مناقشة قضية الإستيطان التي كان يحاول الجانب الفلسطيني أن يجد لها سوق ليعرضها على مجلس الأمني !، وذلك بعد أن هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع يد أي تدخل خارجي في الشأن الفلسطيني في إشارة منه لرفض تدخل هذه اللجنة في المساعدة في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، مما جعل تصريح الوزير المالكي محل إستهزاء وسخرية لا قيمة له.
من هنا ، وبعد الإعتراف الضمني بخطأ حركة "حماس" الفلسطينية بالسيطرة على قطاع غزة منتصف العام 2007، والتفرد بحكمه عنوةً وغروراً ، وما ترتب على ذلك من انقسام فلسطيني بغيض لازال الفلسطينيون يتجرعون مرارته حتى هذا اليوم!، لابد من الإدراك والإقرار بأن المرجعية القانونية الوحيدة للشعب الفلسطيني باتت في الإنتحابات العامة (رئاسية وتشريعية وبرلمانية) وليس سواها!.
بالمقابل، خرج أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح أمين مقبول بعد الخطاب الذي ألقاه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية والذي أقر فيه بالخطأ الذي إرتكبته حركته من خلال حكمها لقطاع غزة وعدم قدرتها على تحمل تبعاته!، وذلك بالقول بأنه لا بد لقطاع غزة من العودة للشرعية والسلطة، مما أثار تساؤلاً مهماً، ألا وهو عن أي شرعية كان يتحدث مقبول؟، وهل يعتقد أن هناك شرعيات لا زالت باقية وتمارس صلاحيتها بحكم القانون وليس بوضع اليد؟!.
لا يا سيد مقبول إذا كان مشعل أدرك خطأه متأخراً فهذا أمر جيد وحيوي بالنسبة لابناء الشعب الفلسطيني كافة ولطالما إنتظره الجميع ، ولكن لا يعني ذلك أن تتسلبط بعض الأطراف الأخرى خاصة التي إعتادت على الإنتفاع والعيش على أوجاع وألام ابناء شعبنا، وذلك على قيادة قطاع غزة البائس والذي ذاق الأمرين من تلذذ هؤلاء بإذلال ابنائه وهم قيادة باتت فاقدة للشرعية ومنتهية الولاية أيضاً وذلك بدون الرجوع لمرجعية تجديد الشرعيات.
لكن لا يمكن إغفال أن خطاب مشعل جاء بالتزامن مع قرار رفع اسم حركة حماس الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية الأوروبية، بالرغم من مطالبة واشنطن الاتحاد الأوروبي على إبقاء العقوبات عليها، وتوجه المفوضية الأوروبية للطعن في قرار محكمة العدل الأوروبية هذا.
كما أنه جاء بعد خطاب للرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة والذي كشف عن حقيقة أنه لم يعد لديه أي جديد من الممكن أن يقدمه للشعب الفلسطيني، لذلك بات معزولاً ولم يعد يحظى بأي مساندة شعبية حيث باتت أطروحاته إنشائية وإستهلاك للوقت بدون أي منهجية عملية أو ذو مصداقية!.
لذلك في تقديري أن خطاب مشعل لم يكن عفوياً، بل جاء في سياق المعطيات والمؤشرات التي باتت تتحدث عن إقتراب نهاية مرحلة الرئيس محمود عباس وبأن هناك توافق حول فتح الطريق أمام الإنتخابات الفلسطينية العامة لإختيار القيادة الفلسطينية الجديدة، وهي الخيار الوحيد لتجديد الشرعيات التي على ما يبدو إتفق حولها الجميع بعد الإنتهاء من مرحلة الرئيس محمود عباس، وبالتالي كانت هذه الخطوة التكتيكية إستباقاً للسيناريو القادم الذي يبدو بأنه سيحمل مفاجأت كبيرة من حيث التحالفات ويتطلب تجديد الثوب الفكري بما يتلائم مع الواقع الجديد ومتطلباته الإقليمية والدولية حيث يبدو أن المشهد الفلسطيني سيتغير برمته ولن يحاكي أمنيات من يريدون الإلتفاف على المرجعية الوطنية الحقيقية وهي صوت الشعب وقراره من خلال صناديق الإقتراع والإنتخابات!.
تنويه : ما طرح في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الدورة ال71 للجمعية العمومية حول خيار الدولة الواحدة، في تقديري أنه لا يعدو سوى بالون إختبار في إطار بروباجندا إعلامية بدون أي إسترتيجية واضحة ، وذلك في سياق الأمنيات وأحد خيارات الفريق الحاكم في محاولة لضمان البقاء والإلتفاف على متطلبات المرحلة خاصة فيما يتعلق بضرورة تجديد الشرعيات!.
أيضاً أستبعد صحة ما أشيع حول صدور قرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمنع السيدة الفاضلة د. جليلة دحلان رئيس مجلس إدارة مؤسسة فتا الإنسانية وذلك من الدخول إلى قطاع غزة كونها زوجة القيادي الفلسطيني محمــد دحلان، لأن ذلك يعتبر بمثابة حالة هزلية تهين صاحب القرار ولا تليق بسنه الزمني ومكانته الإعتبارية!.

م . زهير الشاعر