التصريحات التي أطلقها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الآونة الأخيرة تستحق التوقف عندها وهي مثيرة للجدل . أولها حين اتهم ما أسماه ب" الأيادي الناعمة والتدخلات الخارجية " ، على أنها هي من تفسد " طبخة المصالحة الفلسطينية ، وإن كان الفلسطينيين يتحملون جزءاً من أخطائهم ، لتأخرهم في إنجاز ثلاث أولويات هي إنهاء الانقسام ، وإنجاز المصالحة سريعاً ، وإعادة الحيوية للمؤسسات القيادية الفلسطينية " ، مؤكدا أن " الفلسطينيين لو تركوا لحال سبيلهم بمفردهم ، ولإرادتهم الوطنية الحرة ، فهم قادرون على أن يعالجوا أزماتهم " . مضيفاً " أنّ شعب فلسطين قدمّ صورة راقية في كيفية تعايشه مع الاختلاف ، وأنه بمقدوره تحويل التنوع إلى طاقة فعل لمواجهة الاحتلال ، وأنه في ظل التعقيد الفلسطيني ، والإقليمي ، والدولي ، وصعوبة المرحلة ، حدث ما حدث من الانقسام ، وشروخ في الجسد إلا أن إرادتهم ستتغلب على كل ذلك " .
والثاني تمثل في إقرار السيد خالد مشعل " بأن حماس قد أخطأت حين تفردت بحكم غزة قبل نحو عشر سنوات " مضيفاً إن " حماس أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد أحداث الانقسام الفلسطيني مع حركة فتح ، عقب فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006 ، وظنت بأنه أمر ميسور ثم اكتشفت بأنه صعب " . وتابع السيد مشعل على أن " القرار السياسي والنضالي لا يحق لأحد التفرد به ، وأخطأنا عندما ظننا أن زمن فتح مضى ، وحل زمن حماس ، وفتح أخطأت عندما أرادت إقصاءنا " .
نتمنى أن تكون تلك التصريحات قد أتت في سياق مراجعة للمرحلة السابقة وما اعتراها من مواقف ومعاندة لا زالت تبديها حركة حماس في استمرار قبضتها على قطاع غزة وإدارتها الظهر إلى كل المناشدات التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية بضرورة إيجاد إدارة وطنية لقطاع غزة من الفصائل . وبالتالي إعادة تقييم المرحلة المتصلة بما سمي ب" الربيع العربي " ، وما تعرضت وتتعرض إليها العديد من دول المنطقة وتحديداً في سورية ، حيث أثبتت الوقائع أن مواقف حماس لم تستند إلى فهم دقيق لطبيعة الهجمة التي قادتها الإدارة الأمريكية والغرب الأُروبي وأدواتهما الوظيفية في المنطقة . وهذا ما اعترف به السيد مشعل بقوله : " هناك خطآن وقع الإسلاميون فيهما خلال وقت الثورات ، الأول عندما بالغوا في تقدير الموقف وقلة الخبرة وغياب المعلومة الدقيقة ، والثاني الخلل والنقص في التعامل مع شركاء الوطن واعتماد نظرية البديل كانت خاطئة ، والصحيح يجب أن يكون هناك شراكة مع كافة شرائح الوطن " ، خاتماً كلامه بأن " الإسلاميين تنقصهم الخبرة والقدرة على إقامة شراكات سياسية في المنطقة " .
تصريحات السيد خالد مشعل ، - وهو الذي يتحضر بعد أشهر إلى مغادرة رئاسته المكتب السياسي لحركة حماس - ، أضع تصريحاته ومن باب الإنصاف ، في خانة جرأة الاعتراف بالخطأ وهي فضيلة يُثاب عليها . هذا الخطأ يفترض بالضرورة التصحيح في اتجاهين ، الأول ما يتعلق الإسراع بإنهاء الانقسام وانجاز المصالحة ، لكي نتمكن جميعاً من مواجهة التحديات والسياسات الإجرامية التي يمارسها الاحتلال الغاصب وحكومة نتنياهو . وإذا تعذر ذلك لأسباب أقرّ بها السيد مشعل وهي الأيادي الناعمة والتدخلات الخارجية ، وأضيف والحسابات الضيقة لحركتي حماس وفتح . فالمطلوب وحتى تتحقق الشراكة الوطنية التي أقرّ بها السيد خالد مشعل ، أن تسارع قيادة حركة حماس إلى تسليم قطاع غزة لإدارة وطنية موحدة من الفصائل . أما الاتجاه الثاني ، فالحركة مطالبة بإعادة تصحيح لعلاقاتها إن لم نقل إعتذارها من الكثيرين وفي مقدمتهم سورية التي غادرتها قيادة حماس مع بدايات الأحداث ، في خطوة اعتبرت تنكر لكل ما قدمته القيادة السورية لحماس على مدار سنوات تواجدها على الأراضي السورية . تلك المغادرة التي جاءت من خلفية " المبالغة في تقدير الموقف وقلة الخبرة وغياب المعلومة الدقيقة " ، وناقل الكفر ليس بكافر .
بقلم/ رامز مصطفى