الاحتلال اختار توقيت اطلاق شرارة الانتفاضة باقتحام شارون للأقصى ويتزامن تاريخها مع تاريخ انتفاضة النفق التي شكلت بداية التحول الاسرائيلي العنيف ضد السلطة الوطنية الفلسطينية من حيث التحصينات العسكرية وتغيير التجهيزات القتالية لجنود الاحتلال وتحضيرهم لهذا اليوم وتم اختيار شارون لتفجير الانتفاضة لما يحمله اسمه من استفزاز في الذاكرة الفلسطينية تجاه جرائم الاحتلال وهنا وقعنا في فخ شخصنة الامور بينما شارون يمثل نموذج تقليدي عن قادة الاحتلال واجرامهم في حقنا . وبذلك كان الخلل الأول للانتفاضة بانها انطلقت بتوقيت واختيار وترتيب اسرائيلي .
اما الخلل الثاني فقد كان من اعلامنا الفلسطيني الذي جارى الاعلام العربي والدولي وخصوصا قناة الجزيرة التي لعبت دورا مميزا في تأجيج الاوضاع واشعالها وجميعنا تأثرنا فيها وسلبت عقولنا وقلوبنا واشعلتنا حماسة للقتال ولكن في الحقيقة التي انتبهنا لها لاحقا ان الاحتلال قدم للجزيرة بشكل خاص كافة التسهيلات لتغطية الاحداث حيث كان معني جدا بتأجيج الاوضاع وقلب الانتفاضة من شعبية لاعنفية الى مسلحة عنيفة حيث كان يقول شارون لقادة الجيش لديه:
"أريد الفلسطينيين أن يقوموا كل صباح ويعدوا قتلاهم، أريد قتلى"، وقال لهم: "اقتلوا أبناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية باللباس الرسمي، اقتلوهم بسبب وبدون سبب".
وكان يقول شارون كما ورد على لسان احد قادة الأمن الإسرائيلي: "الويل لدولة إسرائيل إذا أوقفنا الانتفاضة هنا سيظن العالم ان الانتفاضة انتصرت علينا وأننا خسرنا". ويضيف: "لذلك المستوى السياسي كان لا يريد وقف إطلاق النار. الانتفاضة الثانية ممنوع أن تتوقف، في الـ2002 كان شارون يريد أن يواصل لينتقم".
الخلل الثالث كان في انخراط قوى الأمن بأسلحتهم الخفيفة بمواجهة قوات الاحتلال المجهزة بالدبابات والطائرات، وكان ذلك نتيجة الاجرام والاستفزاز الهائل الذي مارسه الاحتلال ليجرنا الى المربع العسكري الذي يناسبه لتتغير المواجه من شعبية لاعنفية الى مسلحة في ظاهرها بينما هي في الواقع بين جيش مسلح وقوات لا تمتلك من السلاح شيء يذكر .
وبذلك وقع الشعب الفلسطيني وقيادته بين فكي كماشة الاول جرائم الاحتلال بشكل استفزازي جدا كجرائم الاغتيالات للقادة التي لم تتوقف من اغتيال عوني ظهير وجمال عبد الرازق ومسعود عياد ورائد الكرمي وجرائم قتل الاطفال من محمد الدرة لإيمان حجو ... والفك الثاني للكماشة كان الاعلام وقناة الجزيرة بشكل خاص التي الهبت المشاعر لأقصى درجة ممكنة وبأعلى الإمكانيات والمؤثرات الاعلامية وبتسهيلات اسرائيلية كبيرة مما وضعنا في موضع لا يمكن لأي حكيم او عاقل ان يتدارك الموقف ويهدئ الأمور كي لا تصل بنا لمرحلة الدمار الشامل لكل انجازاتنا ومشروعنا الوطني مما فرض علينا قواعد جديدة للعلاقة مع الاحتلال واصبحت عودة الامور لما كانت قبل ايلول 2000 هدف صعب المنال .
رائد موسى/ أستاذ علوم سياسية