سيادة الرئيس : إلى أين؟! (3)

بقلم: زهير الشاعر

وددت كتابة مقالتي هذه قلب الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم أمام الأطر الفتحاوية ، لكي أوضح بعض النقاط بين السطور التي قد تكون قُرِأَت في غير سياقها!.
حيث أود أن أبدأها بتوضيح أنني لم أقرأ رسالة عضو المجلس التشريعي محمـد دحلان في سياق متناقض مع إيماني بمبدأ الحيادية، بل أؤكد بأنني قرأتها في سياق الرغبة بالمحاولة على التحريض للم الشمل وإبداء النصيحة بضرورة تجاوز الخلافات من خلال الوقوف على مسافة واحدة من الجميع ، وبالتالي لا يضيرني التفسير الذي يجئ على ألسنة البعض الذين يظنون أن الشمس تغطى بغربال ولا يريدون أن يروا الحقيقة كما هي واعتادوا البقاء في الظلمة!.
وكوني من الذين لا يحملون أي مشاعر غير سوية اتجاه مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن لم يكن العكس وهو بأنني أحمل له كإنسان مكانة خاصة في قلبي لأسباب أتحفظ عليها بالرغم من قسوتي في انتقاداتي للشأن الوطني العام وتحدياته، ولكني أؤكد بأنني أحترم واجبي جيداً ، وقد بادرت بالاتصال بنجله الأخ ياسر عباس عند وفاة فقيدهم عمر عباس لأقدم واجب العزاء له في فقيدهم ولعائلة عباس باحر الكلمات وأكدت عليه بأن مصابهم هو مصابنا جميعاً كوننا فلسطينيين وأبناء شعب واحد ، وأن فاجعتهم بالفقيد كانت متعلقة بعائلة الرئيس الفلسطيني الذي من المفترض أنه يمثل أوجاع شعبنا وهمومه والامه ويحمل على كتفيه المسؤولية عن أبنائه ولذلك نحن نشاطره الألم والوجع في مصابه الجلل.
لذلك ومن هذا المنطلق أود الإشارة لحادثة طريفة وبسيطة تلخص حالة الجهل التي يتعاطى بها أصحاب المصالح والنفوذ المنتفعين من الخصومات المفتعلة ، خاصة في ظل التشويش القائم بسبب الخصومة ما بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعضو المجلس التشريعي محمــد دحلان ، حيث أنني شاركت مؤخراً في انتخابات الجالية الفلسطينية في محل إقامتي كمرشح لرئاستها، وفوجئت بحجم الهجمة التي وجهت ضدي من خلال الإصرار على عدم إتاحة الفرصة لنجاحي بها، بالرغم من أنني كنت صاحب أول فكرة برنامج انتخابي غير مسبوق في تاريخ انتخابات الجاليات الفلسطينية على مستوى تواجدهم في العالم، وكان هذا البرنامج نابعاً من فكرٍ حضاري يحترم مكانة البلد العظيم التي نقيم فيها ونحمل جنسيتها ونقدر مكانتها لا بل نعرف أنه علينا أن نحترم قوانينها ومساحة الحرية التي تتيحها لنا ، حيث صنفني الفريق المنافس في هذه الانتخابات بجهل منقطع النظير بأنني أمثل تيار عضو المجلس التشريعي محمـد دحلان، وبالتالي هم يمثلون تيار الرئيس محمود عباس كما كان يحاكيهم خيالهم الواسع لكي يجدوا مادة يبيعون من خلالها الوهم لأنفسهم ولغيرهم متجاهلين خصوصية متطلبات الوضع ومكانته التي تحتم البعد عن الانتماءات الخارجية!.
وعندما بدأ العمل للتواصل مع المنتخبين حجبوا كل إمكانية للتواصل معهم وحصروها في أيديهم وكأننا في مشهد قطاع طرق وليس حالة تطوعية وفكرية وخدماتية في بلد متحضر يعتبر رائداً في العمل التطوعي واحترام مكانة الإنسان وحريته بكل قيمتها وجوانبها الحيوية، لا بل ذهبوا للمنتخبين ليظللوهم برواية كاذبة هي أنني ضامن الفوز كوني مدعوماً من السيد محـمد دحلان الذي لم أتذكر يوماً بأنه تم اتصال بيني وبينه، أو حتى كان يعلم عن تلك الانتخابات من طرفي لا من قريب ولا من بعيد ، كما كانوا يجهلون بأنني أؤمن بصلابة، بضرورة احترام خصوصياتي وخصوصيات بلادي في المهجر التي تمثل انعكاسا لحالة الوفاء والامتنان لها الذي لا يمكن أن يكون بدونها خير لي في وطني، حيث أنني أقدر مكانتها واعرف حدودي جيداً في التعاطي مع محاذيرها! ، بالمقابل كانوا يشيعون بين الناس بأنهم لا يمتلكون القدرات التي تؤهلهم للمنافسة أو للوقوف أمام هذه الإمكانيات الداعمة التي تصلني حسب خيالهم الواسع أو تدليسهم وأكاذيبهم!، وبالتالي هم يتطلعون للمساعدة مالياً وغيره لحشد الدعم لهم كأعضاء وليس دعماً لمن هو المرشح منهم لموقع رئيس الجالية، حيث أنه لأول مرة منذ عشرين عاماً يتم حشد هذا العدد الكبير من أبناء الجالية ليصبحوا أعضاء يحق لهم الانتخاب، وبالتالي خدعوا الجميع وفازوا بطريقة شيطانية!.
ومن الطرافة أيضاً أن بعضهم ذهب بعيداً وقال لبعض الأخوة المسيحيين من أبناء جاليتنا الكريمة حسب ما ذكر لي هؤلاء، بأنني محسوب على جهة فلسطينية أخرى تحمل الفكر الديني ، ليلعبوا بذلك بطريقة قذرة على وتر ظنوا بأن الفلسطيني من الممكن أن يقع في فخه أو أن تمر عليه مر الكرام ، ولكن قد خاب ظنهم كما خابوا هم!، وضاق عليهم فلك أكاذيبهم وخداعهم، بالرغم من أنهم حاولوا بعد ذلك سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن يستغلوا نتيجة الانتخابات إعلامياً وكأنه تنافس بين تيارين هما (تيار الرئيس عباس وتيار محــد دحلان) وهذا الأمر عارٍ عن الصحة ومجافي للحقيقة تماماً ولا وجود له إلا في مخيلتهم فقط لا غير وهذا تأكيد واضح وصريح لا غبار عليه ولا شكوك حوله أو فيه بأن هناك تفكير متحجر ومبرمج لتعميق أزمة مفتعلة بعناية!.
كما أنه في يوم الانتخابات التي تمت بطريقة هزلية ومفضوحة، وخلال إلقائي كلمتي، تم التشويش بشكل مقصود بالتوازي مع ممارسات سلوك همجي لتمرير الانتخابات بدون محاسبة ولا مساءلة ، مما أثار حفيظة البعض ليسألوا عن سبب هذه المناكفات ، خاصة بعد أن شاهدوا بأم أعينهم ، بأنه عندما تم الإعلان عن النتيجة ولم يحالفني الحظ بالفوز فيها ، قبلت بها بدون أي تحفظ بالرغم من إدراكي بأنها لم تتم حسب الأصول القانونية، وبأنهم حاولوا استدراجي لمشكلة لكي يصوروني كإنسان همجي فاقد لبوصلة العمل الجماهيري وفهم متطلباته! ، وحينها ابتسمت وباركت للفائزين وعبرت عن بالغ أمنياتي لهم بالتوفيق، إلا أن ردهم على استفسارات أبناء الجالية ممن تحفظوا على الطريقة التي تم التعاطي معي بها ، كان في سياق الخصومة الفاجرة من خلال نشر الشائعات والأكاذيب وبأنني كنت أمثل تيار دحلان تارة ومدعوم منه ومكلف بتدمير الجالية وتفكيكها ، وتارات أخرى نسجت فيها كثير من القصص التي لا أول لها ولا أخر بهدف عزلي والتشكيك بمصداقيتي حتى يتخلصوا م يظنون أنه عقبة في طريقهم!، فضحك من سمع الكلام كما ضحكت أنا عندما سمعته استخفافا بهذا التفكير الهمجي والمضمحل ، وكان رد من سمع هذه الخزعبلات بأنه (المقصود أنا) لم يدفع لنا ولا لغيرنا عضوياتنا ولم نسمع بذلك أنه حصل مع أحد ، كونه مدعوماً من فلان أو علان إن كان كلامكم صحيح!، بالمقابل يقال بأنكم أنتم من دفعتم العضويات للبعض من الناخبين بدون علمهم ولا موافقتهم وفقط من خلال استغلال عواطفهم وتظليلهم وتغييب الحقيقة عنهم، مما يعني بأنكم اشتريتم أصواتهم بطريقة غير قانونية، وبالتالي لا تعليق لأن الجواب أصبح واضحاً!.
من هنا لابد من الإشارة إلى أنه من الجدير ذكره ، أن السيد محمـد دحلان حسب المعطيات الإعلامية يستطيع أن يدفع عضويات لأبناء الجاليات الفلسطينية في كل أماكن تواجدهم في الشتات في كل العالم لو أراد ذلك ، إن لم يكن من ماله الخاص فهناك علاقاته التي تؤهله لكي يجد مصادر لتغطيتها! ، ومع ذلك لم ألحظ يوماً أو أسمع من أحدٍ، أن هناك أحداً من طرفه قد اتصل لكي يقدم عرضاً منه بما ذهب إليه هؤلاء المهووسين لأنه يعرف يقيناً كيف يميز بين الغث والسمين وهو أكثر العارفين كغيره الكثيرين بأن هناك فرق كبير بين الثرى والثريا وبين أصحاب العقول الناضجة والمتفتحة الذين يعتبرون بأن كرامتهم هي خط أحمر لأنها تمثل عنوانهم ويحترمون ما يسمح به لهم القانون ولا يتجاوزونه وبين المتسولين من أصحاب العقول الفارغة!.
كما أنه في تقديري أن صاحب الطموح الذي يتطلع لأن يكون جزءاً من قيادة شعبه لا يمكن أن يفكر بتدمير مؤسساتهم في كل أماكن تواجدها إن لم يعمل على المساهمة في بنائها، وما أعرفه عن دحلان من خلال وسائل الإعلام أو غيرها ، بأنه وبغض النظر عما قيل فيه وشراسة التهم التي وجهت إليه ، إلا أنه على ما يبدو لم يدخر جهداً ليساهم في فتح بيوت ويعمل على مساعدة الطلاب لإنجاز دراساتهم الجامعية ، وبالتالي لابد من التيقن بأن خيال أولئك وأمثالهم المنتشرين كالجراد من مثيري الفتن ومن يثير في أنفسهم هذه النزعات الجغرافية المقيتة في كل أماكن تواجد الفلسطينيين، إن لم تكن مأجورة أو نابعة من جهل عميق بالواقع الفلسطيني وثقافته، هو يمثل وصفة سحرية لتعميق التشرذم والتفكك والدمار ، لذلك يجب الإدراك بأن هذه الأفعال المريضة لا تصدر إلا من أناس غير سوية لا تتعدى مكانتها سوى القبول بأن تكون أدوات تحركها خزعبلات لا قيمة لها، ولذلك لا يجوز التعاطي معها أو الالتفات لأكاذيبها أو ما يأتي منها في سياق تقارير كيدية يكتبها مشعوذين أو مرضى نفسيين يعانون نقص في نفوسهم نتيجة ظروف بيئة غير سوية لبث سموم الفرقة التي تخدم أوهامهم، لكي يثبتون الذات حتى لو كان ذلك بعيداً عن الأصول والمهنية وحاجيات الضمير الحي والقيم والأخلاق والمبادئ ومتطلبات الواقع الوطنية!.
أخيراً ، أود أن أنوه بأنني ذكرت هذه المواقف في هذا المقام وهي غيض من فيض باتت ممنهجة ومكررة في كل أماكن التواجد الفلسطيني، لتكون مثالاً هادفاً وانعكاسا لواقع الحال، حتى أقول لسيادة الرئيس محمود عباس إلى أين؟!، حيث أنه ليس كل ما يقال يصدق وخاصة لدى الكبار، وبأن الحقيقة تقول بأن البعض المهووس بالفكر الجغرافي المقيت الذي بات مفضوحاً بأنه يحرص على إبعادكم عمن يحبون لكم الخير ولربما أكثر وفاءاً وإخلاصاً منهم، وبالتالي ليس مناسباً الاستمرار في سلوكٍ لا يرصف الطريق الوعرة بل سيأتي بهلاك لا يحمد عقباه!.
تنويه : في تقديري أن اعتقال الوزير السابق رياض الحسن بهذه الطريقة المهينة قد يبث الرعب في نفوس المجتمعين اليوم ويمنعهم من الإدلاء برأيهم صراحةً حول الشأن الوطني العام ، ولكنه بالتأكيد ليس هو العامل الصائب الذي يتناسب مع الظروف الهائجة والملتهبة لكي يضمن بقائها تحت السيطرة ومنع الصوت من أن يرتفع ويساهم في التغيير!.

م . زهير الشاعر