مزايدة ترامب وكلينتون… كوربن… واغتيال الفكر!

بقلم: فايز رشيد

 

حصل الكيان الصهيوني على مكاسب أمريكية جديدة، من تعهدات المرشحين للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. إذ تعهدت الأولى بمنع أي قرارات دولية تمس إسرائيل وسياستها، وبعدم فرض أي مبادرات أحادية الجانب عليها، فيما تعهد ترامب بالاعتراف بما يسمى "القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل".
كان نتنياهو قد عقد لقاءين منفصلين مع مرشحيْ الحزبين الديمقراطي والجمهوري في نيويورك. بيان كلينتون الذي صدر عن حملتها الانتخابية بعد الاجتماع، أكد "التزامها بالعمل من أجل حل الدولتين، من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وبما يضمن مستقبل إسرائيل كدولة يهودية، آمنة وديمقراطية، ذات حدود معترف بها، وبما يعطي للفلسطينيين استقلالا وسيادة". كما شددت على أن إدارتها ستمنع أي قرارات ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي. وحسبما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن كلينتون التي برزت في سنوات عملها السياسي، كسيناتور في مجلس الشيوخ، ومن ثم وزيرة للخارجية، أعلنت وتعلن مرارا عن انحيازها للسياسة الإسرائيلية، وبأنها ترى "أن إسرائيل القوية والآمنة، أمر مهم وضروري لأمريكا". وشددت في لقائها على أن ستسهم في تعزيز العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين الجانبين، بما في ذلك ضمان تفوق إسرائيل العسكري على كل جيرانها.
من ناحيته، قال المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إن الولايات المتحدة تحت رئاسته، "ستقبل أخيرا دعوة الكونغرس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل". وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم"، الداعمة كليا لنتنياهو، وصاحبها وممولها شلدون إدلسون، من أبرز الممولين لحملة ترامب، إن "قرار نتنياهو بالوصول إلى ترامب في منزله، في برج ترامب، يحمل معنى استثنائيا، فاللقاءات تعقد إجمالا في الفندق الذي ينزل فيه رئيس الوزراء، ولهذا فقد تعرض للنقد من بعض الجهات الأمريكية. كما أن اللقاء مع هيلاري كلينتون كان مخططا له أن يجرى في فندق تنزل فيه المرشحة الديمقراطية".
وحسب بيان قيادة حملة ترامب فإنه "اعترف بحقيقة أن القدس هي العاصمة الخالدة للشعب اليهودي على مدى 3 آلاف سنة"، وأضاف، أنه "تحت إدارة ترامب ستجري الولايات المتحدة مع إسرائيل تعاونا استراتيجيا، تكنولوجيا وعسكريا غير مسبوق". معروف أن كلا من ترامب وكلينتون يعترفان بإسرائيل كشريك حيوي للولايات المتحدة، في حربها العالمية ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف". باختصار شديد، فإن الناجح منهما ستتركز مهمته الأولى على دعم الكيان الصهيوني عسكريا، اقتصاديا وسياسيا. إنها وظيفة كل الإدارات الأمريكية السابقة (منذ إنشاء اسرائيل عام 1948)، الحالية واللاحقة. على ما يبدو، يخطئ كثيرون في تصوراتهم ورهاناتهم على هذا المرشح الأمريكي أو ذاك، بالنسبة لفرض حل عادل للقضية الفلسطينية، أو لتأييد القضايا العادلة على الصعيد العربي. ينسى هؤلاء ما كان قد قاله الرئيس أيزنهاور في خطابه الوداعي للأمة الأمريكية في 17 يناير 1961، عن خطر تأثير "المجمع الصناعي العسكري" على القرارات السياسية الأمريكية، فقد قال بالنص: "عليّ أن أقول بصراحة، إن هناك الآن في أمريكا مجموعة صناعية عسكرية، مالية، سياسية وفكرية، تمارس نفوذا غير مسبوق على القرارات السياسية الأمريكية.. أحذركم منذ الآن من تنامي هذا الخطر، لأن الكثير من القرارات تنبع من الحفاظ على استمرار مصالح كافة أطراف هذا المجمع". في تصريح له آخر، وصف الرئيس أيزنهاور السياسة الأمريكية تجاه الدول العربية بأنها "قفزات نحو المجهول". بالتالي فالناجح في انتخابات الرئاسة الأمريكية، محكوم بسياسات مسبقة مفروضة عليه. خذوا مثلا وعود أوباما في خطاب جامعة القاهرة! هل حقق منها وعدا على مدار ثماني سنوات؟
من زاوية أخرى، خذوا تصريحات ترامب العنصرية ضد المسلمين، هذه التي دأب عليها. ليس ذلك فحسب، بل وفي حال نجاحه، سيقوم ببناء جدار على الحدود مع المكسيك، في محاولة منع تسلل المهاجرين إلى الولايات المتحدة! في الاعتقاد، أن قراءة متأنية لما بين سطور تصريحاته، تشي بأن من يقصدهم هم أبناء جنسيات معينة، أغلبيتهم من دول العالم الثالث. في الوقت، الذي وكما تقول فيه إحصائيات كثيرة، إن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، يشكلون نسبة كبيرة من العمالة في أمريكا، مقابل أجور زهيدة. بمعنى آخر، يجري استغلالهم كقوة عمل رخيصة. ترامب يريد مهاجرين من أصول أنكلوساكسونية فقط! ترامب يميز بوضوح بين البشر بناء على العرق والدين والجنس، إنها العنصرية في أبهى صورها. هذا يحدث في أمريكا في القرن الواحد والعشرين، ألا يتشابه هذا المرشح مع نتنياهو؟ كلينتون أكثر انضباطا بمعنى التصريحات السياسية، لما يعتبر "الوجه الأكثر حضارة" في العالم.
ما يربط بين نتنياهو وترامب هو تحالف العنصرية والاستعلاء، مع التطرف اليميني، يعززه تحالف استراتيجي أمريكي صهيوني مؤسَّس له أيديولوجياً، من خلال الاتفاق الاستراتيجي الموقع عام 2004 بين الولايات المتحدة والكيان. ما زلت أحتفظ بمقالة مهمة للدبلوماسي الإسرائيلي السابق أوري سافير (نشرته جريدة "معاريف" بتاريخ 14 يوليو 2015)، تحت عنوان "فشل الإطار" يتحدث فيه عن عناوين عديدة، وحول الموضع المعني يكتب: موقف "الحرب أولاً" لليمين الجمهوري الأمريكي، واليمين الليكودي الإسرائيلي وجد تعبيره في سياق الحرب الأمريكية على العراق بين عامي 2003 و2011. القيادة الأمريكية (برئاسة جورج بوش) والإسرائيلية بقيادة نتنياهو أيضاً، وعدتا بأن الحرب ستكون ضربة قاضية للإرهاب العربي، وستنشآن في بغداد نظاماً "مؤيداً للغرب". اليوم العراق مقسّم، و"القاعدة" انتشرت فيه، وأوجد "داعش" وغيره، والإرهاب الدولي في ازدياد. بالفعل لولا الحرب على العراق، لما وجدت الأصولية الإرهابية المتطرفة في عالمنا العربي، ولو وجدت، سيكون تأثيرها أقل بكثير مما هي عليه الآن. ويضيف سافير أن فشل نظرية بوش ونتنياهو، لم يقنع اليمين الأمريكي والإسرائيلي بالخطأ الاستراتيجي للساسة في البلدين. في أمريكا وإسرائيل توجد مواقف محافظة ويمينية، فالعالم وفقاً لوجهة نظر قادة البلدين، مقسوم إلى الأخيار (نحن) والسيئين (الأغيار ولاسيما العرب)، وفقط استخدام القوة، يمكنه تغيير سلوك العالم خاصة العربي. ويستطرد: "لو كان نتنياهو أمريكياً، وعلى ضوء قدراته الكلامية، لكان من أبرز السياسيين الجمهوريين". من ناحية ثانية، فإن فوز جيرمي كوربن بزعامة حزب العمال البريطاني، المعروف بتضامنه مع القضية الفلسطينية هو انتصار جديد لقضيتنا الوطنية. معروف أن "حزب العمال البريطاني" هو أكبر حزب سياسي في غرب أوروبا. فاز كوربن بعد حصوله على نسبة 61.8% من أصوات أعضاء الحزب. كوربن سعى ويسعى إلى التضامن مع شعبنا منذ سنوات طويلة وحتى اللحظة. بفوزه، سيقود (على الأغلب) حزب العمال البريطاني في الانتخابات المقبلة، التي من المتوقع فيها، أن يتصدر الحزب مقاليد الحكم في بلده، بعد الهزات العنيفة التي أصابت الحزب المنافس. يأتي انتصار كوربن بعد معركة شرسة داخل الحزب لإقصائه. وقد عبّر الاحتلال الصهيوني في كثير من المناسبات، عن تخوفاته من فوز كوربن. تعهد كوربن في مناسبات سابقة بالعمل على فرض حظر على بيع الأسلحة للكيان. كما يسود قلق كبير أوساط دولة الاحتلال العنصرية، مما تعتبره "تشدد" كوربن، إذ تعدّه عدوا لدودًا لها، فلطالما هاجم الكيان خلال 32 عامًا من عضويته في البرلمان. وأعرب مرارا عن تأييده لمقاطعة إسرائيل، وسبق له أن زار غزة عام 2014. على صعيد آخر اغتيل الكاتب ناهض حتّر أمام قصر العدل في العاصمة الأردنية. بالفعل إنه موت مؤلم بكل المقاييس. أعترف بأنني أسفت من كل قلبي على اغتياله، رغم اختلافي معه في قضيتين (سبق وأن طرحتهما "القدس العربي" في افتاحييتها حول اغتياله) القضيتان تتعلقان بشأن الوجود الفلسطيني في الأردن. تقابلنا في عدة جلسات. كتبت بضع مرات ردودا عليه. لكن اغتياله هو اغتيال للفكر. أومن بمقولة فولتير" لدّي استعداد للموت من أجلك، وفي سبيل أن تطرح وجهة نظرك"، وبما قاله المهاتما غاندي المعادي للعنف والقتل والاغتيال: "انا مستعد لأن أموت، ولكن ليس هناك أي سبب يدعوني لأكون مستعدا للقتل"، وقال أيضا: "الضعيف لا يغفر، فالمغفرة شيمة القوي". قال ذلك لأن في فكره ووعيه مساحة واسعة من التسامح والسلام .أما الكاتب والروائي الفرنسي اميل زولا فقال: "إذا سألتني، ماذا جئت تفعل في هذا العالم؟ سأجيبك، جئت لأعيش بصوت عال". ناهض كاتب إشكالي جريء وواضح، لم يجئ ليُغتال، بل ليعيش بصوت عال. تذكرت هذه الاقوال، لأن الذين اغتالوا ناهض حتّر، لا يملكون أي مساحة من التسامح.. نعم، كان مؤمنا بما يقول.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني