سيادة الرئيس : المُلْكُ لله !

بقلم: زهير الشاعر

من حديث الرئيس الفلسطيني سأبدأ مقالتي اليوم والذي قال فيه " صحيح أننا دولة تحت الاحتلال الذي يمارس الاضطهاد والقمع والاستيلاء على الارض قطعة تلو الأخرى وملاحقة الشباب وهدم المنازل، فليفعلوا ما يريدون وليبنوا ما يريدون، لكننا سنبني وطننا وسنقيم دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية"!، والسؤال هو أين وكيف ولمن؟!.
حيث أنني لا أريد أن أتحدث اليوم كما يتحدث الأخرين بردة فعلٍ ، ولا أرغب أن أشاركهم حالة غضب مشروعة في ظل غياب الأمل وإحتقار مشاعرهم وشعورهم بإهانة كرامتهم وهذا حقهم!، ولكني أود أن أتحدث عن الوجه الأخر وأبعاده حيث أنني لا أعير إهتماماً لمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمعون بيرس، لأن الأمر بالنسبة لي، ليس فيه فروقات كثيرة بين المشاركة من عدمها من وجهة نظري، كونها كانت تحقيقاً لرغبة بشغف غير مسبوق ولم يكن هناك عامل شعبي له مكانته من الممكن أن يؤثر ويمنعها في ظل عظمة اللهفة لحصولها! .
لكن بالتأكيد لا تختلف فكرتي إختلافاً جوهرياً عن وجهة نظر أبناء شعبي المحبطين الذين أصابتهم خيبة أمل كبيرة كون أن الرئيس عباس لم يذهب للمشاركة في هذا العزاء ممثلاً عن نفسه ليتخذ القرار كيفما شاء ، لا بل ذهب كونه رئيس شعب مكلوم، وذهب بإسمه بالرغم من معرفته المسبقة بحساسية الأمر، وحجم الرفض الشعبي القاطع لهذه المشاركة بغض النظر عن أسبابها أو التوافق النسسبي معها أو الإختلاف الجذري حولها!.
مع ذلك كون أن المشاركة الشخصية في العزاء من المفترض أن تكون كمبادرة إنسانية محضة بغض النظر عن جوانبها التوافقية أو العدائية، وأن لا تظهر وكأنها تمثل حالة إستجداء للقاء منشود!، لذلك كان الأجدر بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يعفي نفسه من هذا الموقف كرئيس في سياق المعطيات الشعبية، وأن يحاول أن يجد مخرجاً أخر من خلال إرسال مندوب بالنيابة عنه من الممكن أن يكون أحد أفراد اسرته!، ليقوم بتقديم واجب العزاء مباشرة لأهل الفقيد في يوم أخر أو عبر إتصال هاتفي ، ولكن المشهد لم يكن كذلك!.
حيث إتضح بشكل جلي لا يقبل الـتأويل بأن الرئيس محمود عباس كان في حالة شغف وحالة من السعادة البالغة كونه شارك وأثبت وجوده وعبر عن مشاعره التضمانية، حتى ظهر وكأنه لم يكن في عزاء صديق له كما يقول، لا بل في لقاء علاقات عامة!، بالرغم من أنها جاءت بشكل إستفز مشاعر أبناء شعبه كونه لم يكن في السابق وطوال فترة حكمه المستمرة عنوة وبوضع اليد يشاركهم أي مشاعر إنسانية مماثلة على الأقل في مصائبهم وجراحهم وأوجاعهم ونكباتهم التي غالباً ما يتسبب بها الإحتلال بشكل عام كما يرون!.
لذلك لم يعد مستغرباً حجم حالة الغضب التي لا تزال تجتاح البيت الفلسطيني في كل أماكن تواجده والتي لا زالت تتفاعل حيث عبر عنها الشارع الفلسطيني بشكل واضح كما عبر عنها مجمل الطيف الفلسطيني بما فيهم الشتات، الذين يبدو بأنهم أصيبوا بصدمةٍ وخيبة أمل كبيرة سواء ممن يساندون الرئيس عباس الذين لم يستطع أن يقنعهم أحد بمبررات مشاركته ، أو ممن هم ضد نهجه بالكامل ، حيث يبدو المشهد وكأن الجميع قد إتفقوا بأن ما قام به هو إحتقار لمشاعرهم وخروج عن الإجماع الوطني، وأصبح لسان حالهم وكأنه يقول لابد له من الرحيل!.
لا أبالغ هنا إن قلت بأنني تابعت الكثير من الرسائل الغاضبة والحزينة ممن هم من أنصاره وأبناء مؤسساته المختلفة ومنها الدبلوماسية والأمنية، وخاصةً ممن كانوا يدافعون عنه ويرفضون إنتقاد سياساته، وذلك بعد المشاهد التي ظهر فيها الرئيس محمود عباس والتي على ما يبدو أنها جرحت مشاعرهم، لا بل عبر البعض منهم عن ذلك بدموعهم من شدة الشعور بالإهانة!، خاصة بعد تلك المشاهد التي أوضحت بأنه كان كالطفل التائه أو المراهق الفرح الذي يزهو بنفسه وهو يصر على تحدي وتجاهل مشاعرهم ، بدون دراية بالمحاذير والمخاطر ، حيث أنه كان في حالة شغف وغير مصدق لنفسه بأنه كان موجوداً في العزاء لا بل ظهر وكأنه يستجدي اللقاء في الوقت الذي يتعالى فيه على أبناء شعبه ويصادر أحلامهم ويعمق ألامهم ويغلق بيوتهم ويقمعهم بدون رحمة! ، وهو يقول لزوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقت طويل وقت طويل لم نراكم!، وكأنه لم يكن مصدقاً ما كان فيه لا بل كان يتمناه وينتظره!، هذا عوضاً عن أن المشاهد التي نقلت حية لم تُظْهِر أي لقاءات بينه وبين أي مسؤولين دوليين أخرين، لا بل أظهرت بأنه كان في عزلةٍ عن زعماء الدول الأخرى وجلس بين وزراء خارجية الدول التي شاركت في العزاء، وتم تجاهل الإشارة إلى وجوده الرسمي كرئيس بين الرؤساء المعزين كما يرى الغاضبين من مشاركته هذه!.
من ناحية إنسانية كنت سأتفهم من طرفي هذه المشاركة إن كانت بصفة شخصية في سياق إحترام الخصوصية وما أؤمن به من إحترام قرار كل إنسان كما يراه مناسباً له في سياق ظروفه وعلاقاته بغض النظر عما يراه الأخرين الغاضبين من مسببات الرفض والإستنكار لهذه المشاركة.
ولكن في هذه الحالة ، لولا أن محاذيرها كثيرة بالتأكيد، لما وجد اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة مبرراً يخرجه من مأزقها ، ويعفيه من المشاركة فيها وتحمل المسؤولية عنها، بدون أن يضع نفسه في أي حرج!، كونه على ما يبدو كان يعلم من خلال موقعه ما سيترتب عليها من غضب شعبي عارم ومسؤولية كبيرة كونها تمثل مقامرة غير مضمونة لا تتلائم مع المزاج الشعبي العام ، خاصة في ظل الغضب الشعبي العارم والمتصاعد والرافض لتلك المشاركة!.
إن دلالات مخرجات عدم حضور اللواء ماجد فرج كثيرة وحساسة جداً وهي بحاجة للتوقف عندها ، حيث أنها تحمل قراءة واضحة بأن المرحلة تمر بمنعطف خطير جداً باتت تنتظر تسجيل نهاية الحلقة الأخيرة لها، والتي بدأت تسجل سطورها بالفعل، ولا أحد يدري كيف ستكون ومتى ومن أين ستكون!، ولولا ذلك لما كان هناك حادثة سيارة اللواء فرج ، التي يبدو بأنها كانت مفتعلة بعناية كما يراها الكثيرين ومنهم ضباط أمن من داخل المؤسسات الأمنية! ، وكما يقولون لو كانت الظروف الوطنية غير ذلك ، بالتأكيد كان المشهد سيكون مختلفاً وذلك من خلال السعي والمسارعة بالمشاركة وتسجيل الحضور!.
سيادة الرئيس ، من يظن أنه الأذكى وأنه الخالد وبأنه القادر وبأنه الذي يستطيع أن يتحدى مشاعر أبناء شعبه ، وأن يفعل كل شئ وقتما أراد وكيفما أراد لإهانتهم وتعميق جراحهم معتمداً على ألة ترهيبهم، بالتأكيد هو مخطئ وعليه مراجعة حساباته!، حيث أنه بدون أدنى شك أن الأرض لم تعد هي نفس الأرض تحت أرجلكم كما تظنون ، وأن المُلْك ليس لكم كما تعتقدون !، وأن القادم كما يبدو سيكون حرائق أنتم من يضع حطبها ، وأنتم من تصبون وقودها، وأنتم من يدفع بإنطلاقة شرارتها ، لا بل أنتم من يعجل بلهيبها!.
سيادة الرئيس ، لا أتحدث إليكم هنا نثراً أو شعراً أو أحكي روايةَ أو لربما تظنون بأنها أحرفاً غاضبة في سياق فلسفة عابرة!، ولكني أتحدث إليكم بمشاعر صادقة عن حقيقة باتت واقع!، وهي بأنكم سجلتم فصل النهاية التي لم نكن نتمنى لكم أن ترسموها لتسلك هذه الطريق الوعرة، حيث إنتشرت بالأمس في كل أرجاء الدنيا وثيقة تنص على سحب الثقة منكم، وبأنكم لم تعودوا تمثلون شعبنا وأبنائه ،وهذا مثال لحالة الغضب فهل أنتم تقبلون منصب رئيس بلا شعب مثلاً أم أن هذه هي غايتكم؟!.
سيادة الرئيس ، قبل عدة أيام سارعتم بفصل أربعة اشخاص لهم مواقع رسمية في أطر فلسطينية قيادية ، وكأن قرارات الفصل وإذلال الأخرين باتت هي المصدر الوحيد لقوتكم ، متجاهلين بذلك أن الحقيقة تقول بأنها لم تعد سوى تمثيل قمة ضعفكم!، إثنين منهم أعضاء مجلس تشريعي لم يأتوا بقرار منكم ولا تملكوا الحق بفصلهم، وإثنين أخرين أعضاء في المجلس الثوري لحركة فتح إختارتهم قواعد حركتهم التي إنتخبتكم كما إنتخبتهم !، فكفوا عن هذه الخزعبلات والإعتداء على هذه المحرمات، وكفوا عن تغولكم على القانون ومواده لأن ذلك يعمق الجراح، فأبناء شعبكم ليسوا عبيداَ ولا رعاة أغنام لتتسلطوا على رقابهم وقتما شئتم!.
سيادة الرئيس، إن المُلْكَ لله وحده وهو من جعل منك رباً لهذا الشعب وهو رب الأرباب!، لكي تعبده كما يعبدونه وتكون عادلاً فيما بينهم، لا أن تجعلهم يخشون سلطانك وتَجَبُرَكَ عليهم ولا يخشونه!، وهو من أخذ رفيق دربكم الراحل قبل أيام نمر حماد بدون أن يستأذن منكم أو أن يخبره بساعة أجله!، لا بل أخذه وأنتم تبتسمون ويتراقص قلبكم فرحاً في لحظات غيابه والإعلان عن موته وقبل تشييعه وكأنه لم يكن رفيق دربكم!، فقط لأنكم كنتم تحضرون عزاء رفض شعبكم بأكمله مشاركتكم فيه!، فتخيلوا حال غياكم عندما يقرر الله رب الأرباب أجلكم، وكم هم من سيتراقصون يومها من أبناء شعبكم الغاضبين على سياساتكم فرحاً بدلاً من مشاركة أهليكم وأبنائكم الحزن على غيابكم!، ففكروا بذلك لأن المُلْك ليس لكم!.
سيادة الرئيس ، أخاطبكم بمشاعر صادقة ، كفى هذا التفكك والعمل على خلق المزيد من التشرذم ، في ظل هذا التحدي لمشاعر ابناء شعبكم وإصراركم على خسارة ما تبقى لكم من رصيد بينهم!، لأن غداً لم يعد بعيداً كما تظنون، وقد كنتم بالأمس قلتم أمام الأطر الفتحاوية بأن من يشارك في مؤتمر القاهرة المؤجل والذي تداعى إليه أنصار القيادي الفتحاوي محمـد دحلان بأنه يمثل خيانة وطنية، فهل ذلك لأنه خصمكم؟!، وما هي دلالاتكم على هذا بعد هذا الغضب الشعبي عليكم؟، وبأن المشاركة في مؤتمر وطني جامع خيانة وطنية في الوقت الذي يعرف عنكم بأنكم أنتم من تغلقون الباب أمام التوافق ووقف التشرذم والتفكك؟!، وهل من يضع نفسه في موقع الشكوك يستطيع أن يحدد من هو وطني ومن هو خائن؟!، ، بالرغم من أنه كان هناك فرصة للإستماع لكلامكم من الكثيرين من أبناء هذه الأطر ، ولكن اليوم، ولربما أنكم لا تدرون بأن هذه الأطر الفتحاوية التي حذرتموها بالأمس من أن المشاركة في هذا المؤتمر هي خيانة وطنية ، هم أنفسهم قد بدأوا يتسابقون للتعبير عن رغبتهم بالمشاركة فيه، ليس خروجاً عن حركة فتح ورغبة بإنقشاقها، ولكن حرصاً من الجميع عليها وإنقاذها منكم !، مع القبول بصفة الخيانة التي تأتي من المشاركة فيه إن كانت هذه هي وجهة نظركم ، لأنها أكثر رحمة وتمثل أكثر شرفاً من الوطنية التي حددتم معاييرها!،!.
سيادة الرئيس ، ماذا لو قرر القيادي محمــد دحلان عقد المؤتمر الفتحاوي خلال أيام ، ومن ثم فتح الباب أمام المشاركة الواسعة للجميع عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة وغيرها!، وكانت النتيجة المشاركة بالألاف، وتخرج بتوصيات للكادر الفتحاوي بسحب الثقة منكم كرئيس لحركة فتح، ومن ثم دعوة الشعب الفلسطيني للمبادرة بالنزول للشوارع لسحب الثقة منكم كرئيس؟!، فهل هذا هو الحل الذي تريدون وتعملون من أجله؟!، وهل بإعتقادكم أنكم تستيطعون مواجهة حالة غضب أبناء الشعب الفلسطيني بمثقفيه وكوادره وإعلامييه الذين تنتابهم حالة من السخط والغضب إن قرروا أن يباركوا هذا الإجتماع والمشاركة فيه إعلامياً وثقافياً لتحفيز الشارع لإتخاذ القرار بأنهاء مرحلتكم؟!.
لا يا سيادة الرئيس، أنتم أدخلتم الجميع في طريق وعرة للغاية ، ومن هم حولكم سينفضون عنكم أجلاً أم عاجلاً ، ولربما أجهزتكم الأمنية تتخلى عنكم وتترككم لوحدكم فجأة وأسرع مما تتوقعون، ولربما أيضاً أن هناك الكثير الذي لربما يفاجئكم أكثر مما تظنون!، لأنكم لستم من الألهة إن كنتم تعتقدون، لا بل إن مكانتكم أصبحت لا تحظى بثقة شعبية ، وعرشكم أصبح يعاني الوهن والضعف، وأركانه باتت مهزوزة!، فماذا لو إشتعلت النيران؟!، هل هذا هو ما تريدون لأبناء شعبكم؟!، ولماذا السير بغرورٍ ومكابرةٍ وتحدٍ في طريق هذا الدمار ؟!.
أخيراً ، سيادة الرئيس أود أن أنوه إلى شئ مهم وهو بأنه قبل عدة أيام دعت إحدى الجاليات الفلسطينية في دولة عظمى أحد خصومكم وهو رجل دولة وصاحب فكرة وطنية جامعة، فإلتف حوله أبناء جالية مؤثرة ، بالرغم من المحاولة المستميتة لسفيركم في هذه الدولة العظمى وكان ذلك خلال تواجدكم فيها واثناء حديثكم أمام مؤسسة دولية !، وذلك لمنع إستضافته، فكان الجواب من ابناء هذه الجالية هو الترحيب به رغم أنف سفيركم ، وكان الحضور يستمعون إليه بشغف وتركيز وترحيب وينصرفون عن خطابكم ويتجاهلون الإستماع إليكم! ، تعرفون لماذا؟، لأن مصداقية حكمكم باتت محل شك، وخصوماتكم فاجرة لا تجلب حلول!، بل ضيعت الوطن وجمدت مستقبل أجيال وحطمت أمال شعب بأكمله وعمقت الألام والأوجاع لأبنائه، ولم يعد لديكم ما تقدمون إليه، فلكم الخيار بتقدير الأمر، ولكن عليكم أن تتذكروا بأن الملك لله وحده وليس لأحدٍ سواه!.

م . زهير الشاعر