استخلاصات التاريخ السياسي ....لثورات الشعوب .

بقلم: وفيق زنداح

عنوان المقالة يأتي في السياق التاريخي لمجريات الأحداث وما أنتجته الثورات العالمية والحركات السياسية من نتائج حقيقية أوصلت معظم شعوب العالم الي الحرية والاستقلال ....حيث اطلعنا وقرأنا وتابعنا عبر سنوات طويلة وحتي اللحظة العديد من الاستخلاصات التي تؤكد أن لكل مرحلة متطلباتها أدواتها ووسائلها ....وأنه ليس هناك من حالة جمود وتكلس تصيب الفكر السياسي لأي حركة سياسية اثبت التاريخ والواقع بأنها قد انجزت مشروعها وأهدافها .....بل ان الفشل حتمية تاريخية ونتيجة نهائية لا مناص منها وهذا ما حدث بالكثير من الحركات الثورية والعقائدية والاصولية .
المنطقة العربية وقد تم تقسيمها باتفاقية سايكس بيكو بين الاستعماريين البريطاني والفرنسي ....وخاضت الشعوب العربية وحركاتها السياسية مقاومة بأوجه عديدة لأجل تحقيق استقلالها الوطني .
كما حال الشعوب العربية كان حال الكثير من الشعوب الافريقية والاسيوية والاوروبية التي حاربت القوي المستعمرة لأرضها ما بعد حروب عالمية كانت نتائجها المزيد من الدمار والقتل ومسح مدن بأكملها .
التاريخ السياسي للثورات العالمية يؤكد لنا ولغيرنا الكثير من الحقائق السياسية والتي لا يمكن لأحد الخروج عنها أو التهرب منها ....وبالتاريخ المعاصر العديد من الامثلة لنماذج الصراع والنزاع والتي وصلت في بعض مراحلها الي مرحلة المواجهة وخطر التهديد النووي والصاروخي ....كما حدث ما بين كوبا وأمريكا.... وما يحدث اليوم بين الكوريتين الشمالية والجنوبية ...وما حدث قبل سنوات من نزاع حدودي ما بين باكستان والهند .
نزاعات وصراعات بالعديد من المناطق في هذا العالم مر البعض منها بسلام ....ولا زال البعض منها يواجه صراعات عنيفة ...وصدامات أدت الي مقتل الالاف .
تاريخ الثورات العربية واستخلاصاتها وما حدث بالجزائر واستقلالها بعد ثورة المليون ونصف المليون شهيد والتي قادتها جبهة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الذي امتد باحتلاله لما يقارب 130 عام للأرض الجزائرية والذي انتهي عبر المفاوضات وما تحقق بالجزائر من استقلال وطني .....كما حال تونس والمغرب وليبيا مع الاحتلال الايطالي ....كما الاحتلال البريطاني لمنطقة القناة والذي انتهي بعد مفاوضات مع قيادة ثورة 23 يوليو انتهي باتفاقية الجلاء .
معظم الدول العربية وقد مرت بمراحل الثورة والمقاومة ومن ثم مرحلة التفاوض مع القوي المستعمرة والمحتلة ....وهذا ليس جديدا ومستجدا ومختصرا على العرب وثوراتهم ....بل بمراجعة تاريخ الثورات العالمية في فيتنام ومقاومة الفيتكونج للولايات المتحدة والذي انتهي بمفاوضات باريس والانسحاب الامريكي .
الكثير من دول العالم في اوروبا ...افريقيا ...واسيا كما المنطقة العربية قاوموا لسنوات طويلة حتي وصلوا الي مرحلة التفاوض وانتزاع الاستقلال الوطني بعد مفاوضات طويلة حاول فيها المستعمر ان يحقق من النتائج ما يمكن أن يوفر له المزيد من السيطرة والتواجد وهذا ما حدث مع اليابان والولايات المتحدة بعد أن تم ضرب هروشيما ونجازاكي من قنبلة نووية وأرادت امريكا ان تحتفظ بقواعدها الا أن الشعب الياباني استطاع بارادته أن يصنع مجده وتطوره وأن يجعل من هذا البلد منافسا دوليا في ميزان التجارة العالمي ...كما الصين الشعبية التي انتزعت وجودها وتقدمها على خارطة السياسية والاقتصاد الدولي بفعل ارادة شعبها ...وحكمة قيادتها .
كافة المناطق بالعالم وعبر التاريخ خاضت حروب وثورات انتهت بتحقيق أهداف الحرية والاستقلال بعد تضحيات جسام وبعد مسيرة كفاح طويل قدم فيها الكثير من التضحيات والدمار والتهجير .
نحن في فلسطين لسنا خارج السياق التاريخي للثورات العالمية ....بل نحن في صلب هذا السياق والمضمون الثوري والسياسي ....وقد ناضلنا وقاومنا بشتي الوسائل التي توفرت بين أيدينا ما قبل النكبة وما بعدها ...وواجهنا الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية وتم ممارسة ابشع الجرائم والمجازر بحق شعبنا الاعزل من دير ياسين الي ما لانهاية بتاريخ جرائم هذا الكيان العنصري ومجازره اليومية التي تقتل أطفالنا وشبابنا .....وتهدم منازلنا ...وتستوطن أرضنا ....وتحاصرنا وتقتل الآمال بداخلنا.
مسيرة نضال طويل لم يتوقف للحظة واحدة عبر كافة المحطات التاريخية ...حتي جاءت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ....لتكون الرصاصة الأولي التي اخترقت حاجز الصمت وحالة السكون ولنجعل من المنطقة بحالة اشتباك دائم مع عدو غادر لا زال يحتل أرضنا ولا زلنا على مواجهته في الميدان وفي حلبة السياسة الدولية .
الثورة الفلسطينية ومسيرة كفاحها النضالي الممتد منذ عقود طويلة وحتي يومنا هذا وما سجله التاريخ الحديث منذ الكرامة وحتي الجنوب اللبناني بالعرقوب وقلعة شقيف ومخيمات اللجوء وجبل الشيخ ....وما تم تسجيله من بطولات كفاحية بكل بقعة من أرض فلسطين من نابلس جبل النار وحتي جنين ....الي رفح قلعة الجنوب .
ثورة كفاح شعب .... أراد أن يوصل رسالته بكل الطرق الممكنة لأجل نيل حريته واستقلاله حاول تقديمها عبر البندقية ...كما يحاول اليوم تقديمها من على منبر الامم المتحدة وعبر اللقاءات الدولية والثنائية حتي يتمكن شعبنا من انجاز استقلاله الوطني بعد أن قدم شهداء من قادته وكوادره وأبناء شعبه دفاعا عن ثورتهم وأهدافهم الوطنية ...واستقلالية قرارهم الوطني المستقل .
هذا التاريخ الحافل المليء بالتضحيات والمواقف الشجاعة.....بمرحلة تاريخية تجمع الجميع حولها على اعتبار ان الكفاح المسلح خيار نضالي للوصول الي الاهداف الوطنية للشعوب المقهورة والمحتلة وعلى قاعدة أن المقاومة حق طبيعي للشعوب ...كما أقرت الشرعية الدولية
المتغيرات السياسية والاقليمية والدولية وحتي الفلسطينية الداخلية في ظل انتفاضة الحجارة وما صاحبها من مواقف دولية أدت الي الدعوي لعقد مؤتمر مدريد وما جري من مفاوضات وما تم من اتفاقية اعلان المبادئ أوسلو بالعام 93 بعد أن أخذت القيادة الفلسطينية قرارات شجاعة في الدورة التاسع عشر بالجزائر والتي استندت فيها الي القرار 181 ...والقرارين 242 ...338 .
هذا التاريخ السياسي والنضالي والذي يتعرض لبعض الانتقادات ومحاولة التشهير والتجريح يفرض علينا ان نسأل أنفسنا..... بأنه لو لم يكن هناك اتفاق أوسلو وبناء السلطة الوطنية في ظل ما يجري في دول المنطقة ....كيف يمكن تصور أحوال شعبنا وثورتنا ...قضيتنا وقيادتنا ؟؟.....الاجابة فيها الكثير من الصعوبة اذا ما كنا بحق نراجع أنفسنا ....ونتحقق من كافة قضايانا ....ونجري البحث والتدقيق..... بكل محطة من محطات مسيرتنا.... وكل استخلاص من استخلاصات تجربتنا..... فالأمور جد خطيرة وتحتاج الي المزيد من الموضوعية.... والاتزان ....وانهاء حالة المزايدة والمماحكة ....وقلب الحقائق.... ونحن نعيش بعالم متحرك هجرت فيه شعوب بأكملها ....ويجري شطب دول بأكملها ....وعلى الاقل تقسيمها في ظل مشروع اعادة توطين الشعوب .
هل فكرنا جيدا لو اننا كنا ضمن هذا الاطار المخطط ؟؟.
هذا لا يعني أننا خارج اطار التآمر علينا بل نحن في صلب ومضمون حالة تأمريه احدثت الضعف بأحوالنا من خلال انقسام مرير ...وحالة تشتت ومناكفات وتجاذبات واتهامات وصلت الي الحد الذي لا يقبل ...والذي لم يعد مسموح به بمحاولة المساس بقادتنا وقيادتنا التاريخية والشرعية .
من هنا فالأجيال مطالبة بالمزيد من القراءة والاطلاع والثقافة لتاريخ الثورات العالمية ...كما تاريخ ثورتنا الفلسطينية وما تم من تحركات ولقاءات ومفاوضات ....بعد مسيرة كفاح طويل قدمنا فيها أغلي القادة والرموز وعلى رأسهم الرئيس الخالد ياسر عرفات .
نحن بحاجة الي المزيد من الدراية وعمق التفكير ...وعدم الانصياع والاستماع لكل ما هو رنان من خطابات وشعارات تعزز أرضية المزايدات ....على حساب أرضية الوحدة والالتقاء ...تعزز التلاعب بالكلمات ....ودغدغة العواطف ...وتغييب العقول ....وحرفنا عن مسارنا ...واستخلاصات تجربتنا.... التي ستبقي شاهدة بفكرنا ....وبتاريخ بلادنا .
الكاتب : وفيق زنداح