المبررات والحجج والذرائع التي سيقت من اجل تاجيل الإنتخابات البلدية والمحلية او الغائها،والتي كان من المقرر اجراؤها في الثامن من الشهر الحالي في 416 مدينة وبلدة فلسطينية في الضفة والقطاع،كانت حول عدم شرعية القضاء في قطاع غزة وما ينبثق عنه من محاكم ولجان اشراف وامن وغيرها،بالإضافة الى عدم شمول الإنتخابات لمدينة القدس "كشماعة او مشجب" للتاجيل،ورغم ان هذه الحجج والذرائع بدت غير مقنعه للشارع الفلسطيني والكثير من القوى السياسية الفلسطينية،لأن التاجيل بدون مواربة حمل تواقيع وبصمات سياسية،نتيجة تدخلات اسرائيلية وامريكية وعربية في القرار الفلسطيني،إلا أن المحكمة قبلت الطعون وتأجلت الإنتخابات.
المهم بالأمس الإثنين 3/10/2016 اتخذت محكمة العدل العليا قراراً بإجراء الإنتخابات في محافظات الضفة الغربية دون قطاع غزة والقدس،والتي تقفز عنها كل القوى السياسية الفلسطينية،لأنها تسبب لهم الحرج وتكشف عوراتهم،فمشاركة المقدسيين في الإنتخابات،بحاجة الى إشتباك سياسي مع المحتل على السيادة،وكل القوى والمركبات السياسية الفلسطينية من أقصى يسارها الى أقصى يمينها غير جاهزة او مستعدة لهذا الخيار والقرار.
إن القرار المتخذ من قبل المحكمة كاعلى هيئة قضائية بهذه الصيغة والوضعية،المشرع للإنتخابات في الضفة الغربية،والمعطي مدة شهر من اجل ترتيب كل ما يتعلق بإجرائها ورفض إجرائها في قطاع غزة،وعدم التطرق بالمطلق للإنتخابات للقدس،ينطوي على الكثير من المخاطر،فأغلب إن لم يكن جميع القوى السياسية،وحتى لجنة الإنتخابات المركزية نفسها،متفقين على أن إجراء الإنتخابات بهذه الطريقة ستشرعن وتكرس الإنقسام،وتعمل على تعمقه،وستغلق الباب امام أية انتخابات رئاسية وتشريعية.
والشيء الغريب والذي يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الإستفهام هو،انه عندما اتخذ القرار بإجراء الإنتخابات البلدية والمحلية،هل كان هذا القرار بدون علم ودراية لواقع الحال في قطاع غزة والسلطة التي تتحكم فيها..؟؟أم ان هناك من كان يراهن في إطار الصراع الداخلي والمناكفات وتحميل المسؤوليات على رفض "حماس"بالمشاركة في هذه الإنتخابات..؟؟،ام ان المسألة نوع من "الفنتازيا" و"التحشيش" الفكري التي تعودنا عليها في الساحة الفلسطينية،"الكل بصرح مسؤول ومش مسؤول" ،أم ان وراء الأكمة ما ورائها أو أسباب ربانية؟؟.
الجميع يعرف واقع الحال في قطاع غزة،والإنتخابات عندما أقرت،كانت هناك توافقات بين القوى السياسية ولجنة الإنتخابات المركزية واجازت إجرائها وفق واقع الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أعتقد بان مثل هذا القرار صادم،وجهاز القضاء في أعلى هيئة له،لم يكن على مستوى المسؤولية،وقلل من هيبته وإحترامه،والأولى به في المرة الأولى عندما تم رفع القضية بالطعن في إجراء الإنتخابات،رد الطعن المقدم ورفضه،وواجب لجنة الإنتخابات المركزية والقوى السياسية والسلطة،تقديم دفاعها بالتوافقات التي حصلت،وليس الإنسياق وراء حجج وذرائع تحمل بعداً سياسياً واضحاً،ليس للتاجيل،بل للإلغاء.
فقرارها المتخذ يعني بشكل واضح منع المواطن الفلسطيني في قطاع غزة من ممارسة حقوقه السياسية في الترشّح والانتخاب،وحرمان المواطنين من حقهم في اختيار ممثليهم في الهيئات والمجالس المحلية،وهذا القرار اعتقد بانه سيكون له إنعكاسات خطيرة على مجمل الوضع الفلسطيني،وهو ربما في ظل الحالة الفلسطينية الراهنة سيؤسس لمرحلة يدفع فيها الكل الفلسطيني أثماناً باهظة جدا.ً
الكل الفلسطيني يدرك بان السير في الإنتخابات وفق قرار محكمة العدل العليا،يؤسس للمزيد من الشقاق،وأن ذلك يشكل قطعًا مع الجهود التي بُذلت ولا تزال من قبل العديد من القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية لأن تُشكّل هذه الانتخابات محطّة يتم البناء عليها، وآلية من آليات مغادرة حالة الانقسام وصولاً لإجراء انتخابات المجلسين الوطني والتشريعي، وانتخابات الرئاسة ولذلك فالحكومة مدعوة إلى معالجة قرار المحكمة بإجراء الاتصالات اللازمة مع القوى السياسية، وذوي الشأن بالانتخابات المحلية،لتهيئة المناخات اللازمة لإعادة إجرائها،وتحديد موعد جديد وسريع من أجل ذلك، بعيدًا عن التسييس المبالغ فيه،الكل الوطني الفلسطيني مدعو إلى التعقّل، وعدم حرف البوصلة،والتراجع عن عقد الانتخابات في الضفة دون غزة والقدس،وجميع العقلاء من الأحزاب والقوى وأصحاب القرار في المنظمة وسلطتي غزة والضفة الغربية ولجنة الإنتخابات المركزية ومؤسسات المجتمع المدني،عليهم أن يتداعوا للجلوس على طاولة حوار ونقاش علني بنّاء ومسؤول لأن الجميع في خطرٍ داهم. وكذللك على الجميع تجاهل أية خلافاتٍ أو حساباتٍ سياسية، والتحدث بواقعية بعيداً عن الأعذار والمبررات، لأن هكذا سلوك سيكون من شأنه أن يكرّس انفصالاً فلسطينياً تاماً، ويقضي على آخر أمل في رؤية الوحدة الفلسطينية من جديد.
إن القرار الذي اتخذته الحكومة بتأجيل الإنتخابات لمدة أربعة شهور،قرار جيد ولكن هذا القرار يفتقر الى آليات حل لكيفية إجراء الإنتخابات فنفس الوضع والمعيقات قائمة،وهذا يستدعي ان يجري العمل على إستعادة الوحدة الوطنية قبل الحديث عن اجراء ا قرار محكمة العدل العليا ...والدخول في المتاهاتلانتخابات او ان تجري الانتخابات وفق التوافقات السياسية بعيدا عن الخوض في الشرعية وعدم الشرعية فشرعيات الجميع انتهت،والحديث التوتيري والإنفعالي من الناطقين الرسميين باسم طرفي الانقسام،اعتقد انه لا يساعد على الحلول والتوافق بل يصب الزيت على النار ويدفع نحو المزيد من الافتراق وليس التوافق.
بقلم/ راسم عبيدات